الجمعة 07-02-2025

رسالة غزة

×

رسالة الخطأ

د. فوزي الأسمر

رسالة غزة
بقلم: د. فوزي الأسمر

عندما قرر أرئيل شارون الإنسحاب من قطاع غزة عام 2005 ،واكبت تفكيره إستراتيجية بعيدة المدى،يمكن من خلالها تدميرحلم الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وتمنح إسرائيل حجة " رسمية "بعدم قبولها الوصول إلى سلام حقيقي مع الفلسطينيين .
فرغم أنه بالإمكان إرجاع الأسباب التي أدت إلى قرار الإنسحاب من قطاع غزة ، إلى تطور المقاومة الفلسطينية في قطاع ، إلا أن هذا العمل لم يكن ليمثل قوة يمكن إستغلالها في مواجهة الصراع الإيديولوجي بهدم المستعمرات اليهودية التي أقيمت في قطاع غزة ، حيث أن إستعمار الأرض هو جزء من الفلسفة الصهيونية التي أقرها المؤتمر الصهيوني الأول . وقرار الإنسحاب من جزء من " أرض إسرائيل " التي منحها الرب لليهود ،كما تدعي الأدبيات الصهيونية يحتاج أيضا إلى موقف صلب ومقنع ، حيث كان فيه تحديا لمشاعر الكثير من اليهود الإسرائيليين.
ولكن شارون ، ومن حوله ، إعتقدوا جازمين أن تسليم غزة للفلسطينيين ، بقيادة حركة " حماس " ، سيكون بمثابة الحجة الرسمية في عدم التفاوض مع السلطة الفلسطينية ، ولا مع منظمة التحرير الفلسطينية ، كون أن حركة حماس المسيطرة على القطاع ، إنفصلت عن السلطة الفلسطينية ، ودخلت في خلافات معها،إضافة إلى أنها لا تعترف بتمثيل منظمة التحرير لكل الشعب الفلسطيني ، وبالتالي فإنه لا يمكن لإسرائيل التفاوض أو الوصول إلى حل مع الفلسطينيين طالما هناك إنقسام ، بحجة أن أي حل تتوصل إليه لا يعتبر نهائيا . ومن هنا جاء الإصطلاح الصهيوني قائل أنه "لا يوجد شريك فلسطيني للمفاوضات " .
والواقع أن وجهة النظر هذه بنيت على أساس خاطئ . فصحيح أن هناك خلافات في وجهات النظر بين الفصائل الفلسطينية ، ولكن العوامل المشتركة تلعب دورا رئيسيا في التفكير والفلسفة الفلسطينية . في مقدمة ذلك تحرير البلاد ، وإقامة الدولة القومية الفلسطينية المستقلة ، بغض النظر كيف سيكون طابع تلك الدولة ، وحق العودة للأجئين الفلسطينيين ، وحق تعويضهم عن أملاكهم ، ومعاناتهم ، وغيرها من الأمورالأساسية التي لا يختلف عليها أبناء هذا الشعب ، بغض النظر عن مواقفهم الأيديولوجية وتوجهاتهم السياسية .
فالإنتفاضة الأولى ، والإنتفاضة الثانية، والمقاومة الشعبية المستمرة في الضفة الغربية، والمقاومة المتطورة في قطاع غزة ، تصب كلها في حلقة تحقيق المطالب الفلسطينية الأساسية التي سبق وذكرناها .
ولكن هذه التحركات كلها تواجه صعوبات ليس فقط من قوات الإحتلال ، بل من الجانب العربي والعالمي على حد سواء . فموقف رئيس السلطة الفلسطينية ، محمود عباس ، بأنه لن يسمح بعمليات مقاومة وهو في الحكم ، وتعاون السلطة الأمني مع إسرائيل ، منح الأخيرة أرضية راسخة في تحركها ضدّ عناصر المقاومة . ولهذا السبب كان موقف السلطة من حرب غزة الأولى ، واستمرار عمليات الإغتيال للقياديين في غزة، موقفا سلبيا إكتفي بإصدار ببيانات وتصريحات رنانة، وتحركات شبه وهمية بالنسبة للهجومات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على القطاع ، ومنع قيام تحركات شعبية في الضفة الغربية المحتلة ضدّ الحرب الدائرة لخير دليل على موقف هذه السلطة المشجع لإسرائيل .
ولا يعقل أن نرى المظاهرات تعم شوارع العواصم العالمية ، والتي تضم أبناء الشعب العربي ، ومحبي السلام ، والعناصر المؤيدة للحق الفلسطيني ، ولكننا لا نشاهد ذلك في الضفة الغربية . وكيف نفسر قيام سفير فلسطين في العاصمة الأمريكية ، معن عريقات ، بإقامة حفل كوكتيل في الوقت الذي تجري في مظاهرة ضدّ الموقف الأمريكي والحرب الدائرة في غزة أمام مبنى وزارة الخارجية الأمريكية ؟ وهل يكفي أنه طلب من الحضور وقوف دقيقة حداد على روح الشهداء الذين قتلتهم البربرية الإسرائيلية ، بدلا من قيادة تلك المظاهرة؟
وطبعا تعتمد إسرائيل كثيرا على الموقف العربي المتخاذل. فالـ "فوارس " الذين طلبوا من الأمم المتحدة إستعمال البند السابع ضدّ سورية ، والداعي إلى أن تنفذ الأمم المتحدة قراراتها بقوة السلاح ، سقطوا عن ظهر الفرس بأمر أسيادهم بالنسبة للمذابح التي تقوم بها إسرائيل الآن في غزة . إن المواقف والجهود التي يبذلونها ،والأموال التي يصرفونها من أجل " إسقاط النظام في سورية " الذي يقلقهم ، إستغل ولو جزء بسيط منه لموضوع غزة لكان في الإمكان شدّ أزر المقاومة . ولكن يبدو أنهم غير معنيين ، فالمقاومة تشكل خطرا عليهم أكثر من إسرائيل ، وطالما أن إسرائيل تحاول لجم المقاومة فهم بخير والف عافيه .
لقد كتب تركي السديري ، رئيس تحرير جريدة " الرياض " السعودية في أكثر من مقال ، أن إسرائيل لا تشكل خطرا على دول الخليج وليس بين هذه الدول وإسرائيل أي صراع (على الرغم من أن إسرائيل محتلة لجزيرتين سعوديتين منذ حرب عام 1967 وهما : صنافير وتيران ) .
والموقف المصري يشير إلى إفلاس ،حيث برهن الرئيس أحمد مرسي أنه لا يختلف كثيرا في مواقفه عن مواقف حسني مبارك ، الذي كان يستدعي السفير المصري لدى تل ـ أبيب للتشاور عندما تشتد الأزمة مع الفلسطينيين .
والموقف الأمريكي كما عهدناه مؤيد بشكل مطلق لإسرائيل . فقد صرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن :" من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها "وأن الولايات المتحدة تقف إلى جانبها . ولكن يا سيادة الرئيس أليس من حق كل شعب أن يدافع عن نفسه ؟ لماذا لم تتخذ موقفا من قيام إسرائيل بإغتيالات مستمر في قطاع غزة ، ويطلبون من المقاومة أن لا ترد على هذه الهمجية .
لقد فشل شارون في تقديراته ، وبرهنت الأنظمة العربية أن ما سمي بالربيع العربي ليس إلا حبرا على ورق ، وتخاذل الجامعة العربية في إتخاذ مواقف تعبر عن الشعوب العربية وليس الأنظمة الفاسدة بأكثريتها ، وستفشل الإستراتيجية الغربية أمام حق الشعب الذي يقدم الضحايا بشكل مستمر .

انشر المقال على: