الخميس 05-12-2024

مشاهد القهر تتكرر كل يوم في لبنان، فمتى ستكسرون القيد؟

×

رسالة الخطأ

د. انتصار الدنان

مشاهد القهر تتكرر كل يوم في لبنان، فمتى ستكسرون القيد؟

د. انتصار الدنان

المشهد صار مألوفًا للبنانيين الذين يقفون لساعات طويلة بانتظار أن يملأ عامل محطات الوقود سياراتهم بالوقود الذي لا يستطيع العديد من المنتظرين لساعات طويلة الحصول عليه، "عفوًا أستاذ خلص الدوام، أو فرغت خزانات الوقود"، لكن الأمر غير المألوف هو أن لا ينتفض ذلك الشعب الذي فقد كل مقومات الحياة. الدواء مفقود بانتظار رفع الدعم عنه؛ ليخرجه مخزنوه من المستودعات، وأعداد كبيرة من المرضى يعانون. حليب الأطفال مفقود، والأمر ذاته، لكن المثير في الأمر أن يتم إتلاف 20 طنًا من حليب الأطفال بعد انتهاء صلاحيته بسبب جشع التجار الذين أيضًا حرصوا على تخزينه، بانتظار رفع سعره، وبيعه لاحقًا إما في السوق السوداء أو بانتظار بيعه بأسعار مرتفعة. سعر صرف الدولار يحلق ولا حسيب ولا رقيب، ولا من يسأل عن سبب ذلك الفلتان، صرنا نشعر بأنه لو حكمتنا شريعة الغاب أفضل مما نحن عليه الآن. صرنا نشعر بأننا أحياء في هذا البلد من " قلة الموت" على العلم أن وباء كورونا بات يحصد العديد من الناس. لم نعد نعرف كيف نعيش في هذا البلد، لا مياه، ولا كهرباء، حتى النفس ملوّث. الأسعار تضج من كثرة ما يبدلها أصحاب المؤسسات التجارية. اللحوم صارت من المستحيل أن تحصل عليها شريحة كبيرة من المجتمع اللبناني ممن يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، هذا إن كان لديهم عمل. المواطن يصرخ، راتبي زهيد (900 ألف ليرة لبنانية، حوالي 60 دولار أمريكي)، و منذ عشرة أشهر وهو على هذه الحال، عندي إيجار منزل، وولد، ومولد، وهاتف، ومياه، إلخ... من أين سيأتي هذا العامل بالمال الكافي؟ وكيف سيعتاش؟ لم أعد أستطع تحمل فكرة أن يظل الناس مخدرين إلى هذا الحد، إلى أن يظلوا موافقين على هذه التفاهة من الحياة، يخضعون للزعيم. هو يأكل لحمهم، وهم يكسرون عظامهم في الذل الذي يرتضونه. فلماذا لا يثور اللبنانيون. لو فرضنا مثلًا أنهم قاطعوا البيض، أو الدجاج أو الخضار لمدة أسبوع، ما الذي سيحصل لهم؟ لو فرضنا أنهم أضربوا، وتوقفوا عن العمل، وأغلقوا محطات الوقود ومنعوا أصحابها من العمل، وكبدوهم خسائر مادية عالية، فما الذي سيصل؟ لن يحصل شيء في النهاية، المواطن اللبناني هو الخاسر الأكبر كما يعتقد، فلا الزعيم سيهتم، ولا البيض سيرخص ثمنه، ولا الوقود سيتوافر، لكن جراء كل ذلك ألا يجب على المواطن اللبناني أن ينتفض؟ أيرفع راية الاستسلام ويرحل عن بلده؟ وإلى أين؟ وأي تراب سيكون أحن عليك من تراب وطنك؟ بصفتي ولدت لاجئة في هذا البلد، وعلى الرغم من أنني سئمت العيش فيه، لا لأنني لا أحب لبنان، بل لأنني أذل في اليوم مئات المرات، فأنا أنتظر في الصف لأملأ سيارتي بالوقود، والأسعار العالية تشملني، فهي لا تفرق بيني وبين اللبناني، وأعاني من انقطاع الكهرباء والماء، بل لأنني أرغب في العودة إلى تراب بلدي، ولو نمت في العراء. أيها المواطن اللبناني، عليك ألا تهرب من هذا الواقع. عليك أن تواجه، أن تنتفض، أن تحارب من أجل أن تبقى في أرضك، فلن تجد مكانًا أحن عليك من شمس بلادك حتى لو حرقتك، وعندما تهاجر ستشعر بالإحساس الذي أشعره أنا اللاجئة في لبنان كل يوم. لأنني لاجئة لا يحق لي أن يكون بيتي ملكًا لي، ولا يحق لي العمل، ولا يحق لي الضمان الاجتماعي هذا إن عملت، وبعقد مشروط، أيها اللبناني، عندما تطأ قدمك مدرج مطار آخر ستشعر حينها بالغربة والهوان. أيها اللبناني، ثر، من أجل كرامتك، انتفض، وأعلن العصيان المدني، أوقفوا التهريب، اضربوا بيد من حديد على أيدي التجار الفاسدين الذين يسرقونكم في الثانية الواحدة آلاف المرات. أيها اللبناني، قاطع البيض، اللحم، الدجاج، الخضار، قاطع الوقود، حتى يجب عليك أن تقاطع الحياة، فإن مت لمن ستبقى البلاد؟ ومن سيحكم الحكام؟ عندما تقاطع، لن يجدوا غير زوجاتهم وأبنائهم حتى يحكموهم، وهذا مستحيل.

انشر المقال على: