الجمعة 07-02-2025

مستقبل إسرائيل من خلال إعلامها

×

رسالة الخطأ

د. فوزي الأسمر/ الولايات المتحدة

مستقبل إسرائيل من خلال إعلامها

بقلم : د. فوزي الأسمر

عندما وصل ثيودور هرتسل إلى قناعة بوجوب حل المشكلة اليهودية عن طريق إقامة دولة لليهود ، في أي مكان في العالم ، كان مقتنعا أيضا أن هذه الدولة ستكون دولة مثالية ، يشعر بها اليهودي بالأمان ، ويعيش فيها حياة هادئة ، دولة ينتعش إقتصادها وتمنح مواطنيها عيشة رغيدة.
ولكن الأمور لم تسر كما تمنى لها أب الحركة الصهيونية ، فهذه الحركة وجهت شراع السفينة إلى ما وصل إليه الوضع اليوم في إسرائيل . على الواجهة تبدو هذه الدولة أنها منتعشة إقتصاديا ، وكل سكانها اليهود مرتاحون أمنيا وإجتماعيا ، واستطاعت الدعاية الصهيونية أن تقنع الرأي العام العالمي بأنها دولة ديمقراطية مثالية متحضرة تنتمي حضاريا وفكريا إلى المدرسة الأوروبية . ولكن الواقع غير ذلك ، فاليوم تمثل هذه الدولة أكثر مكان لا يشعر اليهودي فيه بالأمان أو الإستقرار والراحة النفسية.
فقد كتب الكثيرون مما لهم إطلاعا على خبايا الحقيقة الإسرائيلية مقالات وأبحاث ، كشفوا فيها زيف ما تقوم به آلة الدعاية الإسرائيلية / الصهيونية ، ولكن كان من الصعب إقناع الرأي العام بوجهة نظرهم طالما أن الذين يكتبون هم من العرب ، أو أجانب والذين إتهموا فورا أنهم معادون لليهود ( لاساميين ) . ولهذا السبب وجدنا من المناسب أن نقوم بجولة في ما تنشره الصحف العبرية خصوصا في الفترة الأخيرة ، حتى لا يوجه إتهام بالتزييف والدعاية المغرضة.
ففي أعقاب حرب 2006 ، التي قُصفت فيها ، ولأول مرة في تاريخ إسرائيل ، مدن رئيسية ، إنتشر خبر أن حوالي مليون إسرائيلي تركوا البلاد ، وقام مستثمرون كثيرون بنقل إستثماراتهم إلى أماكن أخرى في العالم ( على غرار ما حدث في الثمانينات ) .إلا أن التعتيم الإعلامي الإسرائيلي وضع كل هذه الأمور في موضع الشك.
ولكن في يوم 14/12/2012 نشر بالملحق الأسبوعي لصحيفة هآرتص ( المعروفة بمصداقيتها ) إستطلاعا مطولا ( 17 صفحة على الحاسوب ) يحمل العنوان التالي :" لديّ وطن ثان ".قامت به الصحيفة مع مركز الأبحاث " سي . آي " ( ميداع شفكي ــ بالعبرية ) . وتبين من هذا الإستطلاع أن حوالي 40 بالمائة من الإسرائيليين يفكرون بترك البلاد ، بعد أن إسترجع عشرات الآلاف منهم جنسياتهم الأصلية خصوصا من الدول الأوروبية الشرقية والغربية . ولكن المشكلة المادية تقف حجر عثرة أمامهم . ويضيف الإستطلاع أن السبب الأساسي الذي أبداه أكثرية المشاركين هو صعوبة التقدم إقتصاديا . بل وجد الإستطلاع أن 55 بالمائة قالوا أنهم فقدوا الأمل من تطور أوضاعهم الإقتصادية والإجتماعية. كما أن الوضع الأمني خاصة على الجبهة الجنوبية سبب آخر . كذلك الوضع الداخلي وما حدث من تغيير في طبيعة المجتمع الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة ، هو سبب إضافي . يقول الإستطلاع.
فالحقيقة أن نتائج حرب 2006 لعبت دورا أساسيا في إقناع الشعب اليهودي في إسرائيل أن المشكلة الأمنية مسألة جدية ، وأن الدعاية الرسمية عن الجيش الإسرائيلي الذي لايقهر بدأت تفقد سحرها.
وتنقل الصحيفةعن سيدة إسمها شيرلي إحتفظت هيئة التحرير بإسمها الكامل ، وهي عالمة تعيش في مركز البلاد قولها :" إن موضوع الهجرة من إسرائيل يطرح نفسه في كل وجبة عشاء عائلية ، أو أكثر دقة ، أن الموضوع يناقش بحرية أكبر عندما يكون الأبناء متغيبين . وحسب ما تقول هذه العالمة فإن الشباب الذين يتركون البلاد في هذه الأيام هم من خيرتهم.
وفي صحيفة " هآرتص " ( يوم 17/12/2012 ) أيضا نشرت" منظمة عطاء " (بالعبرية: لتت ) التي تعتني بتقديم المساعدات خاصة للفقراء تقريرها السنوي لعام 2012 ، والذي شمل إستطلاعا للرأي العام الإسرائيلي ، عن مستوى الفقر في إسرائيل ، حمل العنوان التالي :" أغلبية الجمهور ( في إسرائيل ) يعتقد أن معالجة الفقر أهم من معالجة الوضع الأمني.
ويقول الإستطلاع :" أن 69 بالمائة من السكان قالوا أن المشكلة العاجلة والملحة الآن هي مشكلة الفقر في إسرائيل والفجوة الإجتماعية القائمة . كما تبين أن 61 بالمائة قالوا أن مشكلة الثقافة والتعليم هي مشكلة ملحة جدا ، وفقط 44 بالمائة قالوا أن المشكلة الأمنية هي الملحة " جاء في الإستطل.
ويضيف التقرير أن :" 42 بالمائة من الجمهور في إسرائيل يعتقد أن السبب الرئيسي للفقر في إسرائيل جاء بسبب السياسة التي تتبعها الحكومة الحالية . وهذه النسبة تشكل 55 بالمائة زيادة لما كانت عليه الوضع في الإستطلاع الذي جرى عام 2011 .
ويضيف التقرير أن :" 75 بالمائة من الجمهور الإسرائيلي يعتقد التراجع الإقتصادي ـــ الإجتماعي يهدد إسرائيل أكثر من التهديد الإيراني . وتبين أيضا 69 بالمائة من السكان مقتنعون أن سياسة الحكومة هي السبب الرئيسي لتفاقم الفقر ، وفقط 10 بالمائة يعتقدون أن المسؤول الأول عن هذه الحالة هو الإنسان الفقير.
ويعطي هذا التقرير صورة مظلمة عن المستقبل فيقول أنه :" في عام 2012 ، 50 بالمائة من الأطفال المنتمين إلى العائلات الفقيرة ، إضطروا إلى ترك مقاعد دراساتهم ويذهبون للعمل ، في حين لم تتجاوز نسبتهم في العام الماضي 19 بالمائة . وتبين أيضا أن 10 بالمائة من هؤلاء الأطفال يقومون بعملية توسل في الشوراع ، في حين كانت نسبتهم في العام الماضي 3 بالمائة فقط.
وفي شهر كانون الأول / ديسمبر 2012 وقعت حوادث كان لها أثر كبير على المجتمع الإسرائيلي . ففي 9/12/2012 ، قامت مجموعة من جنود الإحتلال ، مدججين بالسلاح ، في الخليل بمواجهة عدد من شباب المقاومة ، فنهال الشباب عليهم بالحجارة ، والتقطت كميرات التلفزيون الفلسطيني صور الجنود وهوم يهربون أما وابل الحجارة ، وقامت الدنيا في إسرائيل ولم تقعد.
واتهمت بعض وسائل الإعلام قادة الجيشبالمسؤولية ، معتبرين أن العملية كانت إنتصارا فلسطينيا،وأن الجيش الإسرائيلي " فقد قوة الردع " . وأتهم البعض الجنود بـ "الجبناء" وأشارت بعض وسائل الإعلام إلى :" الضرر النفسي الذي تركه الشعور بالمذلة ".وغيرها . ولم يأت بالدفاع عنهم سوى الكاتب الإسرائيلي المخضرم جدعون ليفي ، حيث نشر مقالا في صحيفة "هآرتص " (13/12/2012 )، عنوانه " أحيانا الهروب هو حكمة " . وتساءل لماذا يتواجد الجنود الإسرائيليون على أراضي الدولة الفلسطينية.
وكان قد سبق ذلك الحادث ، حادث مماثل ( 7/12/2012 ) أثناء مسيرة الإحتجاج الأسبوعية في كفر قدوم الواقعة غرب مدينة نابلس . والتقطت عدسة التلفزيون الفلسطيني هروب الجنود المدججين بالسلاح امام وابل حجارة المقاومة وشنت نفس الحملة في حينه على الجيش وقادته وهناك أمثلة أخرى.

