روايات النساء حول هزيمة 1967: كنزة المناضل
فيحاء عبد الهادي
2022-06-14
تذكِّرنا النكبة الثانية/ هزيمة العام 1967، بالنكبة الأولى/التطهير العرقي في فلسطين، الذي بدأ مباشرة بعد قرار التقسيم، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني العام 1947، وتحديداً أوائل كانون الأول، وما زال مستمراً.
يذكِّرنا العدوان بالعدوان، والتطهير العرقي بالتطهير العرقي، والاحتلال بالاحتلال، والمقاومة بالمقاومة، والإصرار على الحق والعدل، ونيل الحرية والاستقلال، بالإصرار على الحق والعدل ونيل الحرية والاستقلال.
سقطت الأوهام أمام الشعب الفلسطيني، بعد هزيمة الجيوش العربية سريعاً أمام العدوان الإسرائيلي، الذي بدأ في الخامس من حزيران العام 1967، واستمرّ حتى العاشر من الشهر ذاته، ولم يعد هناك من طريق غير طريق الاعتماد على النفس لاسترداد الحق المسلوب.
*****
كان لهزيمة العام 1967 أثر موجع على النساء الفلسطينيات، دفعهن إلى المزيد من المشاركة السياسية، في الوطن والشتات.
في فلسطين، سارعت بعض النساء لتأمين مأوى وتوفير تموين للمهجّرين، وجمع تبرعات لمساعدة أهالي الشهداء والجرحى والأسرى، وتوجّه العديد منهن إلى العمل التنظيمي ضمن التنظيمات الفدائية السرية، للمشاركة بزخم أعلى من ذي قبل في التظاهرات السياسية، ونقل الرسائل، وكتابة المنشورات السياسية، وتوزيعها، والتدرّب سراً على استخدام السلاح، وتنفيذ عمليات عسكرية.
وفي الشتات، التحق بعض النساء بدورات عسكرية متقدمة، ودورات إسعاف ميدانية متقدمة أيضاً، ودورات الفنون القتالية، مثل الجودو والكاراتيه، ما أهّلهن لقيادة المعسكرات التدريبية، ونقل السلاح، وحراسة المواقع، والمشاركة في التخطيط والإعداد وقيادة عمليات عسكرية نوعية.
كما سعى بعض النساء لإسناد العمل الفدائي بوسائل متعددة.
*****
كان تأسيس «لجنة كنزة المقاتل» في لبنان، العام 1967، أحد الأشكال التي أسندت فيها المرأة الفلسطينية في الشتات العمل الفدائي، والتي كشف عنها البحث حول أدوار المرأة الفلسطينية منذ 1965 حتى العام 1982، والذي نفَّذه مركز المرأة الفلسطينية للأبحاث والتوثيق العام 2011.
حاكت المرأة الفلسطينية كنزات الفدائيين بحب شديد، وبإيمان قوي بدور العمل الفدائي في استرجاع الحق المغتصب، وأرفقت إنتاجها برسالة وجَّهتها إليهم. ولم يقتصر عمل اللجنة على ذلك. جمعت الأموال، ونظّمت أعمالاً فنية ومعارض لتمويل عملها، وتداولت رئاستها عضوات اللجنة غير الحزبيات.
تحدّثت المؤرِّخة والكاتبة بيان نويهض الحوت، عن ظروف تأسيس اللجنة:
«تأسست لجنة كنزة المناضل مباشرة بعد حرب 1967، كانت المسؤولة الأولى عن الفرع النسائي داخل جبهة التحرير الفلسطينية ـ طريق العودة، الروائية الراحلة سميرة عزام، التي توفيت في العام نفسه. سميرة من الناس الذين لم يتحملوا «نكسة 67» بأي شكل كان.
«شفيق الحوت» كان المسؤول الأول عن الجبهة، وفي حديث عام ـ لم يكن اجتماعاً رسمياً أبداً - راحت سميرة تتكلم بحرقة كبيرة عن نتائج «67»، وقال لها ولنا شفيق: عوضاً عن الكلام، قمن بأي عمل كان من أجل فلسطين، أي عمل تقدرن عليه.
هكذا ولدت فكرة «لجنة كنزة المناضل»، وباشرنا حالاً بتنفيذها، كانت الفكرة تنطلق من أن تقوم المرأة بحياكة كنزة للفدائي الفلسطيني، ومن لا تستطيع، تشتري كنزة صوفية، والأهم أن تكتب رسالة إلى الفدائي تحيّيه، وهي حتماً لا تعلم إلى أي فدائي ستذهب رسالتها.
تجاوبت النساء كثيراً مع الفكرة من فلسطينيات ولبنانيات، وشكلن لجنة علنية رسمية، قرَّرنا نحن الأخوات العضوات في الجبهة الابتعاد عن رئاستها، لنترك الفرصة للتعاون مع غير الجبهويات، وقد توالت على رئاسة اللجنة منذ تأسيسها: ناجيا حمود، ونورا حلواني، وقمر الدجاني، وثم ناجيا حمود.
لم يقتصر العمل على الحياكة فقط، فهناك من تبرَّع بأموال، وكنا نشتري بها ما يهم الفدائيين أيضاً، من ثياب وكتب، كذلك أقمنا المسرحيات والمعارض، والريع كان للجنة، وقد ذهبت الأخوات لتوزيع الهدايا على الفدائيين في أغوار الأردن عدة مرات».
وتأتي شهادة الفنانة تمام عارف الأكحل، لتؤكِّد على تاريخ تأسيس كنزة المناضل، ولتبيِّن أهداف اللجنة، وتفاصيل عملها:
«هي الـ 67. تأسَّست كنزة المناضل، تبرَّعوا لنا المحلات اللي في السوق، كان اقتراح، واحدة من عضوات اللجنة، وكلنا أيَّدنا الفكرة، إنه نجيب كميات من الصوف، ونلِف على المخيمات وغير المخيمات، نسأل مين بِتحِبّ تعمل، بس عشان نضبط العمل صار فيه عنا ورقة، إنه فلانة الفلانية عنوانها كذا، وطريقة الاتصال فيها كذا، انتشر الموضوع.
اخترعنا طريقة: نجيب تبرعات من الناس اللي بتبيع صوف في البلد، والورقة حضَّرناها، علشان نعطيها لـ المرَة، وبِنحُطّ لها إياها بكيس، والكيس عليه رسمة رسمها إسماعيل (إسماعيل شموط) وقتها، وسمّى لهم اياها: «كنزة المناضل». صارت الرسمة مع الكيس إلها قيمة.
حدَّدنا تاريخ إنه نصدر الكنزة بعد شهرين، اللي مش قادرة تشتغل بِدها تزبط حالها، مرضت تعبت، بدها تعطيها لحد تاني يكمِّلّها اياها، بَسّ باسمها، تطوّع. أعطينا للناس في طرابلس، في صيدا، في المخيمات، وهييييييك الناس إقبال، فوق المية وخمسين كنزة.
هلأ إجت الكنزات، صرنا منِفرِد فيهم، ونطلع هالرسائل نقرأها. فيه رسائل هزَّتنا هزّ، مثلاً من اللي طلعوا بإيديي، واحدة ما بِتشوف وشاغلة كنزة، فيها غرز كتير فلتانة، بعدين واحدة تانية مساعداها، باعته رسالة لفدائي، إنه أنا شفتك من خلال قلبي، وانشا الله بتلبسها ملبوس الهنا، وتتدفّا فيها ياخوي.
ورسالة تانية، بنت صغيرة في عمر المراهقة، شغلاها إمها، بس إمها ما بتعرف تكتب الرسالة، فهي كاتباها بلسانها، بتقول للفدائي: إمي اشتغلت الكنزة، بس أنا شفتها كتير حلوة، وشفتك من خلالها حلو، بتخيّلك وانتَ لابسها، يمكن لو كنت من بين ميت ألف واحد بَشوفَك، وبدي أركض وأسلِّم عليك.
كل رسالة لها إحساس ولها مضمون. كيف؟ أنا بتذكر كنا نسأل قدّيش عدد الفرقة هادي من الجنود الموجودين، عشان مش معقول نعطي حَد وحَد لأ. قلنا لهم إنّه يتبادلوه، والله، وراحت هالكنزات لَـ ها الناس اللي شكلهن رائع، غاروا منهم بقية الناس. أجت معركة الكرامة، هلأ صرنا نعمل للناس دفعة أخرى في أماكن أخرى. وزَّعنا الدفعة التانية من الكنزات، وانتشر الخبر».