صرخة المرأة التي لم تكتمل
جميل السلحوت
"صرخة امرأة" هو عنوان المجموعة القصصيّة الأولى للكاتبة الأمازيغيّة المغربيّة الشّابّة حادو أوشني، التي اختارت أن تنشر كتاباتها تحت اسم جواهر ماسين.
في الواقع أنّني توقّفت حائرا أمام هذه المجموعة القصصيّة، ففي القصص التي جاءت في بداية المجموعة كان انحياز الكاتبة لبنات جنسها واضحا جدّا، وأنا أغبطها على ذلك؛ لأنّها كتبت كامرأة تعيش في مجتمع شرقيّ ذكوريّ يضطهد المرأة، وارتأت الدّفاع عن المرأة من خلال فضح الممارسات الخاطئة ضدّها، والتي يصل بعضها إلى جريمة القتل، التي لا يرتكبها القاتل نفسه فحسب، بل يشاركه في ذلك المجتمع برمّته بثقافته الذّكوريّة الجامحة، التي تصاحبها ثقافة النّظرة الدّونيّة للأنثى. فلو نظرنا إلى القصّة الأولى في المجموعة "صرخة امرأة" التي تحدّثت عن امرأة متزوّجة من رجل سكّير ومدمن مخدّرات، فتضطر للهروب منه، لتقع بين يدي رجل داعر، جعل من بيته ماخور دعارة، فيغتصبها ويجبرها على ممارسة الرّذيلة مع زبائنه، وعندما اقتحمت الشّرطة المكان اعتقلتها كداعرة، ولم تستمع لقصّتها، وهكذا.
وهناك قصّة "صرخة امرأة" التي تتحدّث عن فتاة تتعرّض للاغتصاب من قبل شابّين، ثمّ يعايران أخاها الطالب في مدرسة داخليّة بأن شقيقته "داعرة" فيقتلها دون أن يسألها شيئا، أو يستمع لقصّتها، لكنّ أمّها لم تتكلّم عمّا جرى لابنتها -مع أنّها تعرف ذلك- إلا عندما ترافعت في المحكمة دفاعا عن ابنها القاتل، وفي محاولة منها لتبرئة شرف ابنتها. وليت الكاتبة أنهت قصّتها عند ذلك بسرعة، لكانت أبدعت في القصّ، لكنّها تدخّلت في خطاب الأمّ المباشر والطّويل فأطالت ووضعت فلسفتها الخاصّة، وكان ذلك على حساب الفنّ الابداعي للقصّ. ووقعت الكاتبة في خطأ آخر عندما حكمت على الأخ القاتل بخمسة عشر عاما، قابلة للتّخفيف، ثمّ القاء القبض على المغتصبين والحكم عليهم بخمس سنوات، وكأنّ العدالة أخذت مجراها، وكان الأجدر بها أن لا تتطرّق للقضاء، لأنّ القوانين في بلداننا تشجّع مع الأسف على القتل تحت ما يسمّى "الدّفاع عن شرف العائلة" وبالتّالي فإنّ الأحكام تكون مخفّفة على القاتل بهكذا جرائم.
وفي قصّة "أمل وألم" تتزوّج رجاء رجلا عاش مرارة اليتم من الأمّ في طفولته المبكّرة، لتكتشف أنّه لوطيّ شاذ جنسيّ، وليت الكاتبة لم تدخل في الوعظ عند نهاية القصّة، لأنّها مباشرة أيضا وعلى حساب القصّ، ولو أنّها استغنت عن الأسطر الأربعة الأخيرة التي جاء فيها:
" ردّت رجاء بعصبيّة: مهلا أتسمّي الشذوذ حالة مرضية؟ بالله عليك ألا تخجل من نفسك؟ ألم تفكر أن تصاب بالإيدز؟ ألا تخاف عقاب ربك، أوَلَمْ تقرأ أن مَفْسَدة "الشذوذ "من أعظم المفاسد؟ وأنا لا أقبل أن أعيش مع من لعنهم رسول الله ثلاثا." عندها لكانت قصّتها في غاية الرّوعة.
وفي قصّة "الزّنا الشّرعيّة" ولم أعرف لماذا استعملت الكاتبة "الشّرعيّة" وليس الشّرعيّ؟ فهل هناك مبتدأ مضمر على تقدير"عمليّة الزّنا الشّرعيّة؟" وتتحدّث هذه القصّة عن زواج فتاة في السّادسة عشرة من عمرها، من مغترب في الأربعين من عمره، ليمضي معها أسبوعا يسافر بعده، ولم يعد يسأل عنها، لتتبيّن أنّها حامل، وأنّه قد طلّقها، ولتبدأ في البحث عن نسب لوليدها، وهذه القصّة لفتت انتباهي في أكثر من جانب، فهو زواج غير متكافئ من ناحية العمر، وفيه الزّواج المبكّر للفتاة مع ما يحمله من مخاطر- وهو موجود مع الأسف في مجتمعاتنا- فهل كان احتيال من الز وج المغترب على الفتاة وأهلها؟ أم أنّ الزّواج تمّ بناء على ما هو شائع في المغرب ومعروف بزواج المسيار، كما سمعت من عدّة مصادر؟ ومهما كانت الاجابة على التّساؤلات التي طرحتها، إلا أنّنا نجد أنفسنا أمام جريمة اجتماعية، ضحيّتها هي المرأة أيضا.
لكنّ الكاتبة التي دافعت عن المرأة بحماس شديد، عادت وأحرقت طبختها الدّفاعيّة في قصّة "الطّبع غلب التّطبّع" وهي مأخوذة من مثل شعبيّ معروف، ومن حكايات شعبيّة معروفة أيضا، ولم تجد الكاتبة التي أرادت اثبات صحّة المثل من خلال من أصبح الكذب طبعا لهم إلا امرأة، وازداد حرْق طبخة القصّ أن تكون هذه المرأة أمّا تكذب على أبنائها! فعندما ذهبت للحجّ لتمحو ذنوبها لم تتخلّ عن الكذب فقالت لأبنائها فور نزولها من الطّائرة في عودتها بعد قضاء فريضة الحجّ: "لقد حصل عطب في محرّك الطّائرة، ونحن في الجوّ، فكلب منّا الرّبّان النّزول ودفع الطّائرة!"
وازداد الطّين بلّة في "قصّة: وفاة الحاجّة طامو" فهذه المرأة التي أنزلوها القبر لدفنها، تبيّن في اللحظات الأخيرة أنّها حيّة، فقال لها ابنها"حتّى وفاتك كذب يا أمّي!" فهذا النّص ليس قصّة، وإنّما هو نادرة شعبيّة معروفة، فلماذا اختارت الكاتبة الأمّ لتكون كاذبة في كلّ شيء؟ ولماذا لم تختر رجلا منحرفا سيّئا؟ ولماذا لم تجد من يقول الجملة الأخيرة إلا ابن لأمّه؟ فهل هذا هو الوفاء والبرّ للأمّ؟ وهذان مطبّان وقعت فيهما الكاتبة.
وهناك قصص أخرى تطرّقت لأكثر من موضوع، وهي مستوحاة من الواقع.
ملاحظة: هناك أخطاء مطبعيّة غير مقبولة مطلقا، فقد وردت أكثر من مرّة في عناوين القصص المطبوعة بخط أسود كبير، وردت التّاء المربوطة هاء، وهما حرفان مختلفان.
في المحصّلة: الكاتبة قادرة على القصّ، وعندها قصص رائعة شكلا ومضمونا وفنّا قصصيّا، ولو أنّها تخلّصت من المباشرة والخطابة لأبدعت، لكنّها كما يبدو كانت على عجلة من أمرها في إصدار كتابها الأوّل، فوقعت في أخطاء كان يمكنها تلافيها، ومنها اعتبار "نادرة فكاهيّة" قصّة.