مسيرات العودة: ماذا بعد؟
مع كل يوم اضافي تستمر فيه مسيرات العودة يتصاعد سؤال محق عما بعد هذه المسيرات، ولا جواب كافي أمام مثل هذا التساؤل الذي جزمنا بأحقيته سوى كلمتين قالهما كل من قاتل محتل غاصب لأرضه فما بالك بمن يقاتل في وجه عالم يحكمه جور الطغاة وأباطرة الإبادة والحصار. كلمتين فقط " النصر أو الموت".
في إطارٍ أوسع لا يمكننا أن نُبصر مسيرات العودة كجزء من نضال فلسطيني لإنفاذ حق العودة فحسب، بل هي صوت وقبضة تدق جدران الاستعباد التي تبنى في هذا العالم لتسحق خلفها المقهورين، وتديم سيطرة امبراطورية القتل الإمبريالة بأذرعها المختلفة، وبأضيق الأطر وأكثرها محلية "أو غزية"، هي خلاصة التعبير عن الإرادة الحرة لكل فرد في هذا القطاع الصامد وهذا الفضاء الفلسطيني المحرر اختار القتال لأجل الخلاص الجماعي، بديلا عن استجداء شفقة القتلة من أجل نجاة فردية لن تكتب له أبدا على يد هؤلاء القتلة الفاشيين، فالعدو الصهيوني اليوم يبدو أكثر وقاحة وجرأة على جرائمه، بفعل تهاون وتآمر غير مسبوق من النظم العربية الرجعية المصممة على ارتهانها للمستعمر، واصرار من فريق التسوية الفلسطيني على استعداء جماهير هذا الشعب، والتنكر لكل قطرة دم سالت من شهيد في خضم المشروع التحرري الوطني الفلسطيني.
هذه مجزرة يتشارك فيه القتلة جميعًا بوجوههم الكثيرة والمتعددة، أؤلئك الذين اعلنوا بوضوح انحيازهم للقتلة، ولكيان مجرم بكل ما للكلمة من معنى، وأؤلئك الذين رفعوا رايات معاركهم الطائفية الخبيثة في وجه بوصلة فلسطين الواضحة والتي لم تكن يومًا تتعارض مع اي طالب حق صادق في هذه المنطقة أو في العالم، فهذه معركة بين حق واضح وضوح الشمس وبين باطل وقح لا يتعهد العالم إلّا بمستقبل مظلم حالك السواد تعلو فيه أصوات الطائرات على أنين ضحايا القصف، ولا مكان للحياد، فالحياد محض انحياز لهذا الباطل ولا مكان لتدوير الزوايا ولمناورات الساسة، واذا لم تلق المنظومة الصهيونية عقابها ومصيرها بالزوال فلا أحد سينجو من هذا المصير المظلم وما تتلقاه غزة والضفة القدس، وكل بقعة فلسطينية، من جرائم يومية ينتظر كل مدينة وحي في هذه المنطقة.
غزة منذ اليوم الأوّل لهذه المسيرات قد أشهرت دمها راية، ليلتف حولها كل الأحرار ورافضي الخضوع لمنطق الغزو الوحشي والذل والاستعباد، وهناك قلة تتسع شيئا شيئا تلتقط هذه الراية، وتهتف بإسمها، وتعلن انضمامها لها في معركتها، هذا كان نداء المذبوحين بطائرات العرب في صنعاء الصمود، هذه كانت استجابة حيفا، وتظاهرة أم الفحم ، وهذه ستكون رسالة كل حجر أو رصاصة سيتلقمها جنود العدو الفاشي في كل شبر من أرض فلسطين.
ما فعلته مسيرات العودة أنها أعادتنا للمربع الاول الواضح كشعب يقاتل بكل ما يمتلك من قوة وأدوات بسيطة ضد عدو فاشي مجرم، اعادت لنا إيماننا بكوننا شعب واحد ، وأعادت كل البديهيات التي حاول العدو تغييبها، فلسطين البوصلة للنضال العربي، فلسطين الواحدة الموحدة ضد هذا العدو، فلسطين المحتلة التي ستقاتل هذا العدو حتى الحرية والاستقلال و شعبها الواحد الذي لن يترك بعض من أهله يذبحون بسكين الحصار ورصاص القناصة وقرارات العقوبات، هذه البلاد التي قالت كلمتها " الموت للطغيان وشعبنا يحيا" .