الأربعاء 04-12-2024

لقاء بينت-بايدن: حضور إيران وأمن إسرائيل وغياب فلسطين

×

رسالة الخطأ

د. ماهر الشريف

لقاء بينت-بايدن: حضور إيران وأمن إسرائيل وغياب فلسطين

د. ماهر الشريف

الثلاثاء 31 اغسطس 2021

بوابة الهدف الإخبارية

بعد أن تأخر يوماً واحداً جراء الانفجارين اللذين وقعا في مطار مدينة كابول، وأوديا بحياة عشرات المدنيين الأفغان وثلاثة عشر جندياً أميركياً، عُقد يوم الجمعة في 27 آب/أغسطس الجاري، في البيت الأبيض في واشنطن، اللقاء الأول المرتقب بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت والرئيس الأميركي جو بايدن، الذي استغرق مدة 50 دقيقة.
وخلال زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية التي بدأت يوم الثلاثاء في 24 آب/أغسطس –وهي الأولى له إلى الخارج بصفته رئيساً لوزراء إسرائيل- أظهر نفتالي بينت نفسه بصفته "زعيماً" وفياً للمواقف السياسية المتشددة التي كان يتنباها سلفه بنيامين نتنياهو، إذ هو ركّز على التصدي ل إيران وبرنامجها النووي، وعلى ضمان أمن إسرائيل، من جهة، وعلى الاستمرار في دعم سياسسة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة والعمل على منع قيام دولة فلسطينية مستقلة، ورفض العودة إلى المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، من جهة ثانية.
صفحة جديدة في العلاقات الإسرائيلية-الأميركية
لقد أراد نفتالي بينت، بداية، أن يوظف زيارته هذه للعمل على ترميم العلاقات مع الحزب الديمقراطي الأميركي التي ضعفت كثيراً في عهد بنيامين نتنياهو، الذي تحالف علانية مع الجمهوريين ومع الرئيس السابق دونالد ترامب، وحافظ على علاقات متوترة مع الإدارة الديمقراطية السابقة لباراك أوباما، التي كان جو بايدن نائباً لرئيسها، بحيث يعود –أي بينت- إلى تبني الموقف الإسرائيلي التقليدي القائم على نسج علاقات متوازنة مع الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إذ قال للصحافيين على مدرج مطار بن غوريون: "هناك إدارة جديدة في الولايات المتحدة وحكومة جديدة في إسرائيل، وأنا أحمل معي روح تعاون جديدة من القدس "، مضيفاً أن جو بايدن "صديق قديم وحقيقي لدولة إسرائيل". وكان وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد قد أقر في حزيران/يونيو الفائت، عندما التقى نظيره الأميركي أنطوني بلينكين، بأن "أخطاء ارتكبت في السنوات الأخيرة"، في مجال العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وأن "موقف إسرائيل من الحزبين [الديمقراطي والجمهوري] قد استُخدم بصورة خاطئة"، داعياً إلى ضرورة "تصحيح هذه الأخطاء".
وقدّر دان كورتزر، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، أن زيارة بينت ستضفي "طابعاً جديداً على العلاقات الأميركية الإسرائيلية بعد 12 عاماً من عهد نتنياهو"، وأنها "سوف ترسخ أسلوباً جديداً في التعامل حتى في ظل الخلافات". بينما توقع دوف واكسمان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، أن يكون نهج بينت "أكثر هدوءاً من نهج نتنياهو"، بحيث "يعمل خلف الكواليس للتعبير عن مواقف إسرائيل [المخالفة للمواقف الأميركية]، وليس من خلال البروز في الكونغرس، أو على قناة CNN أو Fox News". وعلى الرغم من تنامي دور الجناح اليساري داخل الحزب الديمقراطي، الذي يعارض بعض السياسات الاحتلالية الإسرائيلية، يرى واكسمان "أن أعضاء القيادة الديمقراطية ما زالوا من أشد المؤيدين لدعم الولايات المتحدة الثابت لإسرائيل، ويريدون تجنب إعطاء الانطباع بأن الديمقراطيين يقاتلون ضد إسرائيل" (1).
