الخميس 21-11-2024

في الذكرى السادسة والاربعين ليوم الأرض

×

رسالة الخطأ

غازي الصوراني

في الذكرى السادسة والاربعين ليوم الأرض

غازي الصوراني

الثلاثون من آذار، ذكرى لها دلالتها في تاريخ الحركة الوطنية للشعب الفلسطيني ، ففي ذلك اليوم من عام 1976 ، هبّت الجماهير الفلسطينية في الجليل والنقب في فلسطين المحتلة 48 وشاركتها الجماهير الفلسطينية في باقي الأراضي المحتلة عام 1967 والشتات ضد عملية المصادرة للأراضي التي تقوم بها سلطة العدو الصهيوني ، فقد وقف الشعب الفلسطيني يدافع عن أرضه التاريخية التي أنجبته واحتضنته عبر آلاف السنين ، وانتمى اليها وأعطاها محبته وعقله وأودعها أحلامه جيلاً بعد جيل ، وأعطته الوطن والحياة بمثل ما أعطته هويته الوطنية والإنسانية ، فكان اخلاصه لها وتضحياته من اجلها نقياً صادقاً بلا حدود ، الأمر الذي يبرر ويعزز صراعنا نحن الفلسطينيون ضد الدولة الصهيونية باعتباره صراع وجودي ، وهو أيضاً صراع من أجل فتح أفق الثورة الوطنية الديمقراطية في كل قطر عربي على طريق التوحيد القومي و التطوّر و الحداثة و الديمقراطية والعدالة الاجتماعية بآفاقها الاشتراكية ، الأمر الذي يجعل معالجة المسألة الفلسطينية متضمّنة في المشروع القومي الديمقراطي العربي بصورة موضوعية ونضاليه في آن واحد ، و يؤسس في سياق النهوض الشعبي العربي إلى تغيير موازين القوى لحساب مصالح ومستقبل الجماهير الشعبية العربية .
ومرة تلو أخرى نستعيد نحن الفلسطينيون في ذكرى يوم الأرض ، أطياف ذكريات ماضية واصراراً على مواصلة النضال من اجل العودة وتقرير المصير والحرية والاستقلال، ولكن في وضع مؤسف عنوانه "تزايد الصراع بين قطبي الصراع فتح وحماس على السلطة والمصالح " وانسداد الأفق السياسي بالنسبة للدولة أو المشروع الوطني لا فرق ، والسؤال هو: ما هي تلك الغنيمة الهائلة التي يتنازع قطبي الصراع المتصادمين عليها؟ لا شيء سوى مزيد من التفكك والانهيارات والهزائم .. فالحرب بين الفلسطيني والفلسطيني لن تحقق نصرا لأي منهما ، وإنما هزيمة جديدة لمن يزعم انه انتصر ، يؤكد على هذا الاستنتاج الواقع الراهن الذي يعيشه أبناء شعبنا في الوطن والشتات ، لكن الأدهى والأشد مرارة من الانقسام الفلسطيني يتجلى في تفاقم مظاهر التبعية والتخلف في الأنظمة الكومبرادورية العربية الحاكمة ، وخضوعها لشروط العدو الأمريكي/الصهيوني وتطبيعها واعترافها بالكيان الصهيوني على حساب حقوق شعبنا الفلسطيني التاريخية والشرعية ، وفي مثل هذه الأوضاع ، ليس من الممكن التفكير بفلسطين ككيان قطري ، و هذا يعني تأكيد الطابع العربي لفلسطين مقابل " تهويدها" ما يؤكد على أن النضال الفلسطيني لا يمكن أن ينعزل عن عمقه وفق قواعد وأسس الصراع باعتباره صراع عربي صهيوني بالدرجة الأولى ، ما يعني أن لا آفاق للنضال الفلسطيني سوى أن يكون في طليعة النضال التحرري والديمقراطي العربي ومساندة كافة قوى التغيير الثوري الهادفة الى اسقاط أنظمة الكومبرادور وولادة أنظمة الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية .
انطلاقاً من ذلك يمكن أن يصاغ الحل ، على أساس أن فلسطين جزءً من دولة عربية ديمقراطية موحدة وأن تتحقق عودة اللاجئين الذين شُرِّدوا منها بالرغم من كل الصعاب أو "المستحيلات" التي يزعمها البعض ، ذلك أن شعبنا الذي رسم بالدم –آلاف المرات– خارطة الوطن عبر نضاله وتضحياته من أجل حق العودة هو شعب قادر -مهما طال زمن الانحطاط العربي- على تحقيق حلم الانتصار.
في الذكرى السادسة والأربعين لانتفاضة يوم الأرض الفلسطيني لعام 1976 نستذكر أحداث ذلك اليوم ، حيث عقد ممثلو المجالس المحلية العربية بمشاركة حركة أبناء البلد والشيوعيين وغيرهم من التقدميين اجتماعاً لهم ، في مدينة الناصرة، للبحث في الإجراءات التي ينبغي اتباعها، للتصدي لقرار المصادرة إياه، وتوصل المجتمعون إلى القرارات التالية :
1. إعلان يوم 30 آذار / مارس يوماً للأرض الفلسطينية .
2. إعلان الإضراب العام، والانقطاع عن العمل، والدراسة، والتجارة، في جميع مرافق الحياة في القطاع العربي، طوال هذا اليوم .
3. القيام بمظاهرة أمام الكنيست، وتقديم طلب إلى السلطة، لإلغاء مشاريع المصادرة.
4. ارسال وفد إلى الأمم المتحدة، حتى تتراجع إسرائيل عن قراراها ذاك .
وقع هذا القرار 48 من رؤساء البلديات، والمجالس المحلية، ومسؤولي لجان الدفاع عن الأراضي، في المدن والقرى العربية في فلسطين المحتلة .
وعبثاً، حاولت حكومة العدو إحباط هذه القرارات؛ فامتدت انتفاضة "يوم الأرض" من أعالي الجليل إلى المثلث، وانطلقت يوم 30/ 3 أقوى مظاهرات عربية في دولة الكيان الصهيوني ، منذ اغتصابها لفلسطين، حيث خرج الآلاف من أهالي قرى : دير حنا، وعرابة، وسخنين، وكفر كنا، والطيبة، وأم الفحم، ونجف، والطيرة، ومدينتي عكا والناصرة، أدت إلى وقوع اشتباكات بين المتظاهرين العرب، وقوات الشرطة، والجيش الإسرائيليين ، وشل الإضراب كل مظاهر النشاط في الوسط العربي بإسرائيل ، وقامت ناقلات الجنود، وطائرات الهليوكبتر الإسرائيلية بعزل القرى المضربة عن باقي أنحاء فلسطين ، وكالعادة كان الرد الإسرائيلي عنصرياً ، عسكرياً ودموياً إذ اجتاحت قواته مدعومة بالدبابات والمجنزرات القرى الفلسطينية والبلدات العربية، وأخذت بإطلاق النار عشوائياً؛ فسقط الشهيد خير ياسين من قرية عرابة، وانطلقت الجماهير في تظاهرات عارمة فسقط خمسة شهداء آخرين وعشرات الجرحى.
شهداء يوم الأرض :
خير ياسين/عرابه
سخنين الشهيد خضر خلايلة
سخنين الشهيدة خديجة شواهنة
سخنين الشهيد رجا أبو ربا
كفر كنّا الشهيد محسن طه
مخيم نور شمس الشهيد رأفت زهدي
لقد كانت تلك الانتفاضة ، بمثابة رد شعبنا الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة 48، على كافة قرارات وإجراءات العدو الصهيوني العنصرية ، الى جانب قراره بالنسبة لمصادرة الأراضي، وقد ثار شعبنا السجين صاحب الأرض والتاريخ على الجلاد الغاصب ، ولم يكن شهداء الثلاثين من آذار 1976 رموزاً ليوم الأرض لأنهم الوحيدون فحسب ، بل ايضاً لاتصالهم المباشر بالمناسبة، فكل شهيد في فلسطين يرمز بشكل أو بآخر إلى التمسك بالأرض ، وإلى أهمية الأرض .
ومنذ الانتفاضة يوم 30/آذار/1976 الى يومنا هذا ، أظهر يوم الأرض :
1. الأهمية الخاصة للانسجام والتفاعل بين الحالة الجماهيرية المتقدمة والإصرار على الدفاع عن الحقوق الوطنية والاجتماعية وبين توفر القيادة القادرة علي المبادرة واتخاذ القرار النضالي الحازم والمناسب .
2. إن الإمكانيات الكفاحية لابناء شعبنا الفلسطيني في ارضه المحتلة 1948 متوفرة رغم بشاعة المحتل الصهيوني الغاصب .
3. الارتباط التاريخي والراهن والمستقبلي بين نضالات شعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده سواء في الوطن المحتل أو المنافي .
4. تعاظم شعور الانتماء الوطني والقومي والنضالي لأبناء شعبنا الفلسطيني في ارضه المحتلة 48، مع تعاظم الشعور الغامر بالثقة بالنفس وبالحقوق التاريخية وروح التحدي والصمود في وجه غطرسة العدو الإسرائيلي .
