كشْف تفاصيل خطيرة عن تسريب وثائق "عريقات" ووساطة الهباش بين دحلان والرئيس
نشرت صحيفة الوطن المصرية وثائق سرية عن مستشار الرئيس المصري الاسبق "أسامة الباز" والتي كشف فيها مؤامرة "قطر" على الرئيس ابو مازن لإسقاط السلطة الفلسطينية.
الوثائق التي كانت بحوزة الدكتور أسامة الباز، المستشار السياسى للرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، والتي تعد جزءاً مهماً من مشروعه لكتابة مذكراته، كانت أشبه بالكرة البلّورية التي يمسكها الساحر، أينما ينظر إليها يجد جزءاً مخفياً من العالم، لا فارق بين حادث وقع في الصين، وآخر وقع في أدغال أفريقيا، ولا بين محاولة لترتيب أوضاع دولة معينة تتم في اجتماعات مغلقة، وبين منفذ لها يجلس منتفخاً في كرسيه، ليعيد بأمواله ومحطته الفضائية رسم خريطة العالم العربي وفقاً للمهمة التي أوكلت له.. الوثائق لا تتوقف عند حد، والملحوظات التي كتبها «الباز» تكشف أن مشروعه الذى لم يمهله القدر لإتمامه كان سيكون كتاب القرن.
من بين الوثائق التي نتناولها الآن، تلك التي جمعها الباز تحت اسم «سرى للغاية»، والتي ترتبط بالأوضاع في فلسطين، أولها ما يتعلق بأمير قطر السابق حمد بن خليفة، وقناة الجزيرة التي نشرت وثائق مسربة ظلت بحوزة الأمير -حسب الوثيقة التي معنا- حتى نشرها خلال زيارة محمود عباس أبو مازن للقاهرة.
الأزمة كانت خطيرة، وكفيلة بالإطاحة بمحمود عباس أبو مازن من مقعده كرئيس للسلطة الفلسطينية، لكن السحر انقلب على الساحر، وأحرق متظاهرون مكتب الجزيرة في فلسطين.
القصة بدأت بنشر قناة الجزيرة القطرية ما سمته «الوثائق المسربة»، والتي تفيد بأن المفاوضين الفلسطينيين وافقوا سراً على التخلي لـ"إسرائيل" عن أجزاء كبيرة من القدس الشرقية أثناء مباحثات بين الجانبين عام 2008، وهو الموقف الذى يكشف تناقضاً كبيراً في الموقف العلني للسلطة الفلسطينية في هذا الشأن، وبحسب ما بثته «الجزيرة» وقتها نقل عن «عريقات» قوله لمسئول بالخارجية الأمريكية: "الإسرائيليون" يريدون حل الدولتين، لكنهم لا يثقون، يريدونه أكثر مما تعتقد، وأحياناً أكثر من الفلسطينيين أنفسهم.. ما في هذه الورقة يعطيهم أكبر (قدس) في التاريخ اليهودى.. ماذا يمكننني أن أقدم أكثر، كما أظهرت سجلات التفاوض المسربة، أن عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين، اقترح حلاً غير مسبوق لتقسيم القدس، والتخلي عن المسجد الاقصى، وإخضاعه للجنة دولية مقابل السيادة على مساحات أكبر من المدينة القديمة في القدس.
وأعلنت «الجزيرة» أن لديها وثائق أخرى بخلاف تلك الوثائق التي هي عبارة عن محاضر اجتماعات بين مسئولين فلسطينيين و"إسرائيليين" وأمريكيين، تظهر أن المفاوضين الفلسطينيين كانوا على استعداد كذلك لتقديم تنازلات كبيرة بشأن قضية خلافية أخرى وهى تلك المتعلقة بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة.
القصة كانت أكبر من مجرد تحطيم صائب عريقات والإطاحة بمحمود عباس، وتتعلق بتفجير المنطقة من خلال عرض المفاوض الفلسطيني تسليم القدس للإسرائيليين، والتي ينظر لها الفلسطينيون والعرب على أنها العاصمة المستقبلية.
وقتها أعلن عباس من القاهرة أنه لا يعلم شيئاً عن تلك الوثائق، وأنه لا يخفى أي شيء على الأشقاء العرب ويتصل بهم إذا ما حدث أي جديد.
حركة حماس استغلت الموقف بسرعة، وأكدت أن الوثائق المسربة تكشف تواطؤ السلطة مع "إسرائيل"، وتعكس دورها في التورط في محاولات تصفية القضية الفلسطينية.
