مؤتمر الخارج الفلسطيني "في دائرة الاشتباك السياسي"
مر العمل الفلسطيني خارج الوطن المحتل منذ توقيع اتفاقية اوسلو، بتراجع ملموس، بتأثير جملة من المتغيرات اهمها توقيع الاتفاق المذكور، الذي ضخم دور السلطة الفلسطينية على حساب دور منظمة التحرير الفلسطينية، هذا بجانب زيادة الوزن النسبي للداخل المحتل داخل معظم البنى المؤسسية للفصائل والجهات الرسمية الفلسطينية، في ظل حالة الاشتباك المباشر مع الاحتلال على ارض الوطن.
في الاعوام الخمسة الاخيرة هناك جملة من التحديات باتت تُلقي بأثقالها على الوجود الفلسطيني في الخارج، تتجاوز تراجع الدور السياسي والقيادي للخارج، الى اخطار تهدد الوجود الفلسطيني في دول الطوق، ومهمات ناشئة بفعل نشاط حركة المقاطعة للكيان الصهيوني وحركات التضامن مع القضية الفلسطينية، هذه التحديات مجتمعة هي سبب واقعي للبحث عن اليات لاستنهاض العمل الفلسطيني في الخارج وتنظيمه.
حال الخارج لا يختلف عن الداخل كثيرا في تشرذمه، هذا ما عكسه التفاعل الفلسطيني مع " المؤتمر الشعبي لفلسطيني الخارج"، وهو مؤتمر دعت له 70 شخصية فلسطينية، يفترض ان يعقد في مدينة اسطنبول التركية في يومي 25 و26 فبراير الجاري.
فمن وجهة نظر منظمة التحرير الفلسطينية وبحسب بيان دائرة شؤون المغتربين فيها فإن هذا المؤتمر يأتي ضمن " الاستخدام الفئوي للثوابت الوطنية والعبث بالصفة التمثيلية للمنظمة"، فيما تؤكد اللجنة المنظمة للمؤتمر والناطق باسمها زياد العالول في تصريح صحفي ان المؤتمر لا يأتي لتشكيل بديل عن المنظمة، وان العديد من شخصيات منظمة التحرير من بين المشاركين في المؤتمر المذكور.
محمد مشينش احد القائمين على المؤتمر، و رئيس جمعية التضامن مع فلسطين “ فيدار” ورئيس مؤتمر فلسطينيي تركيا، اعتبر ان أن المؤتمر لا يشكل بديلا عن منظمة التحرير، بل جهدا رافعا ومحركا للحالة الفلسطينية في الخارج، وأن القائمين يؤكدون حالة المنظمة، باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني، لكنهم ينادون ككل الفلسطينيين بوجوب النهوض بواقعها"
ورغم زيارة وفد من اللجنة المنظمة للسفارة الفلسطينية في انقرة، الا ان السفارة لم تؤكد مشاركتها في هذا المؤتمر، واكدت انتظارها للموقف الرسمي، الذي جاء لاحقا عبر البيان الصادر عن دائرة شؤون المغتربين في منظمة التحرير الفلسطينية.
بيان الدائرة كان محوراً لهجوم شنه العديد من المشاركين في المؤتمر، على منظمة التحرير، حمل اتهمات للمنظمة بتهميش الوجود الفلسطيني في الخارج بشكل متعمد وممنهج، وبفرض الوصاية على اي لقاء بين الفلسطينيين.
هذا ظاهر الحال، أما باطنه فهو الانقسام الفلسطيني القائم بين حركتي فتح وحماس، والاشتباك بينهما في كل نقطة، فالشخصيات والجهات الداعية للمؤتمر هي أقرب لحركة حماس، والمكان المختار لتنظيمه هو في بلد يعرف بعلاقاته الجيدة مع هذه الحركة، وهو ما يثير حفيظة حركة فتح، فيما تكَفّل التفرد في التحضير للمؤتمر من قبل الشخصيات القائمة عليه في استفزاز مكونات أخرى كانت أقرب للمشاركة في المؤتمر المذكور.
وبدل ان يشكل المؤتمر عنواناً لجمع الفلسطينيين في الخارج حول عمل مشترك، شكل تهديدا لوحدة هيئات مؤتمر فلسطيني تركيا، التي خاضت جدلاً حقيقياً حول الموقف من المؤتمر الحالي، رغم الاتفاق السابق فيما بينها على ترك حرية المشاركة من عدمها لكل جمعية أو جهة من "أعضاء مؤتمر فلسطيني تركيا" لتقرر ما يناسبها.
المؤتمر انضم إلى قائمة طويلة من المناسبات التي طغى الانقسام الفلسطيني ومحاولات الاستئثار بالشأن الوطني على شكلها ومضمونها، فيما يستمر تردي الوضع الفلسطيني في دول الطوق، ويصل لمآلات كارثية، شملت هجرة أكثر من 120 ألف من مخيمات اللجوء الفلسطيني في سوريا الى أوروبا، و280 ألف آخرين نزحوا داخل سوريا، بما يعنيه ذلك من تفكيك لعاصمة اللجوء الفلسطيني "مخيم اليرموك"، وتهديد جدي لقضية اللاجئين عبر تهديد وجودهم المباشر ودفعهم لهجرة ثانية لأقاصي الارض.