هذه الظاهرة هي في الواقع جديدة على الجيش الإسرائيلي . فكثيرون من الشباب يقومون بالخدمة العسكرية الإلزامية رغما عنهم ، ولا يرون فائدة من التضحية بحياتهم للحفاظ على سياسة متطرفة رافضة للوصول إلى سلام أو حل ينهي حالة الحرب ، وهم مقتنعون كما جاء في صحيفة "معاريف " (16/12/2012 ) :" طالما هناك إحتلال ستكون هناك مواجهة، وستُرتكب جرائم ، وسيكون هناك إضطهاد ... إن الجنود الإسرائيليين الذين فروا من أمام وابل الحجارة في الخليل وفي كفر قدوم ليسوا مذنبين . المذنبون هم هؤلاء الذين أرسلوهم.
وهناك أحداث كثيرة ومشاكل معقدة ترسم الآن مستقبل إسرائيل ، وقد تسير في إتجاهات متعددة. فجنوب البلاد خلا كليا تقريبا من السكان أثناء الحرب الأخيرة على غزة ، تماما كما خلت قرى ومستعمرات الشمال أثناء حرب 2006 ، فماذا لوقعت حرب ضرب فيها العمق الإسرائيلي المكتظ بالسكان ؟
ورغم ذلك نرى تعتيما في وسائل الإعلام الأمريكية على هذه المواضيع بإستشناء أخبار قصيرة عنها . كما أن وسائل الإعلام العربية ليست بهذا الوارد ، ويبدو أن القائمين عليها لا يقدرون أبعاد ما يتفاعل داخل المجتمع اليهودي في إسرائيل.

انشر المقال على: