صـرخـة نـسـاء مـصــر: لن نعود إلى الوراء/ صوت المرأة ثورة
بقلم: د. فيحاء قاسم عبد الهادي
هي صرخة مدوية أطلقتها نساء مصر:
لن نعود إلى الوراء.
ليس صحيحاً أن أي إنجاز حققته النساء، على الصعيد السياسي، أو الاجتماعي، قبل ثورة 25 يناير، كان منحة من رئيس أو زوجة رئيس. ما حقَّقته النساء حتى الآن؛ هو نتيجة نضال النساء المصريات،
منذ دعوة "ملك حفني ناصف"/ باحثة البادية، إلى تحرير المرأة، والمساواة بينها وبين الرجل، حين تقدمت إلى البرلمان المصري، عام 1910، بقائمة من المطالب، لتحسين وضع المرأة، ومنذ قادت "هدى شعراوي"، أول تظاهرة نسائية ضد الاحتلال الإنجليزي، عام 1919، التي ترافقت مع ثورتها على النقاب، ومنذ ارتفع صوت "منيرة ثابت"، كأول صوت نسائي، ينتقد دستور عام 1923، ويطالب بحق المرأة في ممارسة الواجبات والحقوق السياسية، ومنذ قادت "درية شفيق"، تظاهرة نسوية، برفقة 1500 امرأة، مقتحمة مقر مجلس النواب المصري، عام 1951، هادفة إلى لفت النظر لمطالب المرأة المصرية، ثم إضرابها عن الطعام، لمدة 17 يوماً، عام 1954، بعد تشكيل اللجنة التأسيسية، لوضع دستور جديد للبلاد، احتجاجاً على عدم وجود امرأة واحدة، ضمن اللجنة، إلى "عزيزة حسين"، التي شاركت، كأول امرأة عربية، في صياغة اتفاقية سيداو، التي تستهدف القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، عام 1979، حتى "شاهندة مقلد"، التي قادت ثورة فلاحية مصرية، في وجه الإقطاع، عام 1966، مع رفيق دربها الشهيد "صلاح حسين"، وقادت تظاهرة نسوية، إلى ميدان التحرير، ضمن مليونية ردّ الشرف، في 23 كانون الأول، 2011. كما قادت تظاهرة سلمية، توجَّهت إلى الاتحادية، في محاولة لحقن الدماء، ولمنع نشوب حرب أهلية، في 6 كانون الأول 2012.
وما زالت "عزيزة حسين"، و"شاهندة مقلد"، تناضلان، مع ملايين النساء المصريات، ومن جميع الأعمار، والفئات الاجتماعية، من أجل مجتمع ديمقراطي حر، يحقِّق العدالة الاجتماعية.
*****
هل يمكن مناقشة موضوع التحول الديمقراطي في مصر، في اللحظة التي تغتال فيها الديمقراطية، ويتصدَّر الصوت الواحد المشهد السياسي؟!
جاء انعقاد منتدى "المرأة والتحول الديمقراطي في مصر"، - الذي نظمه مركز دراسات الديمقراطية والسلام الاجتماعي بمكتبة الإسكندرية، بالتعاون مع الاتحاد النوعي لنساء مصر، ومع الشبكة النسوية: نساء من أجل السلام عبر العالم، يومي 23، 24 تشرين الثاني – في خضم مرحلة شائكة وفارقة، تعيشها النساء المصريات، والشعب المصري بأكمله.
جاء بعد يومين اثنين من طرح الإعلان الدستوري، الذي استفزَّ شرائح واسعة من الشعب المصري، وفي القلب منه النساء؛ مما طرح تساؤلاً، حول جدية مسألة التحول الديمقراطي في مصر، بعد ثورة 25 يناير.
*****
ركَّز المنتدى على ثلاث قضايا رئيسة. تمحورت القضية الأولى حول: "سعي المرأة من أجل الأمن والسلام: فيما يتعلق بالحقوق والحريات"، حيث سعت المناقشات إلى تفكيك هذه التحديات، التي تواجه المرأة، عبر تحديدها، ثم التفكير في سبل مواجهتها، والوقوف لدى التشريعات والقوانين، ومبادرات المجتمع المدني، والمعاملة التي تتلقاها المرأة في أقسام الشرطة، ثم وسائل تعزيز المسؤولية الاجتماعية، تجاه مساندة حقوق المرأة.
وتناولت القضية الثانية "المساواة بين الجنسين في الدستور والتشريعات"، حيث نوقش تأثير الدستور على حقوق المرأة، وتعزيز المساواة بين الجنسين، في الحقوق والواجبات، والتحديات التي تعيق التطبيق الفعلي للقوانين، وما الذي يحتاج إلى التغيير، في الدستور، وفي نصوص القوانين، وفي آليات التطبيق.
أما القضية الثالثة "أصوات النساء: مجالات ومنابر"، فقد تركَّزت حول وسائل التغلب على العوائق التي تواجه مشاركة المرأة في العمل العام، وآليات تعزيز التمثيل الفعلي للمرأة في صنع واتخاذ القرار على المستوى الرسمي، وصورة المرأة في الإعلام، ومدى تأثيرها على المكانة التي تستحقها كشريك أساسي في بناء المجتمع.
*****
استمع المشاركون/ات، إلى كلمات قصيرة، لنساء، عرضن تجارب محلية وعربية وعالمية؛ ساهمت في إثراء نقاش الموضوعات المطروحة. ثم نوقشت محاور المنتدى، ضمن مجموعات صغيرة، وزِّعت على 14 مائدة مستديرة، اجتمعت حول كل منها 10 مشاركين/ات، متنوعي الاتجاهات السياسية. وأدارت النقاش، نساء مصريات، انتخبن قبل بداية الجلسة الأولى. ومن الملاحظ مشاركة كبيرة وفاعلة للشابات والشباب، في النقاش.
*****
توافق المشاركون/ات في المنتدى، على أهمية الاستناد إلى الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وبالذات، ما يتعلَّق بحقوق النساء والأطفال، وعلى أهمية حماية حقوق وحريات النساء، مع مطالبة الدولة بالالتزام بتطبيق ما وقَّعت عليه من الاتفاقيات الدولية، وتبادل الخبرات واستلهام التجارب الناجحة، محلياً وعربياً ودولياً، في مجال حماية حقوق المرأة وحرياتها الفردية.
نوقش باستفاضة، دور الشرطة الفاعل في حماية حقوق المرأة، ودور الرجل كشريك للمرأة في صنع التغيير، وأهمية الكوتا، في إتاحة الفرصة للمرأة، لتمارس دوراً في صنع القرار، على المستويات السياسية كافة، وخطورة التفسيرات الدينية الخاطئة التي يستخدمها البعض، في الاستخفاف بقيمة المرأة ودورها في المجتمع، وأهمية دور الإعلام المرئي والمكتوب، في شرح قضايا النساء، وانعكست المناقشات في توصيات، بتدريب الضباط ، وتعيين ضابطات بمراكز الشرطة، وضرورة إشراك الرجال، في نقاش ما يتعلق بتحقيق المساواة في التشريعات والقوانين، لأن قضية المرأة ليست قضيتها وحدها؛ بل هي قضية المجتمع بأسره.
وضرورة اتِّباع الكوتا، التي تعتبر تمييزاً إيجابياً مؤقتاً لصالح النساء، وتضمينها في الدستور وفي تشكيل الأحزاب، وفي انتخابات المجالس المحلية وفي انتخابات البرلمان، مع ضرورة مراعاة تمثيل النساء جغرافياً، وضرورة إبراز نماذج إيجابية لإنجازات النساء، في ميادين المعرفة المختلفة.
*****
حين شدَّد المنتدى على ضرورة إعادة تشكيل اللجنة التأسيسية، بحيث يكون فيها تمثيل للنساء من الأطياف كافة؛ كان ذلك رفضاً صريحاً لانفراد أي قوة سياسية بكتابة الدستور، احتراماً للتعددية، ورغبة في تضمين الدستور مواد تضمن المساواة بين الجنسين، وتضع آليات فاعلة، لمراقبة تطبيق القوانين، والتأكد من خلو الدستور من أي تمييز ضد المرأة، في التشريعات والقوانين كافة.
*****
يا نساء مصر،
لن تعود المرأة المصرية إلى الوراء، كما لن تعود المرأة العربية إلى الوراء،
نعم، صوت المرأة ثورة، وصمت المجتمع عن إنصاف المرأة هو العورة.