قتال وقصف وقطع رؤوس.. في مخيّم اليرموك !
يعيش الفلسطينيون في سوريا مرحلة جديدة متجددة من القلق حول أسئلة المصير، خاصة على ضوء ما يجري في مخيم اليرموك ، المسمى عاصمة الشتات، وعنوان حق العودة الفلسطيني، هذا كله في ظل اشتداد حالة العوز الاقتصادي الشديد المترافق مع الارتفاع الكبير في سعر الدولار، واستنفاذ الغالبية لرصيدها النقدي، الأمر الذي شهد هبوطاً في مستوى الأماكن السكنية المستأجرة من قبل اللاجئين المهجرين.
أما داخل اليرموك، وبعد هدوء نسبي، لا بل خطوات بدت فعلية، لتفكيك الحالة الأمنية المعقدة داخل المخيم، والحديث المبشّر عن خروج الجماعات المتصارعة، وترتيب انسحابات لعدة مسلحين إلى مناطق بعيدة عن دمشق، ومن ضمنهم مسلحو داعش والنصرة، عادت الأمور، كدأبها منذ خمس سنوات، إلى نغمة التصعيد الوحشي.
في آذار 2015، اتهمت كتائب أكناف بيت المقدس تنظيم داعش باغتيال القيادي في حماس "أبو صهيب"، فشنت الأكناف حملة اعتقالات في صفوف داعش، مما أدى إلى توتر غير مسبوق بينهما في مخيم اليرموك.
في مطلع نيسان من ذات العام، كانت الأمور خرجت من مرحلة التمترس في المواقع، و الاشتباكات الطفيفة و التناحر المليشيوي بين أطراف مختلفة داخل المخيم، خاصة بين عناصر جبهة النصرة "القاعدة" و أكناف بيت المقدس "حماس وجماعة الإخوان"، وكل منهما يسير خلفه رهط من المساندين و المتحالفين، وكانت نتيجة ذلك أن النصرة قامت، بشكل غير مسبوق، بالانقلاب على الأكناف وأدخلت فجأة عناصر داعش بزي عناصر النصرة، وبذلك أُعيد احتلال اليرموك بأزياء جديدة، وأول عمل قام به داعش هو إنزال علم فلسطين والدوس عليه في خطوة استفزازية للمواطنين في المخيم، اعتبرت ذات مدلولات سياسية!.
بدأ تنظيم الدولة "داعش" بفرض حالة جديدة اتسمت بتصعيد الممارسات الإجرامية والإعدامات والتضييق على المواطنين، وهي السياسة التي بدأتها النصرة بوتيرة أقل منذ سيطرتها، حتى باتت تحاكم و تقطع الرؤوس لعلة الكفر أو شتم الذات الإلهية و ما إلى هنالك.
سحقت النصرة و داعش هيمنة وجود أكناف بيت المقدس، التي فضلت التهدئة والمصالحة مع الجيش السوري والفصائل "القيادة العامة، فتح الانتفاضة، جبهة النضال"، وتمت تسوية العديد من النقاط، إدراكاً لخطورة الوضع الجديد، حتى أن بعض قادة حماس الجرحى خرجوا للعلاج في مشافي دمشق، وتم تخفيف حالة الحصار الشديد الذي يطبق على المخيم.
لكن العلاقة الشائكة والمعقدة بين داعش والنصرة عادت لتلقي بظلالها على أرض الواقع، خاصة بعد أن أغرى تنظيم داعش عناصر من النصرة بشكل متكرر بالانضمام إليه، حيث انشقت عناصر عدة من النصرة بدعم من داعش وشكلوا تنظيم "أنصار الله" و بثت داعش بين الحين والآخر شكوكاً حول صحة مبدأ وفقه النصرة من الناحية الدينية، مما أدى إلى الصراع وتضارب المصالح وترجمتها إلى مفردات دينية، مما سيحوله إلى حالة اشتباكية.
الوضع الراهن
ظلّت الحالة على اضطّرابها بين داعش والنصرة، المهيمنيْن على مخيم اليرموك، سائدة ظاهرياً، على الرغم من بعض الإشكالات التي تجري بين حين وآخر، فيتم تجاوزها، حتى وصلت الأمور إلى تصاعد تضارب المصالح والتنافسات، وبالتالي التكفير العلني من كل طرف باتجاه الآخر، وهو ترجمة لواقع التنافس وتضارب المصالح وتوزيع الغنائم ونسبة الهيمنة على اليرموك وشوارعه.
الشهر الماضي، قتل المدعو أبو خضر أحد أمراء داعش، "أنصار الله" التي تعمل سراً لصالح التنظيم في اليرموك المتصل بمنطقة الحجر الأسود المحاذية حيث تتواجد داعش بقوة، والذي اتهم النصرة بذلك حيث أنه من المنشقين عنها.
