قصيدة نُسَيْمَاتُ لَحْنِ الْوِصَالِ
الشاعر عِمَادُ الدِّينِ التُّونِسِيُّ
غُبَارٌ تَفَشَّى كَمِلْحِ التُّرَابِ
لِإِجْهَاضِ حُلْمِي بِوَهْمِ السَّرَابِ
يُرَاوِدُ نَفْسِي بِأَوْتَارِ عُودِي
لِشَنْقِ الْأَمَانِي بِحَبْلِ الضَّبَابِ
يَضُمُّ الصَّبَاحَاتِ ضَمَّ الْجَحُودِ
وَيَرْمِي بِهَا فِي قُبُورِ الْغِيَابِ
تَجَاعِيدُ رُعْبٍ بِكَفِّ الدِّمَاءِ
غَزَتْنَا لِتَغْتَالَ سِرْبَ السَّحَابِ
بِطَمْسٍ لِضَحْكَاتِ ثِغْرِ الرَّبِيعِ
أَرَى الْأَرْضَ زِنْزَانَةً بِالشِّجَابِ
غُبَارُ الْمَتَاهَاتِ أَرْبَتْ سُكُوتًا
رَوَتْهَا الدَّهَاليزُ تَحْتَ الشِّعَابِ
وَ يَجْتَثُّ أَحْقَابَ زَهْوِ الْوِصَالِ
لِتَشْتِيتِ أَطْرَافِ عِضْدِ الصِّحَابِ
يُحِيكُ الْمَآسِي بِخَيْطِ الْعَرَاءِ
عَلَى ضَوْءِ رَعْدٍ وَ مِنْ شَرْخِ بَابِ
لِصَيْدٍ وَفِيرٍ أَقَامَ الْعِشَاءَ
فُتَاتٌ بِعَظْمٍ لِسَيْلِ الْلُّعَابِ
فَوَجْبَاتُ تَشْطِيرِ مَا فِي الرَّغِيفِ
لُقَيْمَاتُ ذُلٍّ لِفَكِّ الرِّطَابِ
غُبَارٌ بِأَطْيَافِ نَوْمِي أَرَاهُ
يَزِيدُ اِلْتِهَابِي كَعُودِ الثِّقَابِ
بِرَفْضٍ لِأَحْضَانِ شَوْقِ الْعُبُورِ
وَنَكْصٍ لِقُدَّاسِ لَثْمِ الرِّضَابِ
فَآلاَمُ قَلْبِي بِأَصْقَاعِ تِيهٍ
لَغَتْهَا الْقَوَامِيسُ وَقْتَ الْخَرَابِ
وَتَابُوتُ حَظِّي يَضُمُّ الرُّفَاتَ
مَرَاسِيلُ جُرْمٍ بِقَطْعِ الرِّقَابِ
بَقَايَا جِرَاحٍ بِنَا خَلَّفَتْهَا
عُهُودُ رَعِيلِ الْخَنَا وَ الشَّرَابِ
نُسَيْمَاتُ حُبِّي كَوَجْهِ الْمَلَاكِ
تُحَلِّي شِغَافَاتَ سَيْلِ الصَّبَابِ
وَ خَيْرُ السُّوَيْعَاتِ مَا قَدْ تُضِيءُ
وَ مِنْ خَلْفْ أَسْوَارِ عُسْرِ الدِّرَابِ
بِصَفْعٍ وَ بِالنَّعْلِ لِلْعَابِثِينَ
رُهُوطُ النِّفَايَاتِ صِنْوَ الذُّبَابِ
فَمَوَّالُ مُزْمَارِ لَحْنِ الْحَيَاةِ
سَيَبْتَلُّ يَوْمًا بِمَاءِ الْخِضَابِ
بِغَسْلٍ لِأَحْقَابِ حُزْنِ الْوَرَاءِ
نُعِيدُ الْمَسَارَاتَ نَحْوَ الصَّوَابِ
عَنَاوِينُنَا غُسْلُ عِطْرِ الْوُرُودِ
وَلَيْسَتْ نَجَاسَاتَ لَعْقِ الْكِلَابِ
وَ رَايَاتُ نَصْرِي كَشَمْسِ النَّهَارِ
فُتُوحَاتُ خَيْرٍ بِنُورِ الْكِتَابِ
تُرَوِّي الْحُقُولَ الْتِّي فِي رُؤَانَا
وَ تُحْيِ الْوُجُودَ بِفَصْلِ الْخِطَابِ