شطب خانة الديانة من الهوية الفلسطينية: خطوة على طريق الألف ميل
بقلم: د. فيحاء قاسم عبد الهادي
في الوقت الذي يصر فيه وزير خارجية أميركا "جون كيري"، على تضمين مقترحاته مطالبة الفلسطينيين الاعتراف بأن إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، وفي الوقت الذي يتأجج فيه الخطاب العنصري/خطاب الدولة اليهودية؛ تأتي المبادرة الفلسطينية بإلغاء خانة الديانة من الهوية الفلسطينية في مكانها تمامًا، على طريق النضال ضد أي تمييز على أساس الدين أو العرق أو الجنس.
"كل الفلسطينيين سواء أمام القانون، وهم يتمتعون بالحقوق المدنية والسياسية، ويتحملون الواجبات العامة دون ما فرق أو تمييز فيما بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة".
*****
لا يكاد يوم من أيام الأسبوع يمر؛ دون أن نسمع فيه خبراً يؤجج العنصرية الإسرائيلية، ويزرع الفتنة الطائفية؛ من مخطط لبناء مدرسة تلمودية، ومركز تهويدي استيطاني، في حي الشيخ جراح، على الخط الفاصل بين شطري المدينة الشرقي والغربي، إلى مقترح بإقامة منتدى لتجنيد المسيحيين في الجيش الإسرائيلي، والخدمة الوطنية، بالتنسيق مع زعماء الطوائف المسيحية في الأرض المقدسة، إلى المصادقة على بناء 550 وحدة استيطانية جديدة في القدس المحتلة.
أما المدرسة اليهودية، والمركز الاستيطاني، فقد أقيم طابقان منها على أرض صودرت سابقاً من قبل بلدية الاحتلال، وخصصت للاستخدام العام، وبعد أن كان مقرراً استخدامها لبناء مدرسة ومبانٍ تعليمية تخدم مصلحة السكان المقدسيين؛ قامت دائرة أراضي إسرائيل بنقل ملكية الأرض لمنظمة دينية (أور سايمح)، ودعمت بلدية القدس المخطط الاستيطاني الجديد، لبناء المدرسة اليهودية.
ومنذ أربع سنوات؛ تصدى سكان الحي للمخطط بالجرافات، وأوقفوا العمل به؛ لكنه عاد الآن إلى الحياة مجدداً، على يد المستوطن اليميني أريه كينغ؛ ليضع بؤرة تهويدية جديدة في قلب التجمعات الفلسطينية المحاذية لمسار حدود الرابع من حزيران 1967، وهي نقطة التماس الفاصلة بين القدس الشرقية والغربية.
ويأتي المقترح بإقامة "منتدى لتجنيد المسيحيين إلى الجيش الإسرائيلي" والخدمة الوطنية، في السياق العنصري نفسه، الذي يهدف إلى التمييز الطائفي، وتفتيت المواطنة الفلسطينية، في مناطق 1948، الذي بدأ بسلخ الدروز الفلسطينيين عن القومية العربية.
*****
في الوقت الذي تعلو فيه راية الطائفية، لتسود العالم العربي، وفي الوقت الذي يتناحر الإخوة فيه على أساس الهوية الدينية؛ يأتي قرار شطب خانة الديانة من بطاقة الهوية الفلسطينية، في وقته تمامًا.
*****
لا يكاد يوم من أيام الأسبوع يمر، دون أن نسمع خبراً يتعلق بتمييز على أساس طائفي، في العديد من البلاد العربية؛ من رفض عدد من الحضانات داخل مصر، قبول أطفال من منطلق اختلاف الديانة، إلى المدارس الإسلامية التي تفرض الحجاب على طالباتها، إلى التفجيرات الدامية في العراق ولبنان، على أساس طائفي.
*****
في مصر؛ رفضت بعض حضانات الأطفال قبول أطفال في الحضانة، من منطلق ديانتهم: "لا يمكن قبول ابنتك لأنها متاحة للمسيحيين فقط"، أو "الحضانة تقوم على المنهج الإسلامي، فهل يقبل المسيحيون بحضور أبنائهم إلى هنا؟".
ووصل العنف الطائفي إلى درجة أن سيدة منقبة؛ قامت بقص شعر طالبة مسيحية، في المترو، بين محطتي عزبة النخل وحلمية الزيتون.
كما تحاول بعض المدارس الإسلامية فرض الحجاب على التلميذات، من خلال الترغيب حيناً، والترهيب حيناً آخر، وصل الأمر أن تتدخل بعض المدارس بطريقة لبس أمهات التلاميذ؛ بأن تطلب منهن وضع الحجاب.
ووصل العنف أشده حين قامت معلمة بالأقصر بقص شعر طالبتين بالصفوف الابتدائية، بسبب امتناعهما عن لبس الحجاب.
وفي العراق ولبنان؛ تتصاعد التفجيرات الدامية، على أسس طائفية، وتتنوع وتتجدد أساليب القتل والدمار؛ من استخدام السيارات المفخخة، إلى القتل بالسكاكين والبلطات والفؤوس، إلى قطع الرؤوس، إلى التفجير بالأحزمة الناسفة؛ دون الالتفات إلى المئات من القتلى والجرحى والمشوهين والمعوقين.
*****
المشكلة لا تكمن في الانتماء إلى طائفة؛ بل في الطائفية؛ التي تتحول إلى برنامج سياسي، يشجع مبدأ المحاصصة، وينتصر للطائفة لا للوطن، ويقصي الطوائف الأخرى، مستخدماً منهج قمع الحريات، والتمييز، والتهديد، والملاحقة، ويصل حد الاغتيال، بأبشع الطرق، إذا استدعى الأمر.
*****
هل تكفي خطوة شطب الديانة من الهوية، لمحاربة الطائفية؟ وإذا كانت بعض الدول العربية، مثل سوريا، والعراق، ولبنان، والبحرين والإمارات العربية المتحدة؛ قد شطبت منذ زمن بعيد بند الديانة من الهويات المدنية، وكذلك دول أوروبا والأميركيتين، وإيران؛ فهل ساعد ذلك على التخفيف من الفتنة الطائفية؟
هي خطوة على طريق رحلة الألف ميل؛ للنضال ضد الطائفية.
أمامنا النضال اليومي الدؤوب، على جبهة الثقافة والتعليم؛ ضد التخلف والظلام والجهل، ومنذ الطفولة المبكرة؛ من أجل غرس قيم المواطنة والديمقراطية والمجتمع المدني.
تلك القيم التي تعتمد التنوع المعرفي والثقافي، والحوار الذي يتسلح بالعقل والمنطق، وتعلي من شأن القانون، وأمامنا النضال لإلغاء ما يكرِّس الطائفية في الحياة السياسية، مثل الكوتا الدينية في الانتخابات.
وما أحوج المجتمع الفلسطيني إلى نبذ آفة الطائفية، التي تفرِّق وتهدم؛ من أجل توحيد جهوده للخلاص من الاحتلال، وبناء دولة ديمقراطية تعددية، ترسي أسس المواطنة، وتنفتح على الثقافات المتعددة، وتوفر بيئة خصبة للإنتاج والإبداع.