قصيدة: قِصَّةُ الْأَمْس
الشاعر: عِمَادُ الدِّينِ التُّونِسِي
بِالْأَمْسِ..
كُنْتُ ذَا الْخَمْسَةِ أَعْوَامٍ، أَتَسَمَّرُ
عَلَى الْعَتَبَاتِ..
أُقَضِّي الْطِّوَالِ أَجُوبُ فِي
الْخَيَالاَتِ..
لِأُعْلِنَ ثَوَرَاتِي وَقُودًا
لِلْإِنْتِظَارَاتِ..
بِالْأَمْسِ..
كُنْتُ طِفْلاً خَرِيفِيًّا،أَحْبُسُ نَفْسِي
أَتَرَقَّبُ دَوْرِي
لِلْوُلُوجِ لِلْمَدْرَسَةِ، مَا زِلْتُ أَحُسُّ
بِالنَّسَمَاتِ..
تُدَاعِبُ وَجْنَتَايْ.
مَا زِلْتُ..
أَتَذَكَّرُ الدَّمَعَاتِ الْتِّي سُكِبَتْ خَوْفًا
مِنْ إِنْقِرَاضِ
الضَّحَكَات.. بِالْإِنْكِبَابِ بَيْنَ الْكُتُبِ
وَ الْكُرَّاسَاتِ..
مَا زِلْتُ..
أَتَذَكَّرُ رُسُومَاتِي بِأَلْوَانِي لِأَعْظَمِ
الْإِنْتِصَارَاتِ..
بِأَقْصَى الدَّرَجَاتِ.. وَ قَائِمَةُ
الْأَصْدِقَاءِ وَ الصَّدَقَاتِ.. تَكْبُرُ
كُلَّمَا بَعِدْتُ مِنَ السِّجِلِّ الْمُنْقَضِي
عَلَى عَجَلٍ .
بِالْأَمْسِ..
خَطَّتْ أَنَامِلِي أَوَّلَ قَصَائِدِي،
حُرُوفًا أُخِيطُهَا مِنْ أَحْلاَمِيَّ
الْوَرْدِيَّة عَلَى مَهَلّ.
بِالْأَمْسِ..
هَمَسً لِي مُعَلِّمِي بِأَنَّ نَتَائِجِي حَازَتِ الْإِمْتِيَازَاتِ .
بِالْأَمْسِ..
قُبِلْتُ بِالْمَعْهَدِ الْأَعْلَى لِتَكْوِينِ
الْمُعَلِّمِينِ وَ بَدَأْتِ رِحْلَتُ الْجِدِّ
تَعْلُو وَتِيرَتُهَا رَغْمَ مَرَارَتَهَا،
مَوْجَاتٍ تِلْوَ مَوْجَاتٍ..
بِالْأَمْسِ..
كَانَ يَوْمِيَ الْأَوَّلَ فِي الْفَصْلِ،
صَوْمًا لِلْغُرُوبِ، صَوْنًا لِأَجْيَالِ الدُّرُوبِ.
بِالْأَمْسِ..
تَشَابَهَتِ الْبِدَايَاتُ.. بِرَهْبَتِهَا
بِغُمُوضِهَا مَعَ مُرُورِ السَّاعَاتِ..
فَإِتَّسَعَتْ دَائِرَةُ الْمَعَارِفِ وَزَادَتْ
حَلْقَةُ الْمَخَاوُفِ .
لِيَشْتَدَّ الْإِحْتِكَاكُ وَ الْعَرَاكُ مَعَ
الْحَيَاةِ..
بِالْأَمْسِ..
وَجَدْتُنِي أَحْلُمُ بِشَغَفٍ لِأَكْتُبَ
وَلَفًا..عَلَى وَرَقِي الْبَرِيءِ..
خُذْلَانيِ جُبْنِي وَ أَحْزَانِي،
تَأَلَّمُلَاتِي وَ تَعَلّمَاتِيُ ، بُكَائِي وَ
ضَحَكَاتِي، إِقْبَالِي وَ إِدْبَارِي..
وَ الْيَوْمَ..
حَاضِرِي يُسَائِلُ أَمْسِي: أَيْنَ
إِنْقَضَى هَمْسِي؟
مَنْ سَرِقَ نَبْضِي عَلَى غَفْلَةٍ
مِنِي؟
إِيهِ يَا قِصَّةَ الْأَمْسِ..
لَوْ أَنَّ لِي بِكَ قُوَّةً!!!