عنصرية الاحتلال بالقدس تطال اصحاب المخابز العربية "لا تشترِ منه إنه عربي!"
القدس/ "إنه محل عربي أخرج فورا ولا تدخله مرة أخرى" صرخت معلمة "إسرائيلية" بطالبها الذي حاول دخول مخبر أبو سنينة في البلدة القديمة في القدس، لتبث سمها العنصري بأجوائه الملتهبة بحرارة فرنه التاريخي، "اعتدنا على صراخهم وشتائمهم العنصرية التي باتت من روتيننا اليومي المرافق لعملنا" قال أبو زياد أبو سنينة (64) عاما لـ"هُنا القدس".
ففي حارة الشرف وما تسمى أيضا بالمناضلين ما زال مخبز أبو سنينة ذو الأعوام الـ(800) ينعش محال البلدة القديمة كافة بخبزه وكعكه المشبع بنار فرنه المملوكي، ليبقى المحل العربي الوحيد في الحارة الذي نال من حجارتها ومنازلها ومحالها وأزقتها الطوفان الاستيطاني عام (67) بعد أن أخلاها من سكانها وهدم أجزاءً منها مستبدلها بمبان أخرى أشهرها ما يسمى بـ"كنيس الخراب"، لا تخدع هندستها الحديثة التي تمت بعراقة البلدة القديمة عين الزائر الواعية لحجم الاستيطان فيها.
نتمنى رؤية زائر عربي
يكتفي السائل عن خبز أبو السنينة المخبوز على نار الحطب، بالتوجه إلى محال البلدة القديمة باحثا عنه، عائلة أبو سنينة تتمنى أن يزور مخبزها مقدسي يطلب ما يصنعونه من خبز أبيض وأسود وبرازق وكعك بسمسم، فزيارته تكلف صاحبها اعتداء وإهانة وربما طردا فوريا من حي الشرف، "المستوطنون بالحي يتجمعون عندما يرون مقدسيا ليضربوه ويرشوه بالغاز، والمرأة يسحب حجابها، وإن مر عن شرطي يستوقفه ويدقق بهويته"، أوضح أبو زياد.
ولا يتوانى المستوطنون عن دلق ما يحمله المواطن بدفعه عمدا، فيضيف أبو زياد،" كان المواطنون يحضرون بعض المأكولات كالقدرة والصواني لطبخها لدينا ما كان يدر علينا دخلا إضافيا" مبينا أن المستوطنين يمنعون المواطنين من معاودة القدوم للمخبز، "نسعد كثيرا لرؤية وجها عربيا في مخبزنا، ونتمنى أن يعاود أهالي البلدة القديمة فرض وجودهم في الحي كأصحاب حق".
فرض شهادة على المخبز
مع مرور الوقت وتدهور المردود المادي، اضطرت عائلة أبو سنينة لتعليق شهادة "إسرائيلية" على باب المخبز تؤكد على أن الخبز مسموح للمتدينين تناوله، فالطحين ينخل بالطريقة اليهودية، ومن يشعل النار يهوديا متدينا، "مجرد أن يرونا عرب وعلى الرغم من الشهادة المعلقة يخرجون من المخبز ولا يشترون منا" قال محي الدين أبو سنينة (42) عاما والذي يعمل بالفرن منذ (28) عاما ليعيل أبناءه السبعة.
ويشهد باب مخبز أبو سنينة والذي كتب عليه "الموت للعرب" لما تعانيه أبو سنينة من اعتداءات، "نحن مضطهدون ولا يوجد من ينصفنا، ترتكب اعتداءات بحقنا على مرأى كاميرات المراقبة وكأنه أمر عادي، ولكن لو نحن اعتدينا نلاحق ونسجن"، أضاف أبو زياد الذي سجن وابن أخيه لدفاعهم عن مخبزهم .
وعلى الرغم من ذلك، أبو سنينة تحاول التماشي والتكييف مع ما يفرض عليها من قيود لتحافظ على صمودها، فبعدما كان المخبز يشرع أبوابه على مدار أيام السنة أجبر على الإغلاق خلال الأعياد اليهودية والتي يشهد خلالها المخبز تجمهرات حول بابه ومنع الشراء منه بترديد عبارة "لا تشترِ منه إنه عربي"، "ما لم يأت معنا جئنا نحن معه، عسى أن نحسن من وضع المخبز"، علق محي الدين.