التصدي لبرنامج إيران النووي
في بيان أصدره مكتبه قبيل مغادرته إلى واشنطن، أكد نفتالي بينت أن الأولوية القصوى في حديثه مع جو بايدن ستكون لإيران "وخصوصاً القفزة التي حققتها إيران في برنامجها النووي خلال العامين أو الثلاثة أعوام الماضية"، وأضاف: "سأقول للرئيس بايدن إن الوقت حان لإيقاف الإيرانيين عند حدهم، وعدم إلقاء طوق نجاة لهم من خلال العودة إلى تبني اتفاق حول النووي تجاوزه الزمن"، و "سنقدم (لواشنطن) خطة منظمة أعددناها خلال الشهرين الماضيين لكبح جماح الايرانيين"، من دون أن يخوض في تفاصيل هذه الخطة. ومن جهته، قال مسؤول اسرائيلي كبير، طلب عدم نشر اسمه، إن اسرائيل "تريد استراتيجية جديدة في مواجهة الوتيرة المسعورة والمقلقة التي تقوم بها طهران في مجال تخصيب اليورانيوم واعتداءاتها في المنطقة".
وخلال اللقاء الذي جمعه بالرئيس الأميركي، حاول بينت توظيف التفجيرين اللذين وقعا في مطار كابول لتعزيز موقفه الداعي إلى التصدي بحزم لإيران، إذ أشار إلى أن "التفجيرات في كابول سلطت الضوء على الخطر المحتمل لإيران نووية"، وتوجّه إلى بايدن بالقول "هذه الأيام تكشف كيف سيبدو العالم في حال حصل نظام إسلامي متطرف على سلاح نووي"، معتبراً أن إيران هي اليوم "أكبر مصدر للإرهاب وعدم الاستقرار وانتهاكات حقوق الإنسان في العالم"، وأضاف: "بينما نحن جالسون هنا الآن، يقوم الإيرانيون بتدوير أجهزة الطرد المركزي الخاصة بهم؛ علينا أن نوقفهم". بيد أن الرئيس جو بايدن، الذي لا يزال ملتزماً باستخدام القناة الدبلوماسية في تعامله مع طهران في الوقت الحالي، ردّ عليه خلال اللقاء بأنه ما زال "يفضل الطريق الدبلوماسي لمنع إيران من حيازة أسلحة نووية"، مضيفًا أن بلاده مستعدة، مع ذلك، "للنظر في خيارات أخرى" للتأكد من عدم حصول إيران على القنبلة النووية أبداً، علماً أن المبعوث الأمريكي لإيران، روبرت مالي، رأى، في حديثه مؤخراً لوسائل الإعلام، أن "علامة استفهام كبيرة" لا تزال تحيط باحتمال العودة إلى الاتفاق النووي الذي تمّ التوصل إليه مع إيران في سنة 2015، وخصوصاً أن محاولة إحياء هذا الاتفاق، الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في سنة 2018 من جانب واحد في عهد دونالد ترامب وأعادت فرض العقوبات على إيران، وصلت إلى طريق مسدود منذ نهاية حزيران/ يونيو الفائت (2).
ضمان أمن إسرائيل
خلال زيارته للعاصمة الأمريكية، التقى نفتالي بينت بوزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكين، الذي أكد له أن التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل "لا يتزعزع"، كما التقى بوزير الدفاع لويد أوستن، الذي طمأنه إلى أن واشنطن "ملتزمة بالحفاظ على قدرة إسرائيل في كل ما يتعلق بالدفاع عن نفسها ضد إيران وأذرعها"، وأضاف أن بلاده "ملتزمة أيضاً بتعزيز العلاقات الاستراتيجية مع إسرائيل وبالحفاظ على أمنها وحقها في الدفاع عن نفسها"، مشيراً إلى أن هذا كله "ينعكس في المساعدات الأمنية التي تقدمها الإدارات الأميركية إلى إسرائيل"، ومؤكداً أنه "على مدى عقود أقامت إسرائيل والولايات المتحدة علاقة تقوم على الثقة والمصالح المشتركة، وأن هذه الأخيرة سوف تضمن الحماية المستمرة لأمن الإسرائيليين" (3).