هذه المرة اندلعت اشتباكات و تصاعدت لتصل إلى ما هي عليه اليوم، مما أدى إلى ازدياد الحالة الصعبة للآلاف من المدنيين المتبقين داخل المخيم، حيث جرح طفلان ورجل نتيجة الاشتباكات، وقتل العديد من مُقاتلي التنظيميْن، وبدأ كل طرف يكفر الآخر من منبر المسجد الذي يسيطر عليه.
أهالي المخيم المحاصرون بلا كهرباء وماء، مع شح في الطعام عبروا عن سخطهم في وجه عناصر التنظيمين وبدت الأصوات علنية في وجههما مطالبة بدخول الجيش السوري و الفصائل إلى المخيم.
توصل الطرفان إلى هدنة مؤقتة وقعت بينهما خلال الأسابيع الماضية بعد اشتباكات عنيفة راح ضحيّتها العشرات بين قتيل وجريح من مقاتلي التنظيمين.
انهيار الهدنة بين داعش و النصرة
بداية أبريل نيسان الحالي، و بعد اختراقات أمنية متبادلة انهارت الهدنة بين التنظيمين، داعش و أنصار الله المبايع له من جهة، و النصرة من جهة أخرى، و اشتدت الاشتباكات خاصة بُعيد مقتل المدعو" أبو علي الصعيدي" المنشق عن النصرة و المنضم إلى داعش تحت اسم الأنصار، و الذي يعد شهيراً بجرائم الاغتيال التي وصلت إلى حد إعدام ليث الشهابي ابن زوجته أمامها بستة عشر رصاصة، نتيجة خلاف شخصي ، علماً بأنه من أتباعه.
من خلال خريطة السيطرة الحالية ، يبدو تنظيم داعش هو الأقوى، خلال فصل المسرحية الدولية هذا، حيث تتمدد سيطرته يومياً بينما تنحسر امتدادات النصرة التي لم تعد تسيطر إلا على بعض أحياء اليرموك، وتعد مناطق الاشتباكات الأعنف تجري في العروبة و شارع لوبية، و شارع صفورية و شارع حيفا و شارع صفد و الجاعونة، ومن الصعب إحصاء عدد القتلى من الطرفين.
من جهتها قامت داعش بفرض حظر للتجوال على المدنيين المحاصرين داخل البيوت و في حواري ضيقة، و منعتهم من الخروج لجلب الماء من المناطق القريبة ، و شهد المخيم حالات قنص متكررة من قبل قناص داعش الرابض قرب حاجز العروبة، على الطريق المؤدية من نهاية المخيم باتجاهين ألى الشرق يلدا، و إلى الغرب الحجر الأسود.
ما برز خلال الأيام الماضية هو قطع الرؤوس المتبادل و مفردات التكفير السائد بين الطرفين، إلى جانب استخدام الأسلحة الخفيفة و المتوسطة في القتال الذي لم ينج من آثاره المدنيون المحاصرون أصلا و الذين بلا ماء و لا كهرباء منذ نحو ألف يوم.
الجيش السوري يقوم بقصف متواصل للفريقين وخصوصاً للمناطق و الشوارع التي يسيطر عليها داعش.
الوضع حالياً
تحاول جبهة النصرة استحضار دعم لعناصرها من المناطق المجاورة، لكن دعمها لم يصل مما قد يؤكد وجود مسرحية جديدة ، يتخوف الفلسطينيون من أن يكون هدفها تدمير اليرموك بكامله، حيث أنه لا أحد سيسمح بسيطرة و تمدد داعش باتجاه عمق مدينة دمشق، خاصة و مع تصاعد إعلان التنظيم عن نيته السيطرة على كامل المخيم إن لم تستجب النصرة كما هدد مشرع داعش يوم 9/4/2016 في مسجد حمزة بمنطقة العروبة ، و تبعه بذلك بيان يعطي مهلة ساعات لعناصر النصرة للتوبة و تسليم أنفسهم
معاناة الأهالي مستمرة و ينتظر أن تصل لما هو أسوأ ، حيث القصف و القنص من قبل الطرفين، و شح المواد التموينية و الحصار و انقطاع الماء و الكهرباء، و حظر التجول و الواقع القتالي القائم ، حيث من المنتظر اشتداد المعارك بين الطرفين على حساب أمن المخيم، و قد بث داعش صورا لرؤوس مقطوعة، و لمقاتليه و أسمى ذلك معركة ضد النصرة، و لكن الاعتقاد السائد بأن تلك خطوة جديدة من أجل استكمال استباحة اليرموك، و تهديد مستقبل بقائه برمته، حيث أن الشعور السائد يشي بأن خطوة سيطرة داعش تأتي لإيجاد مبرر للقوى الدولية لضرب المخيم وربما تدميره بالكامل لصالح تغيير خارطة الوجود الفلسطيني في سوريا.