السبت 01-02-2025

قمبيز ونتيتاس وعطروف: شخصيات تعيش بيننا

×

رسالة الخطأ

د. فيحاء عبد الهادي

قمبيز ونتيتاس وعطروف: شخصيات تعيش بيننا
د. فيحاء عبد الهادي
24 أيار 2015

طالما حبسنا أنفاسنا، أطفالاً، والوالد/ قاسم عبد الهادي، يحدثنا عن الماضي، مستحضراً شخصيات تاريخية، أعجب بها؛ فأكسبها لحماً ودماً، وجعلها جزءاً من حياتنا؛ الأمر الذي جعلنا نبحث عنها، شباباً، لنتلمَّس سر إعجابه بها.
بحثنا عن سيرة "كليوباترا"، و"يوليوس قيصر"، وخطبة كل من "بروتس"، و"مارك أنطونيو"، وسيرة "عنترة"، وأشعار "قيس بن الملوَّح"، وسيرة "قمبيز".
حدثنا الوالد عن أدائه، يافعاً، دور "يوليوس قيصر"، في مدرسة الفرندز، وردَّد على مسامعنا الخطبتين الأشهر في التاريخ، لكل من: "بروتس"، و"مارك أنطونيو"؛ ما يدل على خطورة الدور الذي تلعبه الخطابة، في التأثير على الجماهير.
وحين كان يحدثنا عن شخصية "عنترة"، وحبه لابنة عمه "عبلة"؛ كان يركز على أولوية الدفاع عن الوطن، على العرق واللون والأنساب، ويؤكد على انتصار الحب، والحق، مهما طالت السنون.
قرَّب الوالد إلى نفوسنا شخصية "قيس بن الملوَّح"؛ وابتهج حين سمع حفيده "تامر"، يغني قصيدة من قصائد "ابن الملوَّح"، خاصة أنه قام بتلحينها، وتوزيعها.
أما عن شخصية "قمبيز"، فإن المسرحية التي كتبها عنه أمير الشعراء/ "أحمد شوقي"، وتحمل الاسم ذاته؛ لم تبارح يديه، حتى لحظاته الأخيرة. كنت وأشقائي، نراها بين يديه، في السنة الأخيرة، باستمرار، وكنا نحرص على الحديث معه عن كتب جديدة، ومدَّه بها. كان يستمع لنا باهتمام، ويقرأ الكثير؛ ولكنه كان يعود دائماً إلى قراءة "قمبيز". ما الذي جعله متمسكاً بمطالعة هذه المسرحية بالذات؟ كما لاحظت صديقتي "رندة"، ولاحظ كل من دأب على زيارة الوالد؟
كانت هذه طريقته الثاقبة في قراءة الوضع السياسي العربي المتدهور، على امتداد الوطن العربي. رأى الاستبداد والطغيان متمثلاً في الملك الفارسي "قمبيز":
"أنا قمبيز بن كسرى أنا جبار الوجود".
كما رأى مقاومة الاستبداد، والتضحية والفداء، متمثلة بالأميرة المصرية الشجاعة "نتيتاس"، التي قتل والدها "إبرياس" ظلماً، ومع ذلك قدَّمت روحها فداء لشعبها ولوطنها:
"ومالي لا أعطي الحياة إذا دعت بلادي..حياتي للبلاد ومالي".
*****
وجاء الدور على أولادنا، الذين سمعوا من جدِّهم ما سمعنا، وأكثر. ولم يقتصر حديثه مع الأحفاد على الشخصيات التاريخية؛ بل بادر إلى رسم شخصيات جديدة، لها سمات أسطورية، كي يشعل خيال الأطفال، وكي يرسِّخ قيماً أراد لها أن تستقر في نفوسهم/ن، بطريقة غير تقليدية.
ابتكر شخصية "عطروف"، التي شكَّلت إجابة خلاّقة، على المشكلات المعقدة التي استدعاها واقع الاحتلال الإسرائيلي، ومقاومة الاحتلال، من مشكلات حياتية، يصعب على الصغار استيعابها! إذ كيف كان للطفلين "شادي"، و"ديمة"، أن يستوعبا، ولما يكمل كل منهما عامه الأول، - حين كان على والدهما أن يسجلهما في هويته - أن يدخلا إلى فلسطين، دون أن تصحبهما والدتهما؟ ماذا يعني أن تمنع من دخول وطنها؟! وكيف يمكن للطفل "تامر" أن يعي أنه لن يستطيع دخول فلسطين، مع والده، أسوة بأشقائه؛ لأن قوانين الاحتلال قد تغيرت، بعد ولادته، وأصبح لزاماً أن يُسجَّل الطفل مع والدته، وليس والده؟!
كان الحل إبداعياً لدى الوالد؛ رسم شخصية "عطروف"، التي استطاعت أن تخترق نقاط التفتيش والحواجز، وتصنع المعجزات.
*****
يمشي عطروف
يتحرَّكُ بِالأبيضِ/ بالأسودِ/ بينَ النارِ وبينَ الرِّيح
يصحبُ أحلامَ الأطفالِ/ أماني الأطفال
يُصبحُ فارِسَهم/ عنتَرَهُم/ ذاتَ الهمَّةِ/ عبدَ الوهّاب
يَحمِلُ صُندوقاً من كلماتٍ فَوقَ الظَّهرِ المحنيِّ المرفوع
ما أَعجَبَ هذا الظَّهرَ المَحنيَّ المرفوع!
يَفتَحُ كَوَّةَ صُندوق الدّنيا
يَتَمَنطَقُ بالكلماتِ السِّحرِيَّةِ
يَرشُقُها سهماً يختَرِقُ البوّاباتِ
يَعجِنها تُصبِحُ صابوناً نابلسياً/ زيتوناً بَرقاوياً
يزرَعُها تَتَشَكَّلُ عِنَباً دورياً/ يَرميها في البَحرِ لتُخرِجَ سَمَكاً يافياً
يَعزِفُها لحناً/ في بيتا/ نحالين/ بورين
يَحمِلُهُ الطَّيرُ إلى إذنا/ كَفرَ الديك/ عَنَبتا/ سِلواد
يَهدُرُ/ في ديرِ البَلَحِ/ وأمّ التوت
تَكبُرُ صورةُ عَطروفٍ/ تَتَلَوَّنُ
تَغدو أحجِيَةً
من هو يا جدي؟ ومتى يأتي؟ أينَ نراه؟
كَيفَ يَكونُ هُنا مَعَنا؟ وَيَكونُ هُناك؟
يَبتَسِمُ الجَدُّ/ يُتَمتِمُ
ع. ط. ر. و. ف
عَهدٌ/ طينٌ/ ريحٌ/ وَعدٌ/ فُل
عَينٌ/ طَيفٌ/ رَملٌ/ وَردٌ/ فَجر

انشر المقال على: