عصام عبد الهادي: «وين رايحين إذا مش موحَّدين؟»
فيحاء عبد الهادي
2019-08-18
هو الحضور الطاغي في الذكرى السنوية للرحيل،
حضور تستدعيه الأحداث الخاصة والعامة؛ الفرحة منها والحزينة، في محاولة للتماسك والصمود أمام الواقع السياسي الذي يزداد تعقيداً، وفي محاولة للإجابة عن بعض الأسئلة الشائكة على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد العام.
نقَشتِ صورتك أم فيصل ليس فقط في ذاكرتي وذاكرة عائلتك؛ بل في ذاكرة العديد من نساء وشباب فلسطين، والعرب، وأصدقاء الشعب الفلسطيني عبر العالم.
كيف يكون الإنسان معجوناً بالأمل؟ وكيف يكون واثق الخطى رغم الواقع البائس؟ وكيف يلملم جراحه وينهض ليرى عوامل القوة والاستمرار، وكيف يرى النهار في عتمة الليل؟ وكيف يثق بالحق والعدل، وبحق شعبه وشعوب العالم بالحرية الفردية والحرية الجماعية، وكيف يرى القواسم المشتركة قبل أن يرى عناصر الخلاف، هذا ما تعلّمناه منك، وأكثر.
*****
"دايماً بتشوف الإشي الحلو في البني آدم، صوتها هادي ومريح إلى أبعد الحدود دائماً، إقلال جداً إللي زيها، كريمة جداً ومعطاءة، وأجمل إشي: فلسطين قدّامها ولا شيء آخر، شخصيتها نادرة، بتِلقيها كتير جادة، دايماً بتشتغل، لكن في أي فرصة بنقعد مع بعض لازم تغني، تقول شعر، وتفرض علينا كلنا نغني، بيتها مفتوح للصغير والكبير، كانت الدينمو إللي تحرّكنا، وهي ترَكِّضنا، ومهما عملنا ما كنّاش بنحصِّلها، ست رائعة، الإشي الحلو، كان إلها رأيها السياسي، ولكن أبداً في طوال السنين الطويلة إللي عاشرتها فيهم أكثر من أربعين سنة، بتحسي إنها بتحطّ رأيها قبل آراء الآخرين، كانت مستقلة إلى أبعد الحدود، لها آراؤها السياسية، ولكن في دورها (كنقابية) كانت تعلم أنه يجب أن تكون مستقلة، فكانت تؤدي الدور المستقل الحقيقي، مش المستقل مليش دعوة، كان إلها الدور بإنها تجمع الآراء، توصل بالنهاية إلى قرار راضي عنه الجميع، حتى لو كل واحد في عنده تحفظ معين. مثال يُحتدى بِه للحق.
أهم بصمة من وجهة نظري، إنها خلقت صف ثاني، ودايماً بدها تخلق دور ثاني وثالث ورابع، وللأسف ده مش موجود مع ناس كتير قوي، في القيادة. وهي مسؤولة في المنظمات العالمية إللي كنا نحضرها، كانت توزِّع الأدوار على الجميع، وهي تشجِّع الشباب، يعني أذكر أنا في مرَّة رُحت معها مؤتمر المرأة في الأمم المتحدة في فيينا، وهي رئيسة الاتحاد، رئيسة الوفد، تدفعني دفع: إحكي، إعملي مداخلة، إللي جاي معها جاي يتعلم، وجاي يناضل، وجاي يشتغل كتير كتير. الصغير والكبير بِحِسّ إنها صاحبته، دايماً بتسيب تأثير على الجميع. ما بتشوفش الخلافات، خلافات نخسر بعض عليها، بالعكس هاي خلافات صحية، ويجب أن تكون، بس الذكاء إنه كيف ندير هذا الخلاف؟ وكيف نوصل لحلّ؟
كانت مثال يحتذى به، عم تعطيكِ درس طويل في الوطنية، وهي كإنها بتاخد رأيك فيه. أهم دور كانت تلعبه إنها كانت الأم للجميع وتساعد الجميع، وهي على الراس كله.
في حياتي العملية، أنا ما قابلتِش زيّها! ست نادرة، الست إللي متمكِّنة، وعندها ثقة شديدة جداً بنفسها.
وبنفس الوقت هي تدير بسلاسة، وهدوء شديد جداً دون أن تقول: أنا، كان إلها الدور بإنها تجمع الآراء، تجمع الناس، توصل بالنهاية إلى قرار راضي عنه الجميع، حتى لو كل واحد في عنده تحفظ معين. فقدنا شخصية عظيمة". ميسون شعث/ القاهرة
*****
"ست "عصام"، بلغة أهل نابلس، حاضرة في الذاكرة، هي الأرشيف، والوفية للأرشيف، وتحديداً مراحل النهوض بالعمل الوطني، والنهوض للحركة النسائية الفلسطينية، كانت دائماً العنوان، باعتبارها رئيسة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، ومن مؤسِسات المؤسَّسات الفلسطينية بدايةً، قبل ما يكون منظمة التحرير، هي جزء من هالتاريخ، وبمراحل مهمة كانت من صُنّاعه.
سيرتها، سيرة المرأة الفلسطينية، من بداية الصراع، بمراحل الصراع المختلفة، وخاضت وقادت نضالات واسعة.
بعد احتلال 67 اعتقلت، وأُبعدت، (1969) فهي هذا الأرشيف إللي حفظته، وحفظت فيه تاريخ المناضلات، من "فاطمة غزال"، "رجاء أبو عماشة"، "شادية أبو غزالة"، "لينا النابلسي"، "فاطمة البرناوي"، جميع مناضلاتنا إللي كانوا دوماً حاضرين، بشكل فريد لديها.
تجربة العمل معها، كاحتكاك مباشر بـ 70، بالأردن، ولبنان. بِـ 70 عرفتها كأم وكمناضلة، وفي بيتها، كنت أروح عندهم، بَذكُر طبخت فاصوليا خضرا، تعلّمتها، ولهلأ ما بتزكّر إني أكلت فاصوليا زاكية مثلها، بالنسبة إلي مش طعم الفاصوليا، بقدر ما هي امرأة مناضلة ومشغولة، وبنفس الوقت ربة بيت، رسخت بذهني، والطريقة إللي كانت تحكي فيها مع بناتها، كانت قائدة، ربة بيت، وأُم.
بالعمل المباشر معها بلبنان، من موقعي كعضو هيئة إدارية في الاتحاد العام، وبالمجلس الإداري، وهي من موقعها كرئيسة للاتحاد؛ إتعرّفت على الشخصية الموحِّدة، الجامعة: "إزا ما كنا موحَّدين، وين رايحين؟" إللي عندها قدرة على وضع مخارج للأزمات، ويلّلي كانت بلا منازع، موقع إجماع.
لربما من الحالات إللي ما إبتتكرَّر. بالموقف السياسي، وأمام أي قضية تباينات أو خلافات، سواء بالسياسي، أو بقضايا تنظيمية، كان دايماً المعالجة عندها.
أنا "ماجدة المصري" وبَعتَزّ إني أقول: بَفخَر إنه تكون "عصام عبد الهادي" رمزي وتُمثِّلني، رمز إلنا كنساء فلسطينيات، وجهنا الناصع، وجهنا الجامع، بَفتخِر فيها كممثلة إلي بالمنبر الدولي، بالمنبر العربي، من المنبر الفلسطيني. ما بنبالغ.
المحطة التانية في الأردن، بعد 82، كانت موقع إجماع، للنساء الفلسطينيات والأردنيات، بقضايا المرأة الفلسطينية، بدون تدخل في القضايا الأردنية. بَذكُر الانتفاضة الأولى، وبمحطات متعددة، نجتمع بِبيتها تخرج منه بيانات، وقرارات، باسم "الهيئات النسائية في الأردن"، وكان مَحَجّ بيتها لكل الهيئات إللي بتخرج من الداخل، وتجمعنا معهم، هادي كانت مهمة جداً، ما تكرَّرت للأسف! كان عندها مواقف واضحة. بموضوع أوسلو كان واضح إنه هي ضد اتفاقية أوسلو.
أقول الآن: نستلهم ونواصل أكيد، تاريخنا طويل ونضالنا طويل، إبنستلهم، ونواصل بجهود الجميع، أنا هون بَعطيها خصوصيتها إللي بتستحقّها، لكن ما بَنتِقِص من دور حركة نسائية ولا كوادر، ولا داخل ولا خارج، ولا شتات، نكمِّل بعضنا باعتبارنا جزءا من الحركة الوطنية".
ماجدة المصري / نابلس