محاولة إختطاف الحق الفلسطيني
بقلم : د . فوزي الأسمر
بدأت التحركات الإسرائيلية بخصوص التعويضات لليهود الذين أتوا من الدول العربية، تأخذ طابعا رسميا ، وذلك في أعقاب المؤتمر الخاص الذي عقدته وزارة الخارجية الإسرائيلية ( 3/4/2012 ) ، والذي ترأسه نائب وزير الخارجية داني أيالون ، وحضره مندوبون عن منظمات اليهود من سكان الدول العربية سابقا .
وقد قدم فيه نائب وزير الخارجية أيالون ، ولأول مرة ، تقريرا خاصا صادرا عن وزارة الخارجية بعنوان :" اللاجئون اليهود من الدول العربية " . وطالب أيالون في خطابه جامعة الدول العربية بشكل مباشر: " الإعتراف بذنبها التاريخي ، وأن تتحمل المسؤولية عن طرد اليهود من الدول العربية ، الأمر الذي أدى إلى تحويلهم إلى لاجئين ، وطالب أن تعترف الجامعة العربية في الوقت ذاته بالمسؤولية عن نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين جراء شن الحرب على إسرائيل " ( يدعوت أحرونوت 5/4/2012 ) .
وقال أيالون أن مسألة تعويض اللاجئين اليهود من الدول العربية ستكون جزءا لا يتجزأ من أية مفاوضات أو تسوية في المستقبل ، وأن التعويض المالي سيسير حسب مبادئ " صندوق كلينتون " لسنة 2000 .
ومنذ سنوات وإسرائيل تقوم بالعمل على بناء أسس لمطلبها هذا . في البداية عملت على إقامة جمعيات تضم أبناء المهاجرين اليهود من الدول العربية . ومن ثم تم تسجيل ورصد أملاكهم ، وبعد ذلك بدأ تدويل قضية أملاك اليهود في الدول العربية ، ثم وجدت إسرائيل أنه يجب العودة إلى ما يسمى بـ " صندوق كلينتون " لمنح الموضوع إطارا دوليا محددا ، وأرتفع هذا التدويل أثناء جولة الرئيس الأمريكي السابق ، جورج بوش الإبن في منطقة الشرق الأوسط في شهر كانون الثاني / يناير 2008 حيث صرح في الكويت أنه يحتاج إلى 150 مليار دولار لتعويض اللاجئين الفلسطينيين . ( أي أن على العرب أن يدفعوا تعويضات للفلسطينيين ) وفي عام 2008 أيضا تبنى الكونغرس الأمريكي مشروع قرار رقم 185 الذي يعترف باليهود الذين هاجروا من الدول العربية بأنهم لاجئون ويحق لهم التعويض . وبناءا عليه فإن وزارة الخارجية الإسرائيلية ستتوجه إلى برلمانيي العالم لتبني قرارا مماثلا لما تبناه الكونغرس الأمريكي بالنسبة لما يسمى اللاجئين اليهود .
ولا حاجة للدخول في تفنيد كل فكرة طرأت حول هذا الموضوع . ولكن هناك بعض النقاط التي يمكن من خلالها مواجهة هذه الحملة . أولا في ما يتعلق باليهود الذين أتوا من الدول العربية وفي مقدمتهم الجالية اليهودية العراقية والتي أجبرت على الهروب من موطنها ، بعد أن أرسلت الحركة الصهيونية عملائها لإلقاء القنابل على المقاهي وفي المجمعات اليهودية في بغداد وغيرها من المدن العراقية . وقد نشرت وثائق في إسرائيل من بعض الذين كلفوا القيام بهذه العمليات . وتبين أيضا أن بعض الأثرياء من يهود العراق قرروا حمل أموالهم والإستقرار في دول أوروبية وأمريكا .
ويهود اليمن جاءوا من منطلق ديني في حين بقي جزء منهم في بلادهم ولم يمسهم سؤ . ويهود شمال أفريقيا من التونسيين والمغاربة رحلوا بمحض إرادتهم نتيجة الدعاية الصهيونية حاملين كل ما يملكون ، وكثيرون منهم بقوا في بلادهم أو عادوا إليها من إسرائيل بعد أن إكتشفوا حقيقتها ، وحصلوا على جنسيتهم الأصلية وتعويضات عن أضرارهم . ويهود مصر الذين تركوا بلادهم كانوا من حملة الجنسيتين ، ومن أراد أن يبقى في وطنه بقي بدون مشاكل .
ومطالبة أيالون أن تعترف الجامعة العربية " بذنبها التاريخي وأن تتحمل المسؤولية عن طرد اليهود من الدولة العربية " ما هو إلا تزييف للتاريخ ، ووقاحة إسرائيلية عهدناها منذ سنوات ، وهو بذلك يريد أن يكرس حقيقة وهمية ، على غرار الدعاية الصهيونية التي تقول أن الزعماء العرب هم الذين طلبوا من الفلسطينيين ترك بلادهم في عام 1948 .
