شيرين أبو عاقلة: الكاميرا المبصرة والكلمة الحرة
فيحاء عبد الهادي
2022-05-17
بخفة ريشة وقوة صخرة عاشت ومضت،
عاشت منتصبة القامة، مرفوعة الهامة، ونعشها على كفّها.
جابت فلسطين مدينة مدينة وقرية قرية ومخيماً مخيماً تكشف وتضيء وتوثِّق،
تكشف الوجه الاستعماري الاستيطاني العنصري للاحتلال الإسرائيلي، وسلاحها الكاميرا المبصرة والكلمة الحرّة،
وتضيء على أقمار الوطن؛ نسائه ورجاله،
وتوثّق جرائم الاحتلال وعدوانه وانتهاكاته للقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني.
احتضنت الوطن فاحتضنها،
واحتضنتها قلوبنا.
*****
«شيرين نصري أبو عاقلة»،
ابنة بيت لحم، والقدس، كما هي ابنة جنين، ورام الله، ونابلس، وغزة، وكل مدينة وقرية ومخيم فلسطيني.
بين دراسة الهندسة ودراسة الصحافة؛ اختارت وتخصّصت في الحقل المعرفي القريب من نبض الناس وهمومهم، والأقرب إلى قلبها؛ حقل الصحافة.
عادت إلى القدس، بعد أن نالت شهادتها العلمية في الصحافة المكتوبة، من جامعة اليرموك في الأردن، العام 1991، وحصلت على دبلوم في الإعلام الرقمي العام 2021.
عملت منذ تخرجها مع وكالة الأونروا، وإذاعة صوت فلسطين، وقناة عمان الفضائية، ومؤسسة مفتاح، وإذاعة مونت كارلو، إلى أن التحقت بقناة الجزيرة الفضائية، العام 1997، حيث بقيت تعمل معها حتى اغتيالها، واستشهادها، يوم 11 أيار 2022، على يد قناص مجرم، من جيش الاحتلال الإسرائيلي.
*****
يذكّر قتل الصحافية الفلسطينية المبدعة «شيرين أبو عاقلة» بقتل الصحافيين والإعلاميين، على امتداد التاريخ الفلسطيني،
نذكر ولا ننسى كيف دبّر جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) اغتيال الصحافي، والروائي، والقصصي، «غسان كنفاني» مع ابنة شقيقته «لميس نجم»، في بيروت، في 8 تموز 1972،
واغتيال الصحافي والشاعر «كمال ناصر»، مع المناضليْن «كمال عدوان»، و»أبو يوسف النجار»، في فردان/بيروت، في 10 نيسان 1973،
واغتيال الصحافي والقصصي والإعلامي «ماجد أبو شرار»، في روما، في 9 تشرين الأول، 1981.
*****
لم تتوقف دولة الاحتلال الإسرائيلي عن استهداف الصحافيين/ات يوماً، ومنذ العام 2000 قتلت خمساً وخمسين صحافياً، واعتقلت العشرات، وهاجمت ودمّرت العديد من المكاتب الصحافية الفلسطينية والعالمية.
هل نذكّر بمقتل الصحافي «زكريا أحمد» نتيجة القصف الإسرائيلي على جنوب غزة العام 2006؟ أم بمقتل الصحافي/ المصوّر، لصالح قناة رويترز الإخبارية العالمية «فضل شناعة» العام 2008، بوساطة قصف مدرّعة إسرائيلية على منطقة جحر الديك/ غزة؟ أم بمقتل الصحافي الإيطالي «سيمون كاميلي»، ومعه المترجم «علي شهده أبو عفش»، في غزة، العام 2014، بوساطة صاروخ إسرائيلي؟ أم بمقتل الصحافييْن «أحمد أبو حسين»، و»ياسر مرتجى»، أثناء العدوان على غزة، العام 2018؟ وغيرهم وغيرهم؟
*****
حين اغتال القناص الإسرائيلي نجمة الإعلام الفلسطيني «شيرين أبو عاقلة» كان يهدف إلى إسكات صوتها، وحجب الحقيقة، وإرهاب الصحافيين والإعلاميين والكتاب/ نساء ورجالاً،
فهل سكن صوتها وإن سكن الجسد؟
روت شيرين حكاية شعبها بدمها هذه المرّة، روت عن اقتحام مخيم جنين مرَّة تلو المرَّة، وعن تصدّيه البطولي للعدوان، وعن صمود ومقاومة أهالي الشيخ جراح، وسلوان، وبيتا،
روت عن عذابات أمهات وزوجات الشهداء، عن الجرحى، على امتداد فلسطين،
روت حكايات التهجير الفلسطيني؛ عذاباته وآثاره النفسية والاجتماعية والاقتصادية،
روت عن صمود ومقاومة الشعب الباسل في كل بقعة من أرض الوطن، على امتداد ربع قرن،
وحين أصابتها رصاصة القناص؛ انفجر الغضب الفلسطيني كالبركان،
يا لَلعالم من هذا البركان،
يا لَلعالم من حارسة بقاء الوطن وشعلة ناره،
أوّاه شيرين أبو عاقلة.
*****
ونحن نودّعك شيرين؛ أطلّت بعض وجوه الشهيدات اللواتي احتضنهن تراب الوطن منذ أوائل القرن الماضي؛ «فاطمة غزال»، العام 1936، و»حياة البلابسة»، و»حلوة زيدان»، العام 1948، و»رجاء أبو عماشة»، العام 1955، و»شادية أبو غزالة»، العام 1968، و»خديجة شواهنة»، و»لينا النابلسي» العام 1976، و»آيات الأخرس» العام 2002، و»راشيل كوري»، و»هبة دراغمة»، العام 2003، و»زينب أبو سالم»، العام 2004، و»رحيق شجيع البيراوي»، العام 2016، و»رزان النجار»، العام 2018، و»نايفة محمد كعابنة»، العام 2019، و»وفاء برادعي»، العام 2021.
كما أطلّت وجوه الشهيدات اللواتي ينتظرن تحرير أجسادهن من قيد الأسر في مقبرة الأرقام؛ «دلال المغربي»، و»دارين أبو عيشة»، و»هنادي عبد المالك جرادات»، و»وفاء إدريس».
لن نكفّ عن الإضاءة على مسيرتكن الكفاحية؛ شهيدات الوطن، ونجماته،
لن نكفّ عن التوثيق والكشف شيرين الغالية،
سوف نعلي صوتنا أكثر وأكثر حتى يخرق آذان العالم الأصمّ، ونعدك ونعد شعبنا أن نستمرّ في حمل الرسالة حتى نحصد الحرية والاستقلال، مهما كانت التكلفة، ومهما طال الزمن.