ونقل "المركز الفلسطيني للإعلام" المقرب للحركة عن، سامى أبوزهرى، المتحدث باسم «حماس»، قوله: «الوثائق السرية التي عرضتها الجزيرة حول تواطؤ سلطة فتح في رام الله مع الاحتلال هي وثائق خطيرة للغاية، وتدلل على تورط سلطة فتح في محاولات تصفية القضية الفلسطينية».
الناطق باسم الخارجية الأمريكية فيليب كراولى، قال فى موقع «تويتر» إن حكومة الولايات المتحدة تراجع المستندات الفلسطينية المزعومة التي نشرتها الجزيرة.. لا يمكننا أن نشهد على صحتها».
وبين النفي والإثبات تأتى الوثائق التي جمعها أسامة الباز، لتجيب عن جزء مهم من الأسئلة، وتكشف أبعادها ودلالاتها، حيث كشفت برقية معلومات أرسلها مكتب تمثيل جمهورية مصر العربية لدى السلطة الفلسطينية برام الله حملت وصف «سرى جداً» معلومات مهمة عن الواقعة بتاريخ 25 يناير 2011 -أول أيام الثورة المصرية- حيث ذكر الوزير المفوض أنه عُلم الآتي من مكتب الرئيس عباس:
1- يقدر الجانب الفلسطيني أن قرار توقيت نشر الوثائق المسربة من دائرة شئون المفاوضات -والتي كانت بحوزة الجزيرة منذ عدة أشهر- قد جاء من قبل أمير قطر، حمد بن خليفة مباشرة في أعقاب سقوط نظام بن على في تونس وذلك اعتقاداً منه بأن هذا التسريب سيؤدى إلى اندلاع شرارة الغضب الجماهيري بالأراضي الفلسطينية ضد السلطة الوطنية، وسيدفع باتجاه سقوط السلطة وذلك لمصلحة حماس وإيران، خاصة أن الرئيس عباس كان خارج رام الله (كان في زيارة للقاهرة).
2- أدت طريقة تعاطى «الجزيرة» لمسألة تسريب الوثائق إلى نتيجة عكسية في الشارع الفلسطيني، حيث خلقت شعوراً جماهيرياً بضرورة الالتفاف حول القيادة الفلسطينية في مواجهة المخطط الخارجي الذى يهدف إلى وصمها بالخيانة والتفريط والتشكيك في مسيرة النضال الفلسطيني.
3- تضطلع حركة «فتح» حالياً بجهد أساسي لتحريك مسيرات شعبية في كافة أرجاء الضفة الغربية دعماً للرئيس عباس، كذلك أعلنت الأجهزة الأمنية الفلسطينية حالة الاستنفار.
4- تحمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية مسئولية التسريب كاملة للدكتور صائب عريقات، حيث سبق أنها حذرته عدة مرات من نوعية الخبراء الذين يستعين بهم، وهم من جنسيات ومن خلفيات سياسية مختلفة ولمدد قصيرة مع عدم وجود إجراءات أمن كافية لضمان سرية المعلومات داخل كل من دائرة شئون المفاوضات ودائرة دعم المفاوضات.
5- تشمل دائرة الاتهام حالياً بالأساس عدداً من الموظفين الذين استعان بهم الدكتور صائب عريقات في الفترة الأخيرة، وكلهم من جنسيات أجنبية، ولكن من أصول فلسطينية. وتكمن المشكلة الرئيسية في كيفية التثبت من المسئول الحقيقى، نظراً لأن هؤلاء الأشخاص قد تركوا بالفعل وحدة دعم المفاوضات منذ عدة أشهر وبعضهم يعمل حالياً فى قطر، وفى قناة الجزيرة، كما أن بعضهم 6- فى ظل هذه التطورات، يقوم الرئيس عباس حالياً بإعادة النظر فى مشاركته فى مؤتمر دعم القدس، الذى سيعقد بالدوحة خلال شهر فبراير المقبل.
(رئيس البعثة وزير مفوض ياسر عثمان)
الورقة الثانية في ملف «سرى جداً» تخص محمد دحلان، القيادي السابق في حركة فتح فى قطاع غزة والمسئول السابق عن الشئون الداخلية خلال عهد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والذى انفتحت عليه النيران بعد قرار اللجنة المركزية لحركة فتح بفصله وإنهاء أي علاقة رسمية له بالحركة، كما قررت فى اجتماعها الذى عقدته فى رام الله، وبعد الاستماع إلى تقرير لجنة التحقيق المشكلة من أعضاء من اللجنة المركزية أحالته إلى القضاء فيما يخص القضايا الجنائية والمالية وأي قضايا أخرى،
لا يحتاج «دحلان» إلى تعريف، ولا تاريخه إلى توضيح، لكن ما يحتاج التفسير هو موقف الرئيس أبو مازن، الذى قرر فجأة إنهاء الأمر بالتصعيد العلنى.