نستلهم هنا قول المناضل والشاعر التقدمي الراحل توفيق زياد ليوم الأرض : بين الثلاثين من آذار 1976 والثلاثين من آذار اليوم 2022 كَبُرَ شعبنا كثيراً ، ربما أكثر مما كَبُرَ خلال 46 عاماً ... "نحن لم نعد أقلية الخمسينيات والستينيات المستضعفة بل أصحبنا شعب ما بعد الثلاثين من آذار" .
كان ليوم الأرض الأثر الأكبر على تأكيد وتجسيد بلورة الهوية السياسية الوطنية للفلسطينيين ، تلك الهوية المرتبطة راهناً ومستقبلاً بالهوية القومية العربية ذات الطابع والجوهر الديمقراطي التقدمي ، فبعد أن كان الفلسطيني هنا رهينة في قفص الخوف والعزلة والتردد تحول إلى نموذج في المواجهة ، كما في الانتماء والارتباط بمصير شعب بأكمله ، تحول إلى نموذج في التحدي والتصدي والصمود على ارض وطنه ، لا يهمه أن يضحي في سبيل البقاء حراً أبياً في وطنه مهما عظمت التضحيات! أصبح يعلنها جلية واضحة مدوية .. (هذا وطننا وإحنا هون) .. وقد دخلت إلى قواميسنا عبارات ومصطلحات وشعارات غيّبتها عقدة الخوف والتردد ! ودخلنا معها مرحلة جديدة من تاريخنا مرحلة عنوانها ... " هنا على صدوركم باقون كالجدار.. وفي حلوقكم كشوكة الصبار... كأننا عشرون مستحيل في اللد والرملة والجليل".
في الثلاثين من آذار 1976 سجل الأحرار عباراتهم بدم ستة شهداء لم ينتظروا مؤتمر قمة عربية أو لجنة رباعية ، أو مبادرة أمريكية ، أو خطة أوروبية .. لقد دوّنوا بدمائهم قرار الشعب ... لن تمروا ... أرضنا حياة وبداية ليس لها نهاية ... أرضنا حرية وكرامة ، فكانوا بذلك كأنهم يمارسون أنبل وأقوى مشاعر التحدي لعملية الهبوط والخضوع والهوان الرسمي العربي من أنظمة العمالة التي تتآمر اليوم على قضيتنا ومستقبل شعبنا بوقاحه عزّ نظيرها كما هو الحال في استجابتهم لدعوة العدو الصهيوني للمشاركة فيما يسمى بـ"قمة النقب" .
على أي حل ، إن معركة الأرض لم تنته في 30 آذار، بل هي مستمرة حتى يومنا هذا، ونستطيع أن نقول أن كل الأيام الفلسطينية هي بمثابة يوم الأرض ، أو يوم التحدي والمجابهة لممارسات العدو الصهيوني ومقاومة عدوانه واجراءاته ضد شعبنا ، خاصة وأن حكومة الاحتلال العنصرية لم تتوقف أبداً عن سياستها في مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وهدم البيوت وطرد السكان خاصة في العديد من مناطق ومدن الضفة الغربية عموماً ومن محيط عاصمتنا الخالدة القدس خصوصاً ، كما هو الحال مع ممارسات العدو الصهيوني في الخان الأحمر والشيخ جراح وسلوان والأغوار .
إن الأرض والاستقلال والسيادة الوطنية للشعب الفلسطيني، كانت وتظل جوهر وعقدة العصب للقضية الفلسطينية بكل ما للكلمة من معنى ، وبالتالي فإن حق العودة وتعزيز الهوية مشروط بعودة الأرض وتحريرها ، وما تفرضه تلك العملية التحررية من مراكمة عوامل المواجهة الثورية لمخططات التحالف الامبريالي /الصهيوني/الرجعي العربي ، الرامية لتصفية القضية وإنهاك وإنهاء الكيانية الوطنية الفلسطينية ، وذلك انطلاقاً من أنه دون تصفية وإزاحة تلك المخططات وأنظمة التبعية فإن الحديث عن حق العودة يصبح أقرب الى الوهم .
وبالتالي فإن حرية شعبنا واستقلاله لن تتحقق إلا بامتلاكه لأرضه عبر وجوده وصموده وتعزيز بقاءه، الذي يستلزم توفير مقومات الصمود على الأرض ، معلناً رفضه لكل ممارسات الاستعباد والقهر السياسي والاجتماعي والطبقي ، بحيث يملك كامل حريته الشخصية والعامة معتداً بكرامته وقدرته على التعبير عن رأيه ومعتقداته الوطنية والمجتمعية ؛ فالتحرر الحقيقي من الاحتلال لن يتحقق إلا من خلال الإنسان الحر، ذلك أن الذليل المُهان - كما يقول بحق عميد الأدب العربي طه حسين - لا يستطيع أن يُنتج إلاّ ذُلاً وهواناً ، ولن يحقق حريةً واستقلالاً .
