صحيفة: الاحتلال يستخدم السلطة لإنجاز أعماله.. تعذيب الفلسطينيين نموذجًا قالت صحيفة الأخبار اللبنانية، اليوم الخميس، إنها حصلت على نسخة من تقرير داخلي يتحدث عن التعذيب الذي تعرّض له أعضاء في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وآخرون، في سجون السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة. وأشارت الصحيفة إلى أن قضية التعذيب في سجون السلطة تُثار على مضضٍ بين كل حينٍ وآخر، لكنّ ما فضحها هذه المرة ازدواجُ المعيار في التعامل المتزامن مع معتقلَين اثنين يحملان الجنسية الأميركية، سألت واشنطن عن أحدهما، وتركت الآخر. وبيّنت "الأخبار" أنّ الجنسيتيْن الأميركية والبنمية لم تشفعا لسهى جبارة عند السلطة الفلسطينية التي اعتقلتها من بلدتها ترمسعيا شمال رام الله، في نوفمبر الماضي، على عكس ما حدث مع عصام عقل الذي يحمل الجنسية الأميركية أيضًا وحُكم وِفق القضاء الفلسطيني بالسجن المؤبد، بعد تجريمه بتسريب عقارات في مدينة القدس المحتلة لمستوطنين. "ولم تتحرك واشنطن للضغط على رام الله من أجل الإفراج عن جبارة كما فعلت مع عقل، بل تُركت سهى نحو شهرين في الاعتقال، أمضت 27 يوماً منهما مضربةً عن الطعام، وتعرّضت أثناء هذه الفترة للتعذيب والتهديد وضغوط عدة للاعتراف بتهم جاهزة، منها التخابر مع إسرائيل" وفق الصحيفة. وأفرجت السلطة عن عقل بسريّة تامة جراء الضغوط الأميركية كما كشف الإعلام العبري، رغم أنه ثبت عليه بالأدلة القاطعة ارتكاب جرم تسريب عقارات لجهات معادية، فيما لم يفلح الحراك الذي مارسته عائلة جبارة في تحريك السفارة الأميركية لضغط مماثل على السلطة. وتعرّضت سهى لتعذيبٍ كشفت عنه، في مؤتمرٍ صحفيّ، عقب الإفراج عنها في التاسع من الشهر الجاري، راويةً فيه تفاصيل ساعات التحقيق الطويلة، رغم وضعها الصحي المتردي، إضافة إلى حرمانها النوم والشرب أو استخدام دورة المياه، ومنع محاميها من مقابلتها، عدا التهديدات لها ولأمها وأخواتها، ومنها كتابة عبارات خادشة للحياء على ورقة لتقرأها (ثم يمزقها المحقق). وذكرت أنها تعرّضت للتفتيش العاري على يد الشرطة النسائية خلال الإضراب، كما طالت التهديدات والدها وأخاها، بل وصل الأمر إلى ابتزازها بسحب حضانتها أطفالها الثلاثة، مشيرة إلى وجود عدد من المعتقلين في مكان التحقيق معها. ووفق مصادر تابعت القضية وحسب تقرير صحيفة الأخبار اللبنانية، فإن أمن السلطة أراد إدانة جبارة "ذات الميول الإسلامية بتهمة جمع وتلقّي أموال غير مشروعة لمساعدة عائلات الشهداء والأسرى، وهي تهمة سبق أن أُجري تحقيق معها بخصوصها لدى السلطات الإسرائيلية والمخابرات الفلسطينية قبل نحو سبعة أعوام، وكانت قد أنكرتها آنذاك". وأرادت لجنة التحقيق الأخيرة إلى جانب تلك التهمة انتزاع اعترافات بخصوص تخابرها مع الاحتلال، عبر الضغط عليها وتلقينها ما يجب أن تقوله. ويحسب كثيرون سهى على حركة "حماس"، مع أنها لم تعلن ذلك، وكان هذا سبباً في "التعاطف المتواضع" مع قضيتها، كما تسبّب في ضعف التجاوب مع الاعتصامات والتحركات التي دعت لها أسرتها ومحاموها، جراء الحملة الأمنية على كوادر الحركة، والتضييق عليهم في الضفة، بالتنسيق مع العدو "الإسرائيلي". ولم تستهدف الملاحقات وعمليات التعذيب لدى أجهزة السلطة من يُشتبه بصلاتهم مع حماس فحسب، بل وصل صحيفة "الأخبار" تقرير خاص عن حالتَي تعذيب لكادرين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وهو ما يؤكد وفق مصادر في الجبهة أنه لا صحة لأي ادعاءات من السلطة بشأن انفتاحها وسلوكها الإيجابي مع الشعبية، التي سبق أن اعتقل أمن السلطة أمينها العام مع أربعة من الكوادر القيادية عام 2006، على خلفية اغتيال وزير السياحة "الإسرائيلي" رحبعام زئيفي. وتتشابه التفاصيل في التقرير لكلتا الحالتين، بدايةً من طريقة الاعتقال، وهي نصب كمين واعتقال يشبه الاختطاف، ثم اقتياد المعتقليْن إلى مقرّ أمني، وبعدها إلى سجن جنيد في نابلس، والمحطة الأخيرة سجن أريحا. وعند سؤال المعتقل عن سبب اعتقاله، يجيبونه بأنه هناك "على ذمة الرئيس" من دون أي توضيح. وتشرف "لجنة التحقيق" المُشكّلة من جميع القوى الأمنية (الأمن الوقائي، المخابرات، وغيرها) على عملية التحقيق بالتناوب، ويكون لديها ملف كامل عن المعتقل خلال سجنه لدى "الإسرائيليين"، ما يعني أن الاعتقالات تجرى وفق ترتيبات بين السلطة والعدو. بكلمات أخرى: تتولّى السلطة المرحلة الأولى من التحقيقات، بدليل أن التهديدات للمعتقلين تكون بترهيبهم من إعادة اعتقالهم عند الاحتلال، إن لم يتكلموا. حسب ما جاء في الأخبار اللبنانية. وتسبّب تعذيب هذين المعتقلين في حالات إغماء. وكما حدث لجبارة على إثر تدهور وضعها، ساءت صحة أحدهما، ما استدعى إجراء قسطرة له. وبعد استفاقته اقتيد مرة أخرى للتحقيق، الأمر الذي تسبب في استمرار حالات الإغماء لديه بفعل الضرب والضغط النفسي وأساليب التعذيب التي اتُّبعت أيضًا مع رفيقه الآخر، علمًا أن الاعتقالين لم يكونا في وقت واحد. وفي النهاية، وجّهت "اللجنة الأمنية" إليهما تهمًا متعددة من بينها: "الخروج عن القانون، الدعوة لانقلاب أمني، حيازة سلاح من دون ترخيص، الانضمام إلى تيار محمد دحلان". وفق نسخة التقرير، لم تستطع الأجهزة انتزاع أي اعتراف من المعتقليْن، فأُفرج عن أحدهما بعد ثلاثة أيام، فيما بقي الآخر ما يقارب الشهرين مقيماً لساعتين في زنزانة عادية، وبقية اليوم بين الخزانة (زنزانة مساحتها نحو 1.2 متر مربع، ولا يوجد فيها حمام أو فراش)، وبين التحقيق على يد أشخاص بأساليب مختلفة، مع حرمانه حاجاته الإنسانية مثل الراحة ودخول الحمام. وقد ذُيّل ملفه وقت تحويله إلى المحكمة بعبارة: "يُجلب عند كل حملة أمنية". في الحالتين أيضًا، ذكر المعتقلان أن أساليب التحقيق المتبعة في سجون السلطة تشبه الموجودة لدى الاحتلال: تغطية الوجه بكيس قماش، وقفة الإخراج وهي وقوف المعتقل على علبة سردين وعادة ما يكون بعد الفلقة، الشبح، شباك الإفراج حيث يُرسم شباك على الجدار ويُطلب من المعتقل فتحه إن أراد المغادرة، كما يرسم سُلّمٌ ويطلب منه تسلقه، الفلقة بالضرب على الأرجل بعصا وبسلك ثم يُطلب من المعتقل الركض، الوقوف على رجل واحدة لساعات، الاحتجاز في الخزانة. ووثقت منظمة العفو الدولية ما جرى من انتهاكات مع سهى جبارة وطالبت بفتح تحقيق، في حين تبقى حوادث كثيرة مشابهة من دون توثيق، بل يُخفى ما حدث ويمنع نشره في الصحافة المحلية، أو يخاف المعتقل من الحديث مع وسائل عربية ودولية تجنبًا لإعادة الاعتقال أو التسليم للاحتلال، الذي صار يستخدم السلطة لإنجاز أعماله الملوّثة، فيما يضغط عليها للإفراج عن عملائه، أو سماسرته!، على حدّ تعبير "الأخبار اللبنانية".