وثيقتان تتوسطان الملف تتحدثان عن الواقعة: الأولى أرسلت من رام الله بتاريخ (9 - 1 - 2009) تحت عنوان: «تطورات التحقيق مع محمد دحلان» جاء فيها:
فيما يلى ما ذكره مصدر بمكتب محمد دحلان للزميل الملحق جمال عطا فى هذا الشأن:
1- أفاد بأن محمد دحلان، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح قد مثل أمام لجنة التحقيق المشكلة من أعضاء اللجنة المركزية يوم 2 الحالى للنظر فى بعض الاتهامات الموجهة له بالتحريض ضد الرئيس عباس فى أوساط حركة فتح، مشيراً إلا أن استقالة أبو ماهر غنيم من رئاسة اللجنة المذكورة جاءت كرد فعل على ما يراه من عدم جدية الاتهامات الموجهة إلى دحلان.
2- أكدت اللجنة أنها ناقشت «دحلان» فى قضيتين رئيسيتين، الأولى هى الاتهامات الموجهة إليه بعقد اجتماعات مع 25 من أمناء السر وكوادر حركة فتح فى الضفة الغربية أبدى فيها «دحلان» اعتراضاً على الأوضاع التى آلت إليها الحركة تحت قيادة الرئيس عباس، والثانية تتعلق بتضخم الثروة الخاصة بدحلان.
3- فيما يتعلق بالقضية الأولى، ذكر أن واحداً من أعضاء الحركة ويدعى عونى المشنى، أحد المرشحين لعضوية اللجنة المركزية فى المؤتمر السادس لحركة فتح، ادعى أن محمد دحلان طلب منه عقد اجتماعات مع أمناء سر وكوادر الحركة فى الضفة الغربية، لافتاً إلى أن الرئيس عباس هو الذى قدم التقرير المنسوب إلى المشنى إلى اللجنة المركزية للنظر فيه، وأن الرئيس عباس طلب من اللجنة التحقيق مع «دحلان» فى هذا الخصوص، مضيفاً أن اللجنة استدعت «المشنى» للتحقيق وطالبته بتحديد أمناء السر والكوادر التي شاركت مع «دحلان» فى هذه اللقاءات، إلا أنه رفض الإجابة.
4- أكد أن «دحلان» نفى كافة الاتهامات الموجهة له، وأن اللجنة استمعت إلى أقواله فى القضيتين، مشيراً إلى أن «دحلان» قام بالسفر إلى عمان مباشرة بعد انتهاء أعمال التحقيق معه.
5- أفاد بأن جهوداً قام بها عدد من قيادات حركة فتح للتقريب بين الرئيس عباس ودحلان، مشيراً فى هذا الشأن إلى محاولتين، الأولى قام بها سمير المشهراوى، عضو المجلس الثورى «مقرب من دحلان»، ومحمود الهباش، وزير الأوقاف، لصياغة بيان يتضمن اعتذاراً من دحلان للرئيس عباس، على أن يلقيه دحلان أمام اللجنة المركزية إلا أن الرئيس عباس رفض ذلك، وطالب باعتذار يصدر عن دحلان فى وسائل الإعلام، أما المحاولة الثانية، فقام بها روحى فتوح، وزياد أبو عمرو (وزير الخارجية الأسبق) وتضمنت محاولة لصياغة بيان يتم نشره فى وسائل الإعلام، إلا أن دحلان رفض ذلك قبل أن يحصل على ضمانات تؤكد أن الرئيس عباس لن يستمر فى التصعيد ضده فى حال صدور مثل هذا البيان.
6- أضاف أن «دحلان» فى موقف ضعيف فى مواجهة الرئيس عباس، لافتاً فى هذا الشأن إلى أن عدداً من المقربين من دحلان روّجوا فى أوساط الحركة إلى أن مروان البرغوثى يدعم «دحلان» فى صراعه مع الرئيس عباس، إلا أن مروان البرغوثى قام بتوجيه خطاب إلى أمين مقبول، أمين سر المجلس الثورى لحركة فتح نفى فيه ذلك.