وكان بينت قد هوّل أمر مسألة الأمن عندما صرّح "بأن الإرهابيين على حدود إسرائيل يريدون قتلنا والقضاء على الدولة اليهودية، ولهذا السبب يجب أن تكون إسرائيل دائما أقوى من كل أعدائها مجتمعين". وفي اللقاء الذي جمعه بجو بايدن، قدم بينت تعازيه للرئيس الأميركي بعد التفجيرين الانتحاريين اللذين وقعا في كابول، ثم شكر الرئيس على دعم الولايات المتحدة الثابت لإسرائيل، وقال: "لقد وقفت دائماً إلى جانبنا، خاصة في الأوقات الصعبة؛ إسرائيل تعلم أنه ليس لديها حليف أفضل في العالم من الولايات المتحدة الأميركية". بينما ردّ عليه الرئيس الأميركي بتأكيد "التزام الولايات المتحدة الراسخ بأمن إسرائيل"، وأنه "سيدعم بالكامل إعادة إمداد القبة الحديدية المضادة للصواريخ في إسرائيل" (4).
غياب فلسطين
إذا كان برنامج إيران النووي وأمن إسرائيل قد استأثرا بالاهتمام الأكبر للمشاركَين في لقاء البيت الأبيض، فضلاً عن جائحة كورونا، فإن قضية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية لم تستأثر، كما بدا، بأي اهتمام يُذكر، إذ لم يرشح بشأنها سوى قول الرئيس الأميركي للصحافيين: "سنناقش أيضاً سبل تعزيز السلام والأمن والازدهار للإسرائيليين والفلسطينيين، وأهمية العمل من أجل مستقبل أكثر سلماً وأمناً في المنطقة".
وكان نفتالي بينت قد حدد، قبل انعقاد هذا اللقاء، موقفه الواضح إزاء هذه القضية في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة "نيويورك تايمز" اليومية؛ فشدّد على أنه لن يكون قادراً "على حل هذا الصراع المستمر منذ 130 عاماً"، وأن حكومته "لن تنشئ دولة فلسطينية"، كما أنها ستواصل عمليات النمو الاستيطاني في "يهودا والسامرة"، لكنها "لا تنوي تنفيذ خطة فرض السيادة الإسرائيلية عليهما"، معرباً عن معارضته استئناف الحوار مع السلطة الفلسطينية في ظل حكومته، مع وعده "بتحقيق انفراج اقتصادي لصالح الفلسطينيين"، وأضاف أن حكومته ستستمر في فرض الحصار على قطاع غزة "طالما استمرت حماس في تسليح نفسها وإطلاق الصواريخ على إسرائيل"، مبدياً استعداده "لشن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد حماس، إذا لزم الأمر، حتى على حساب خسارة دعم نواب حزب راعم [القائمة العربية الموحدة]" (5).
ويعتقد العديد من المحللين أن ملف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ليس من ضمن أولويات السياسة الخارجية لإدارة جو بايدن، وأن غيابه عن المحادثات التي جرت في البيت الأبيض كان أمراً متوقعاً، خصوصاً وأن هذه الإدارة حريصة على استمرار حكومة بينت-لبيد ذات المواقع الهشة، التي وصفها بايدن بأنها "الأكثر تنوعاً في إسرائيل"، ومعنية بالحوؤل دون عودة بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم، وهي بالتالي غير مستعدة لممارسة ضغوط جدية على الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تواجه تحديات داخلية كبيرة، من ضمنها التصويت على ميزانيتها في شهر تشرين الثاني/نوفمبر القادم، والتي تضم تياراً غالباً لا يرفض العودة إلى المفاوضات مع الفلسطينيين ويريد مواصلة النمو الاستيطاني فحسب، بل يعارض كذلك بحزم مبادرة الولايات المتحدة الأميركية إلى إعادة فتح قنصليتها في مدينة القدس الشرقية، وهم يقدّرون أنه إذا كانت هناك قضايا خلافية بين الجانبين، حول الملف الفلسطيني-الإسرائيلي، فسيتم بحثها على الأرجح "وراء الكواليس" وبعيداً عن سياسة ممارسة الضغوط (6).
يبقى، وأمام هذا الواقع، أن تتخلى القيادة الفلسطينية عن الرهان على إدارة جو بايدن، التي تعبّر عن تمسكها اللفظي بـ "حل الدولتين"، وعلى احتمالات العودة إلى مفاوضات لم تفعل، إلى الآن، سوى تكريس احتلال صار القائمون عليه يرون في الاقتصاد بديلاً من السياسة، وفي الحكم الذاتي المحدود بديلاً من الاستقلال.

انشر المقال على: