القدس استضافت مؤسسة محمود درويش للإبداع في كفر ياسيف مساء امس الاول الأديب الكاتب محمد نفاع في أمسية جمعت لفيف من الكتاب والشعراء والفنانين والنقاد وعشاق الادب والمطالعة، ومختلف الاصدقاء والأحبة، وتناولت أدب نفاع في مجال القصة والإبداع.
وافتتح الأمسية المدير العام للمؤسسة الكاتب عصام خوري مرحباً بالكاتب نفاع والناقدين د. راوية بربارة وبرو. ابراهيم طه والحضور. هذا وتولى عرافة الأمسية الاستاذ الكاتب سهيل عطا الله، ورحب باسم مؤسسة درويش بالحضور، مثنياً على دورها في رعاية الحالة الأدبية والمشهد الثقافي شعراً ونثراً والتزاماً وطنياً، مضيفاً أن الكاتب محمد نفاع كان بين رواد الأدب الذين حملوا هموم شعبهم متصدياً للسلبيات يشدُ أزر كل إيجابي متمسكاً بلغته العربية، مسخّراً مفرداتها وثروتها اللغوية في قصصه ومجمل كتاباته المتميزة بطابعها القروي الجبلي، واضعاً نصب عينيه خدمة الأدب والقضية السياسية التي آمن بها وما اليها من رسالة اجتماعية ومواقف وطنية ونهج إنساني تقدمي، رهن حياته في سبيلها حتى يومنا هذا.
المداخلة الأولى في هذه الأمسية الهامة والشيقة كانت للأديبة مفتشة اللغة العربية د. راوية بربارة حيث تناولت في كلمتها الرائعة والخارجة عن المألوف، ملامح المرأة في أدب محمد نفاع ،"عاشق المرأة الأرض في مجموعته "التفاحة النهرية" التي صدرت مؤخراً قائلة ان قصص هذه المجموعة مفعمة بهذا الحضور الأنثوي حيث نجد أن الكاتب محمد نفاع من خلال هذه القصص يعرف أن المرأة تشهر سلاحها المعتاد، ذاك الذي أشهرته هند في وجه عمر بن أبي ربيعة، فكلما طلب ميعاداً تقول له "بعد غد" .. والفرق بينهما أن الراوي هنا "عاشق المرأة الأرض" هذه الارض الجليلية بروائحها ونباتاتها وحيواناتها وطيورها وأشجارها ودروبها ومسالكها. ولهذا يخلق نوعاً من التماهي بين المرأة والأرض. وأكدت د. بربارة أن هذا العشق بين محمد نفاع والأرض، عشق يبعث على غزل من نوع آخر، ونراهما كأنهما شيء واحد منوهة إلى أصالة الصورة بكلماتها وأصالة الوصف التي تتمتع بها قصص المجموعة. كما اقتبست د. بربارة بعض أقوال الكاتب منتهية إلى القول: إن كل النساء اللاتي ظهرن في قصص المجموعة ظهرن عندما كان الراوي يتحدث عن البلد أو التهجير أو الرجال والأحداث أو عن الهوية وكونها فلاحة قروية فاتنة الجمال.. والمرأة الأرض هي محبوبة نفاع، واليقين فوق السطور وخلفها.
أما المداخلة الثانية فكانت للبروفيسور ابراهيم طه رئيس قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة حيفا وأكد بشكل قاطع ومثير ولا يختلف عليه اثنان، أن ما يميز أدب محمد نفاع هو ابتعاده عن "الترميز" مع أنه أحد سمات الأدب لكن الكاتب نفاع استعاض عنه بتقنيات وأدوات اختزلها في معظم نصوصه القصصية وجعلته كاتباً مبدعاً مقروءاً، أضف الى هذا تلك اللغة الخاصة التي تميز كتاباته فهي لغة عربية لها نكهة خاصة ولا يستطيع غيره ان يأتي بمثلها، وإنما فقط بشبيهة لها تلك التي أجادها القاص يوسف ادريس فهو الآخر مزج بين اللغة المحكية والفصيحة والصريحة في ذات الوقت. كما أن الفكاهة التي ميزت قصص نفاع وخفة الدم تشدان القارئ ليرميه الكاتب في شباك فكرة قصصه والتي لا تخلو أيضا من السخرية المخضبة بواقع الألم، وأكد طه من خلال تقديم الأمثلة وقراءة بعض النصوص والقدرة على ربط الأحداث ببعضها وما يميزها من طابع فلاحي جبلي قروي تجعل القارئ يعيش مع القصة حتى لو كانت تخلو من الترميز.
أما ضيف الأمسية الكاتب نفاع فأشاد بالمتحدثين، مؤكداً أنه عند بداية كتابته في مطلع الستينات من القرن الماضي لم يكن نقاداً بمثل هذه الجرأة والصراحة يوم كان مقياس القصة او القصيدة مقروناً بالموقف السياسي. ثم مر نفاع على بعض ذكريات طفولته من حياة القرويين مؤكداً أن مأساة الترحيل والطرد من البلاد وآلاف المواطنين يمرون من وسط بلده بيت جن في طريقهم الى لبنان ما زالت تؤلمه الى اليوم، وأن كتاباته لا شك تأثرت بتلك الفترة لكن ليس من المفروض أن كل كلمة تكتب يكون الكاتب قد عبر بها عن نفسه مؤكداً على أهمية توظيف مفردات اللغة في النصوص الأدبية كون تلك الكلمات المحكية هي من صميم الكلمات الفصيحة، مستطرداً القول أن الكثير من التراث ومجمل المأثور الشعبي تتطلب الضرورة المحافظة عليه، منوهاً إلى ما تقوم به المدارس من إحياء أيام تتناول اللغة العربية وما يلمسه من اهتمام الهيئات التدريسية والطلاب بها تبعث على الارتياح. كما أتى على بعض النماذج الأدبية والعديد من المفردات ولأمثلة والأهازيج الشعبية. واختتمت الأمسية ببعض المداخلات من الحضور التي أثنت على دور ضيف الأمسية الكاتب محمد نفاع.