7- ذكر أيضاً أن التصريحات التى أدلى بها جبريل الرجوب، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح مؤخراً والتي أكد فيها وجود فارق بين الرئيس عباس باعتباره رئيساً للحركة، وكافة أعضاء اللجنة المركزية تؤكد أن دحلان يقف بمفرده فى مواجهة الرئيس عباس، وأنه لا يستطيع أن يعتمد على دعم أى من أعضاء اللجنة المركزية بما فيها التحالف الأمنى داخل اللجنة (جبريل الرجوب - توفيق الطيراوى) موضحاً أن المخرج الوحيد لدحلان من الأزمة الحالية هو ورود وساطة عربية تستطيع أن تتوصل إلى تسوية ما بينهما، لافتاً إلى أن زيارة دحلان للقاهرة فى (4 -12-2010) كانت تصب فى هذا الاتجاه إلا أن دحلان بتصريحاته التى أطلقها بعد اللقاء قام بإفساد هذه الجهود قبل أن تبدأ فى ضوء الغضب الذى ألم بالرئيس عباس عند وصول التصريحات إليه.
8- أشار أيضاً إلى أن الطيب عبدالرحيم، عضو اللجنة المركزية للحركة أوحى للرئيس عباس بأن استمرار التصعيد ضد دحلان سوف يؤدى إلى ارتفاع شعبيته في أوساط الرأي العام العربي الذى يرى في دحلان مرادفاً للخيانة والعمالة لـ"إسرائيل".
9- أكد أن سياسة دحلان حالياً تعتمد على رد الفعل، وأن الأخير يشعر بمأزق حقيقى، لافتاً فى هذا الشأن إلى التصريحات التى أطلقها «دحلان» بأنه «مخزن أسرار»، والتي تتضمن تلميحاً بإفشاء ما لديه من أسرار حول القيادة الفلسطينية إلا أن ذلك سوف يعنى إدانة «دحلان» نفسه على أساس أنه كان يتكتم على هذه المستندات لفترة طويلة، فضلاً عن أن الرئيس عباس يمتلك أيضاً العديد من الوثائق ضد «دحلان».
وفى برقية تالية تحمل صفة «سرى جداً»، أرسل مكتب التمثيل المصرى برام الله برقية معلومات تحمل عنوان: «متابعة لتطورات الخلاف بين الرئيس عباس ومحمد دحلان، فيما يلى ما علمه الزميلان الوزير المفوض طارق عبدالحميد، والملحق جمال عطا، من مصادرهما بالسلطة الفلسطينية حول هذا الأمر:
1- نتيجة للإجراءات التى اتخذها الرئيس عباس بعزل المقربين من دحلان فى الدوائر الأمنية للسلطة الفلسطينية، وذلك بإقصاء يوسف عيسى، نائب رئيس جهاز الأمن الوقائى، والذى يعتبر من أشد المقربين من دحلان، فقد اتخذ دحلان قراراً بالتهدئة حالياً وسافر لقضاء بعض الوقت مع أسرته فى دولة الإمارات أثناء إجازة العيد.
2- قام محمد دحلان بتفويض سمير المشهراوى للتوسط بينه وبين الرئيس عباس لإزالة سوء الفهم، كما أن هناك محاولات أخرى يجريها صخر بسيسو، عضو اللجنة المركزية لـ«فتح»، لرأب الصدع بين دحلان والرئيس عباس، كما قام أيضاً عدد من رجال أعمال الإمارات بجهود للتوسط بين الطرفين.
3- انتقل الرئيس عباس حالياً من مرحلة الغضب من دحلان إلى مرحلة توجيه العتاب له على ما قام به، وهو ما يشير إلى احتمال احتواء الخلاف بين الطرفين، وذلك رغم وجود جناح داخل اللجنة المركزية لـ«فتح» يحاول إبقاء جذوة هذا الخلاف مشتعلة.
4- أن الخلاف الذى نشب بين دحلان والرئيس عباس هو أمر يحدث بشكل شبه اعتيادي بين الرئيس عباس والقيادات الفلسطينية فى كل من اللجنة المركزية لفتح واللجنة التنفيذية للمنظمة، كما أنه يأتي فى إطار قيام القيادات الفلسطينية الحالية (أعضاء المركزية والتنفيذية) بإعداد أنفسهم وتأهيلهم لمرحلة ما بعد الرئيس عباس.
التقدير: أن الخلافات والصراعات الشخصية التى تندلع بين الحين والآخر بين أعضاء القيادة الفلسطينية، فضلاً عن سياسة المحاور السائدة فيها، وتنقل القيادات الفلسطينية حتى قبل إنشاء السلطة الوطنية تجعل من الصعب بناء أحكام أو استنتاج نتائج قاطعة فيمن وراء هذه الأحداث، حيث تتغير طبيعتها ومكوناتها، إلا أن الأمر الثابت هو عدم وجود تحدٍ داخلى جدى خلال هذه المرحلة لزعامة الرئيس عباس.