أما بالنسبة للفلسطينيين ، فقد طردت القوات الإسرائيلية معظمهم بقوة السلاح ، وكاتب هذه السطور كان شاهد عيان على ما وقع في مدينتي اللد والرملة . وكل مدينة أو قرية فلسطينية يستطيع سكانها سرد قصص ما حصل لهم ، وكيف طردتهم القوات الصهيونية . وهناك دراسات كثيرة تتعلق بهذا الموضوع من أهمها كتاب المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابه "التطهير العرقي في فلسطين " ( صدر بالعربية عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية ) والذي يوثق فيه المؤلف القتل والطرد الجماعي للعرب الفلسطينيين من بلادهم .
ثم هناك قصة " ما يسمى بـ " صندوق كلينتون " . وبعد فحص تبين أنه لا يوجد مثل هذا الصندوق . وتاريخ هذه القصة يعود إلى عام 2000 أثناء مباحثات كامب ديفيد بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وبين رئيس وزراء إسرائيل في حينه إيهود براك برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون . وعندما تعثرت المباحثات بسبب الرفض الإسرائيلي بالتنازل عن القسم الشرقي من مدينة القدس ، وبسبب رفضهم حق العودة والتعويضات للاجئيين الفلسطينيين ، قرر الرئيس كلينتون أن يضع أفكاره هو بالنسبة لعدد من المشاكل بما فيها مشكلة اللاجئيين ، قائلا أن هذه وجهت نظره فإما قبولها أو ستلغى فور الخروج من الغرفة .
هذا هو السبب الرئيسي في عدم إعطاء إسم رسمي لأفكار بيل كلينتون هذه لا " صدنوق كلينتون " و"وثيقة كلينتون " بل أعطيت اسم "أفكار أوخطوط عريضة " (Clinton Parameters ) . وكل من إطلع على هذه الأفكار يلاحظ كيف أنها مكتوبة بشكل شخصي حيث يبدأ كلينتون بحرف " آي " (Believe I) ، وهذا يعني أنه لا يتحدث بإسم الولايات المتحدة .
ولهذا السبب أيضا أنهى الرئيس الأمريكي بيل كلينتون أفكاره هذه على النحو التالي :" ... هذا افضل ما أستطيع القيام به . إحملوها إلى قادتكم وإسألوهم عما : إذا كانوا مستعدين أن يأتوا للتفاوض على أساس هذه الأفكار . وإذا كان الأمر كذلك ، فإنني سألتقي الأسبوع القادم بشكل مستقل ( مع كل طرف ) وإذا كان الجواب سلبيا ، فإنني أكون قد أعطيت الموضوع كل ما عندي.إن هذه هي أفكاري . وإذا لم تقبل ، فإنها لن تكون فقط ملغية من عن هذه الطاولة بل إنها ستذهب معي عندما أترك منصبي ". (للمزيد يمكن الدخول إلى موقع غوغيل : Clinton Parameters December 23 , 2000 )
وبدون الدخول في تفاصيل ما ورد في هذه الأفكار ، نقول أنها قبلت من الجانبين ولكن كل جانب أبدى تحفظا على عدد من النقاط ، خصوصا الجانب الفلسطيني ،تتعلق بالبعد القومي والحق التاريخي للفلسطينيين بالعودة والتعويض . وبالتالي ألغيت كليا . وحاولت إسرائيل في عهد الرئيس بوش إحياء بعض هذه الأفكار خصوصا القسم الذي يعالج مشكلة الاجئين ، بما فيهم اليهود من الدول العربية ، وإهمال بقية الأفكار ، إلا أن إدارة الرئيس بوش رفضت قبولها ، خصوصا وأنها تمثل الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه بيل كلينتون .
وبلا شك أن الهدف الإسرائيلي من وراء هذا التحرك الآن ، في خضم الأحداث المتراكمة في المنطقة , والمواقف المتأرجحة والمتصارعة للأنظمة العربية ، وإنشغال أمريكا بإنتخابات الرئاسة ، هو محاولة خطف الحقوق القومية الفلسطينية ، في مقدمة ذلك التلاعب بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 ، الذي يعطي اللاجئين الفلسطينيين حق العودة والتعويض .
ويمكن للدول العربية التصدي لهذا التحرك ، إذا أرادت ، حيث تعلن عن قبولها عودة رعاياها اليهود الذين تركوا أوطانهم وتعويضهم . فهل تستطيع إسرائيل مقابل ذلك أن تعلن نفس الشيء بالنسبة للفلسطينيين