أطلب ما تريد وارحل
"شك مفتوح ضع فيه الرقم الذي تريد وسنحضر لك كل وسائل الإعلام والجيش ونوهم الجميع أننا أخرجناك بالقوة" إحدى الإغراءات المادية التي عرضتها الجمعيات الاستيطانية على عبد الرحمن أبو سنينة قبل أن يتوفى تاركا في أمانة أولاده المخبز بمساحته التي لا تتعدى الـ(80) مترا والذي ورثه عن أبيه وأجداده، " هذا من ريحة أبائنا وأجدادنا، توفى أبي وهو يوصينا بالحفاظ عليه، فهو مصدر رزقنا وأولادنا مستحيل أن نتركه بسهولة" بسام أبو سنينة (50) عاما أب لخمسة أبناء.
وبعد أن فشلت كافة الإغراءات من النيل من أبو سنينة، بدأت أذرع الاحتلال بفرض ممنوعاتها التعجيزية التي أثقلت الحمل وضاعفته، يروي عماد أبو سنينة (51) عاما الذي يعتاش وأبناؤه الستة من مخبزهم،" تمنعنا سلطات الاحتلال من إدخال بضائعنا من الطحين وغيره من المستلزمات بواسطة السيارة على الرغم من أن المستوطن الذي يفصل بيننا وبينه هذا الحائط، يدخل حاجياته بسيارته إلى باب المحل"، مبينا أنهم ينقلون مستلزماتهم بواسطة سيارة إلى باب البلدة القديمة ثم يستأجرون عتالا ينقلهم إلى المخبز " نقل البائع المستوطن بالحي لحاجياته تكلفه (400) شيقل وربما أقل، أما نحن فتكلفنا ألف شيقل وتتجاوزه أحيانا" قال عماد.
من جهة أخرى، تفرض سلطات الاحتلال ضرائب باهظة على العائلة كالأرنونا وضريبة القيمة الإضافية المعروفة بضريبة الـ(17%)، وضريبة الدخل، إضافة لفواتير الكهرباء والماء والهاتف، "نتدين لنسدد الضرائب أولا بأول مانعين تراكمها، حتى لا يكون للاحتلال ذريعة لمصادرة المخبز وطردنا بالقوة" قال أبو زياد.
لا نتركه أبدا
" نحارب بكل سبل الصمود للحفاظ على مخبزنا، وسنبقى كذلك حتى آخر رمق بحياتنا" قال محي الدين، مؤكدا على أنه لا يوجد من يثني عزيمتهم، من جهته أضاف عماد،" سنبقى موجودين للأزل، وأولادنا وأحفادنا متمسكون أكثر منا بحقنا، فهم واعون للأسباب الحقيقية والجذرية لوجودهم هنا ولمهمتهم".
وعلق بسام،" أولادي أصبحوا رجالا من وراء هذا المخبز الذي سيبقى لبعد ولد ولدهم"، مضيفا، "سنبقى الأسياد هنا، نعمل بكرامتنا وبعرق جبينا ونحافظ على الأمانة التي ورثناها"، أما أبو زياد فقال،"عندما ندخله نشم رائحة أبينا وأخينا، إنه أصبح يجري في دمنا، ولن نتركه ولو على جثثنا"، مضيفا،" كل ما فينا موجود هنا، مزروع هنا، المخبز هو قلبنا وإن تركناه متنا".
من يتجرأ الآن ويسأل عائلة أبو سنينة "إلى متى؟" أمام جبروت صمودها الذي ستورثه ومخبزها لأبنائها؟! فبمجرد رؤيتك لمحمد الذي لم يكمل العشرين بعد، يتقافز بين زاويا المخبز لإتمام عمله ونقل الخبز وبيع المارة متلقيا إهاناتهم ومتحملا معاملتهم نافرا مرة وهادئا مرة أخرى، ستتأكد أن مخبز أبو سنينة سيبقى مقدسيا على مر الأجيال.