صححوا اتجاه البوصلة
الان وقد صمدت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وحققت نصراً ،نصراً اعاد لها جزءا من هيبتها وكرامتها،المهدورة والمذبوحة على يد أنظمة مفلسة وطاغية وعاجزة..ولا يتسع قاموس لغتنا بكل مفرداته لوصف الإنهزامية وثقافة الإستسلام واستدخال الهزائم وثقافة التنعيج بدل التنمر والتأسد ، وفي هذا النصر يجب ان نكون اوفياء لأصدقاءنا وحلفاءنا،كما كانوا اوفياء لنا،ومن يتنكر للحليف او الصديق، فطبعاً سيكون فاقدا للبوصلة، وهو لن يلحق الضرر بسمعته وينزع عنه الثقة والمصداقية، بل سينعكس ذلك علينا كشعب، وفي هذا الإطار احيي كل الفصائل التي قالت بأن ايران وحزب الله وسوريا كانت حاضرة معنا في معركة غزة، وفي هذا الجانب بالذات اوجه تحية خاصة للقائد الوطني أبا عبد الله شلح، والذي مثل رمزاً وطنياً حقيقياً جامعاً، فهذا الحلف لم يبعنا ويشبعنا "جعجعات" أردوغانية يلعب فيها على مشاعرنا وعواطفنا ويدغدغها...ويسمعنا طحناً ولم نر طحيناً، عن أساطيل ستزحف لشواطىء غزة، وعن عقوبات سيفرضها على دولة الإحتلال...وهذا الحلف لا ينتظر كمن هم مشاركين في المؤامرة والعدوان على شعبنا أن يبيضوا صفحاتهم على حساب دماء أطفالنا ونساءنا ونصرنا من عربان ومشيخات النفط والغاز، بل يقدمون لنا الدعم عسكرياً ومادياً وسياسياً واعلامياً عن قناعة ومبدئية.
واذا كان الرئيس عباس قد قال في لقاءه مع قيادات فتح بأن السلطة او حكومة التوافق قد ترفض المال والمساعدات غير النظيفة في إعمار القطاع، فالعناوين واضحة في هذا الجانب، ويجب ان لا تشخصن الأمور في إطار اشخاص ومن يقف خلفهم من العرب.
ومن هنا فإن حركة حماس مطالبة اكثر من غيرها بأن تعيد اتجاه بوصلتها، وأن تعود الى حضن من وقفوا معها ومع شعبنا فعلا، وهي جربت الحلف الذي خدعها وباعها شعارات فارغة، وانتزعها من الموقع والمكان الذي يجب ان تكون فيه، ويكسبها ثقة الجماهير وإحترامها، ولم يقدم لها شيئاً سوى المزيد من الضغوط من اجل الإستجابة للمشاريع الأمريكية في المنطقة، ولهم في حركة الجهاد الإسلامي مثالاً، حيث لم تضيع اتجاه البوصلة، ولم تغلب تحالفاتها وعلاقاتها العربية والإقليمية على الحساب الوطني، وهذا جعلها في هذه الحرب محط ثقة وإحترام كل الوان طيف شعبنا السياسي والمجتمعي.
وحماس تدرك قبل غيرها، الموقف المصري المتشدد والذي طبعاً نخطئه، واظهر الدبلوماسية المصرية بالقاصرة،كمن تطلق النار على رجليها،لأنه إختزل الشعب الفلسطيني ومقاومته في خلافه مع حماس، فالنظام المصري إتخذ مثل هذا الموقف لتوجسه وشكوكه الكبيرة بسلوك وموقف حماس والتي وقفت الى جانب النظام السابق وتدخلت في الشان الداخلي المصري، وليست حركة حماس وحدها من غلبت الأيديولوجي على الوطني،فهذا الوضع انسحب علينا كفلسطينيين، وكادت الأمور أن تنفجر في المسجد الأقصى في رمضان من العام الماضي، حيث عملت جماعة من الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني- 48 - على إقحام الأقصى وشعبنا في الخلاف المصري، من خلال رفع صور الرئيس المصري المعزول مرسي وشعارات رابعة في المسجد الأقصى، مما ادى الى حالة كبيرة من الإحتقان بين تلك الجماعة، وبين أغلب المصلين، والذين رأوا في ذلك سلوكاً غير مقبول وتوتيرا، ومن شأنه إقحام المسجد الأقصى في خلافات من شأنها أن تزعزع وحدتنا ونسيجنا المجتمعي، وإدخالنا في خلاقات وصراعات لا يستفيد منها سوى من يتربصون بشعبنا من الصهاينة المحتلين، ولولا تدخل العقلاء وإحتواء الأمور لتطورت الأمور الى ما لا يحمد عقباه.
واليوم وبعد نصر غزة، هناك من كانت جماهير القدس تعزه وتحترمه وتثق به، وتعتبره شيخاً للأقصى، يخطو خطوات واسعة نحو الفئوية والعصبوية والإقصائية، بدأها بالشتم والتحريض على النظام السوري، ووصفه بالمجرم وقاتل الأطفال وغير الديمقراطي، وليستكمل ذلك في أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ورداً على كلمة لسماحة الشيخ حسن نصر الله، الذي نصر شعبنا ووقف الى جانبه فعلاً وليس قولاً كأردغان ملهم ومثال هذا الشيخ الذي رصيده، ليس اكثر من "جعجعة" وشعارات فارغة، ليقول بأن من يشتم السيدة عائشة أم المؤمنين، لا ننتظر منه ان يحرر القدس، في تحريض مذهبي نحن في غنى عنه، ويفتقر الى الدقة والمصداقية، فكل القوى المقاتلة والمقاومة في قطاع غزة، بما فيها حماس أشادت بدور حزب الله ومواقفه من العدوان على شعبنا،على الرغم من ملاحظاتنا على موقف حماس،حيث لم تنقل وسائل إعلامها خطاب سماحة الشيخ حسن نصرالله في خطوة لها اكثر من معنى.
وكذلك سماحة الشيخ حسن نصر الله من اكثر الناس إحتراماً وإعتزازا بأم المؤمنين والأنبياء والخلفاء الراشدين وكل الرموز الدينية.
وهذا الوقت الأكثر ملائمة لكي تجري وتعيد حماس حساباتها، وأن تبتعد عن تغليب الأيدولوجيا والعلاقة مع تنظيم الإخوان المسلمين والمحاور على قضيتنا الوطنية وقضايانا العربية. وليس هنا فقط مطلوب المراجعة، بل المراجعة يجب ان تطال التخلص من الفئويه والإقصائية وعدم الإعتراف بالاخر والقدرة على التحالف والتعايش معه، والإدعاء بإمتلاك الحقيقة المطلقة، وإستخدام شعارات وبيانات وعبارات التخوين والتكفير والتفريط في وجه كل من يعارض نهجهم وخطهم السياسي.
نعم حماس قوة في المجتمع الفلسطيني، ولها دورها في المقاومة والنضال، ولكن عليها أن تقرأ وتحلل الوضع جيداً، فمصلحة شعبنا فوق المصالح الأخرى، والإرتباطات التنظيمية والحزبية مع جماعة الإخوان المسلمين، فالنظام المصري السابق، سقط عندما أراد ان يقصي أغلب مكونات المجتمع المصري عن المشاركة في القرار والسلطة، وان يفصل لمصر دستوراً على مقاس حركة الإخوان، ويأخون السلطة والمجتمع.
ونحن لا نريد ولا نتمنى لحماس ذلك،بل نريدها جزءا فاعلا وقويا من مجتمعنا، يؤمن بالتعددية السياسية والفكرية، وليس بإقصاء الاخرين.