في ضوء ما تقدم ، فإنَّ حديثي عن الأرض وأيام الأرض هو حديث عن الوفاء والانتماء لها والوفاء لعشرات الآلاف من الأسرى والجرحى والشهداء الذين ضحوا من أجلها طوال المائة عام الماضية ، على مختلف انتماءاتهم، ومعتقداتهم ، وقناعاتهم ، وميولهم السياسية التي وإن اختلفت في اللون والمعتقد السياسي أو الديني ، إلا أنها أجمعت واجتمعت على بوصله واحدة عنوانها فلسطين، وأن الدين لله والوطن والأرض للجميع .
وسؤالنا اليوم : هل كان يوم الأرض الفصل الأخير في قصة الصراع على أرضنا الفلسطينية ، أم أن عدوانية الدولة الصهيونية وغطرستها امتدت بمزيد من العنصرية ومصادرة الاراضي في الضفة المحتلة عام 1967 واستمرار حصار قطاع غزة ؟ الجواب البديهي بالطبع نعم . لقد تزايدت واستشرست عدوانية الصهاينة ليس في ظل مساندة الإمبريالية الأمريكية لهم فحسب ، بل ايضاً في ظل خضوع وارتهان وتطبيع معظم النظام العربي واعترافه بالكيان الصهيوني ، الأمر الذي يدفعني الى طرح السؤال التقليدي مجدداً على رفاقي في كل ارجاء الوطن العربي : ما العمل ؟ ما هي العملية النقيض لذلك كله ؟
إن اجتهادي في الإجابة عن هذا السؤال مرهونة بصحوة حقيقية نشطة ، سياسياً وفكرياً وتنظيمياً ، من قبل أحزاب وحركات اليسار في بلادنا في كل ارجاء المشرق والمغرب، على الرغم من ادراكنا للطبيعة المركبة والمعقدة لأزمة هذه الأحزاب، ومرهونة أيضاً بتبلور ولادة احزاب وحركات يسارية ماركسية ثورية قادرة على التقاط هذه اللحظة، ومن ثم الالتزام بعملية النضال الحقيقي السياسي الديمقراطي والجماهيري من منظور طبقي، من أجل تحقيق الأهداف التي تتطلع اليها جماهيرنا الشعبية، وخاصة إسقاط رؤوس وأنظمة التبعية والاستبداد والتخلف والاستغلال، وتأسيس النظام الاشتراكي الديمقراطي الجديد ، وذلك ايماناً ووفاءً للمبادئ القومية التقدمية الثورية التي أطلقها المفكر الثوري الراحل جورج حبش عبر تأكيده على أن الطريق الى تحرير فلسطين او تحرير أي بقعة أرض عربية من الامريكان او الصهاينة ، مشروط بتحرير العواصم العربية من حكامها العملاء عبر ممارسة ومراكمة كافة اشكال النضال الهادف الى اسقاط أنظمة التبعية والعمالة والاستغلال والتطبيع، من خلال أحزاب وحركات ثوريه ماركسية قومية ملتزمة بتطبيق اهداف الثورة الوطنية الديمقراطية، وذلك انطلاقا من ان هذه الثورة هي استمرار لثورة التحرر الوطني من جهة وهي ايضاً استمرار لسيرورة الثورة الاشتراكية من جهة ثانية ، انطلاقا من العلاقة الجدلية بين الثورة الوطنية الديمقراطية والثورة الاشتراكية ، باعتبار أن الثورة الوطنية الديمقراطية هي في نفس الوقت ثورة وطنية وطبقية مناضلة ضد كل أشكال التبعية والتخلف والاستغلال والاستبداد، وضد الوجود الامبريالي الصهيوني في بلادنا ، وهي أيضا ثورة مناضلة ضد كافة قوى اليمين بكل اطيافه والوانه ومضامينه، فهي ثورة تستهدف تحقيق الاستقلال الوطني والسيادة الكاملة على الارض والموارد والتوزيع العادل للثروة والدخل، وهي أيضاً ثورة ضد كل قوى التخلف السياسي والمجتمعي ، وضد القوى البورجوازية وكل مظاهر الاستبداد والافقار والاستغلال الرأسمالي، وبالتالي فان قيادة الثورة يجب ان تتولاها الطبقات الشعبية الفقيرة من العمال والفلاحين الفقراء بقيادة أحزاب يسارية ماركسية ثورية .

انشر المقال على: