..ذكرى احتلال فلسطين 15/ ايارـ ماي/
1948...................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلسطين والاستعمار الصهيوني
ـ ماهي الصهيونية ؟ ـ لماذا تمّ اختيار فلسطين لإنشاء المشروع الصهيوني ؟ ـ ولماذا تم اختيار اليهود لتنفيذ المشروع الصهيوني؟ ماهي الصهيونية ؟ في الوقت الذي كان العالم يشهد طفرة تغييرعميقة وشاملة، والانتقال الى عصر جديد، عصر الرأسمالية الاحتكارية الاستعمارية التوسعية ـ الامبريالية ـ ، في نفس الوقت كانت تجري عملية اجتياح القارة الأمريكية واستيطانها وابادة سكانها الأصليين، ويحاصر العالم العربي الاسلام، وينحصر نفوذه أمام ضربات الحروب الصليبية، وانطلاق عمليات الالتفاف الاستعماري على افريقيا واسيا، وكان سقوط غرناطة في 1492، واستعمار سبتة ومليلية سنة 1471كان إيذانا بانهيار النفوذ الدولي للحضارة العربية الاسلامية ، ومحاصرة العالم العربي ـ الاسلامي والتمركز برأس الرجاء الصالح)1449(، والخليج العربي عام)1507(م، والعمل على تطويق العالم الاسلامي، ووضع اليد على مجمل حوض المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، والسيطرة على الطرق التجارية، واستبدال نفوذ العواصم العالمية العربية آنذاك، بعواصم جديدة اوروبية . " وبينما كانت عملية محاصرة العرب وعزلهم ، وإلغاء دورهم العالمي جارية،. كانت كل عاصمة من العواصم الاوروبية تتطلع الى احتلال المركز الاول في النظام العالمي الجديد، الأمرالذي أدى الى صراعات أوروبية ضارية، سواء داخل اوروبا أو من أجل اقتسام مناطق النفوذ على الصعيد العالمي. وانطلق عصر الإبادة والاستيطان والتمييز العنصري والاحتكار. ولقد كان هؤلاء الرأسماليون الاستعماريون يغلفون استعمارهم وإبادتهم للشعوب بغلاف ديني، مدّعين " إن المقصود من عملية الاستيطان هو خلق نموذج من المحبة المسيحية، وتجسيد ميثاق بين الله والبشر". وفي منتصف القرن السابع عشر 1649م، وفي الوقت الذي كانت فيه بريطانيا "نظيفة" من اليهود، حيث "طهّرها" " الملك ادوارد الأول" من اليهود تماما، وقبل ظهور الكيان الصهيوني بثلاثة قرون، ظهرت بانجلترا حركة صهيونية غير يهودية تدعو للعودة الى فلسطين. ففي سنة 1649 تقدمت "الحركة الصهيونية المسيحية البروتستانتية" الى حكومة الجمهورية الانجليزية (اولفر كرويمل) باعلان تضمّن " إن أمة انجلترا وسكان هولندا سيكونون أول الناس وأكثرهم استعدادا لنقل ابناء وبنات اسرائيل على سفنهم الى الأرض التي وعد بها اجدادهم ابراهيم واسحاق ويعقوب لتكون ميراثا لهم الى الأبد" . ففي ذلك الوقت المبكر يتم وضع البذرة الصهيونية الخبيثة ورعايتها من طرف المستعمرين الامبرياليين الصليبيين التوسعيين.) الصهيونية نتوء استعماري امبريالي، وامتداد للأصولية المسيحية القبلية البروتستاتينية(. . ـ لماذا تمّ اختيار فلسطين ؟. ففي 1907م كان "كامبل بنرمان" زعيم حزب الأحرار البريطاني يقول في تقرير "لجنة بنرمان" الصادرة عن ـ مؤتمر كامبل بنرمان"، للدول الاستعمارية الذي انعقد في لندن عام 1905 واستمرت جلساته حتى 1907 والصادرة في ثلاث أقسام: القسم الأول: يصف العالم العربي الكبير وموقعه والأمة التي تقطنه، ويصور الحالة الراهنة كما هي، فيوضح أن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار وللمصالح الاستعمارية الآنية والمقبلة، وأنه لا بدّ من أجل نجاح اي خطة تستهدف حماية المصالح الاوروبية المشتركة من السيطرة على هذا البحر وعلى شواطئه الجنوبية والشرقية لأن من يسيطر على هذه المنطقة يستطيع التحكم بالعالم أجمع..." ثم يقول" أن في هذه المنطقة الحسّاسة أمة واحدة، تتوفر لها من وحدة تاريخها ودينها، ووحدة لسانها وآمالها، كل مقومات التجمع والترابط والاتحاد، وتتوفر في نَزَعاتها التحررية وفي ثرواتها الطبيعية وفي كُثرة تناسلها كل أسباب القُوة والتّحرر والنهوض..." القسم الثاني: يعرض التقرير الانجليزي لمعنى أن تكون الشعوب العربية مُوحّدة على ارضها ، فيتساءل :" كيف يكون وضع المنطقة اذا توحّدت فعلا أمال وأهداف أمتها، وإذا اتجهت هذه الرُّقعة كلها في اتجاه واحد؟ وماذا لو دخلت الوسائل الفنية الحديثة، وإنجازات الثورة الصناعية الأوروبية الى هذه المنطقة؟ وماذا لو انتشر التعليم في أوساط هذه الامة؟ وما الذي سوف يحدث اذا ما تحررت هذه المنطقة وتمكنت من استغلال ثرواتها الطبيعية من قبل أهلها ؟ إن منبع الخطر على كيان الامبراطوريات الاستعمارية كامن في هذه المنطقة، في تحررها ،وفي توحيد اتجاهات سكانها ،وفي تجمعها واتحادها حول عقيدة واحدة وهدف واحد." القسم الثالث: تدعوا "لجنة بنرمان" الى : "العمل على استمراروضع المنطقة المجزّأ المتخلف كما هو، وعلى ابقاء شعبها على ما هوعليه من تفكك وجهل وتأخر، وعلى محاربة اتحاد جماهير المنطقة ومنع ترابطها بأي نوع من الترابط الفكري أوالروحي أو التاريخي وعلى ايجاد الوسائل العملية القوية لفصلها عن بعضها ما أمكن.." ويضيف التقرير"العمل على فصل الجزء الافريقي من الوطن العربي عن الجزء الأسيوي، بإقامة حاجز بشري ،قوي وغريب ،على الجسر البري الذي يربط اسيا بافريقيا، بحيث يشكل(الحاجز) قوة صديقة للاستعمار وعدوة لسكان المنطقة." وهكذا تتضح لنا لماذا تمّ اختيار ورعاية الكيان الصهيوني على ارض فلسطين. فقد سبقت اختيارات استيطانية عدة وفق أهمية الموقع الاستراتيجي سياسيا واقتصاديا. حيث سبق ووقع الاختيار على الأرجنتين، وكينيا، ورسا الاختيار على الأراضي العربية ـ مصر، والعراق، والسودان، وليبيا، وموريتانيا، وفي المؤتمر الصهيوني الأول 1897، حُسِم الاختيار على فلسطين. فصار الزعماء الصهاينة يساهمون في مذابح الأقليات الدينية اليهودية بأروبا بل وعبر العالم لدفعهم للهجرة،والترويج بأن فلسطين وطنهم وملاذهم، مغلفين دعايتهم بغلاف ديني مروجين لمكانة فلسطين الدينية والحضارية الدولية. فكان اختيار فلسطينّ لدواع عدة : 1ـ نقطة التقاء بين الفكر الاصولي اليهودي والأصولية المسيحية البروتستنتينية البيوريتانية. 2ـ ولمكانتها الاستراتيجية الاقتصادية والجيوـ سياسية، كملتقى القارتين افريقيا واسيا. حيث يتمفصل جناحي العام العربي، لتنتصب كحاجز بشري بين الكتلة العربية الافريقية والكتلة العربية الآسيبوية. وملتقى أقصر الطرق الدولية البرية والبحرية والجوية التي تربط بين القارات الخمس. فمن يسيطر على هذه المنطقة يستطيع التحكم في العالم. (تقرير ليبرمان لجنة 1907م). ـ إقامة جسم غريب بين الجزئين الافريقي والآسيوي معادي لسكان المنطقة. يمنع قيام أي وحدة بين شعوب المنطقة ، ليبقى الكيان الصهيوني هو القوى المتفوقة، على الجميع. ففي الوقت الذي ظهرت فيه العراق كقطر متقدم قوي قامت اسرائيل بضرب مفاعله النووي)1981(، وبعده تم تدمير العراق وتمزيق أوصاله(2003) . يقول المحلل الاستراتيجي الصهيوني عام 1982م حول تقسيم العراق " يجب تحويل العالم العربي لموزاييك مفكك من مجموعات عرقية وطائفية ضعيفة تمكن اسرائيل من السيطرة عليها كما تشاء ولتحقيق اسرائيل الكبرى". ـ فلسطين الهضبة المطلة على منابع البترول والغاز والماء والماء الصالح للشرب والمواد الخام. ـ حماية بقاء وانعاش المشروع الصهيوني الاستعماري يتمّ بتقسيم المنطقة،وفق هذا كانت معاهدة سايكس ـ بيكو 1916م، لتتفوق اسرائيل على محيطها. ليتم انجاز المشروع الاستعماري الامبريالي الصهيوني كان لا بد من وضع فلسطين تحت الحماية الاستعمارية الانجليزية، واستصدار وعد بلفور 1917م، تبعته معاهدات بريطانية فرنسية 1921 لتقسيم ارث الرجل المريض الدولة العثمانية. بهدف ضمان استمرار الكيان الصهيوني وتفوقه. وحاليا يتم تطويق وحرْف "الحراك العربي"، لتحويله إلى عمليات تقتيل وتفتيت للشعوب العربية، بل وتحيين اتفاقية سايكس ـ بيكو المشؤومة، وتمزيق الممزق، وإنهاك المنهوك، وإغراق الحراك العربي بمستنقعات الدماء، واستبدال الفكر التحرّري بظلامية مقيتة مشؤومة، والديمقراطية المنشودة، بدكتاتورية بشعة. وتحويل تفاؤل الشعوب وأملهم بحضارتهم وثورتهم الديمقراطية إلى شؤم وبؤس. ـ لماذا وقع الاختيار على اليهود بالضبط، ليكونوا حصان طروادة في تنفيذ المشروع الاستعماري الصهيوني ؟: 1ـ استغلال تمفصل نمطي الاقتصاد الامبريالي المالي الربوي، والاقتصاد اليهودي الربوي. حيث يقول الاقتصادي الالماني الاشتراكي الشهير "كارل ماركس"، " اليهود رأسماليون، قبل تبلور الرأسمالية كنظام." 2ـ استغلال تمفصل الاؤصولية المسيحية البروتيستاتينية البيوريتانية* واليهودية، وبالتالي اختلقت الامبريالية الصهيونية مبررا للاستيطان على ارض فلسطين. مستغلة الأقليات اليهودية وتجريدها من أصولها وعزلها عن شعوبها... 3ـ استغلال انعزال الأقليات اليهودية عن بقية مجتمعاتهم، ومنافسة البرجوازية اليهودية كمرابين منافسين لباقي رأسماليي المجتمع "المسيحيين الأوروبيين" المتنفذين، مما كان يضع المرابين اليهود في موضع المساهمين المسؤولين عن الأزمات الاجتماعية، بذا كانت الرأسمالية المسيحية المتنفذة بالدول تتمسح بهم حينا للاقتراض منهم للخروج من أزماتهم، وعندما تشتد الأزمات الاجتماعية تجدهم يمسحون بهم كل الأخطاء والأزمات الاجتماعية ويضطهدونهم ويهجّرونهم، لتفتكّ من ديونهم...كما ظهر ذلك واضحا في الدول الأوروبية الغربية، على سبيل المثال لا الحصر، بانجلترا، وإيطاليا، وإسبانيا، وألمانيا حيث تعرصت الأقليات الدينية اليهودية للاضطهاد والتهجير، وعلى العكس من ذلك وانطلاقا من النمط الاقتصادي ما قبل الرأسمالي، أو النمط الاقتصادي الخليط، بانعكاساته الفكرية ماقبل الرأسمالية في الدول الإسلامية والعربية كانت الأقليات اليهودية في المجتمع أقل عرضة للاضطهاد والتمييز السياسيين وأكثر انسجاما مع باقي مكونات المجتمع،ولم تتعرض لما تعرضت له من اضطهاد في مجتمعات اوروبا الغربية. 4ـ تمزيق الكيان العربي والإسلامي من الداخل، بعد أن أبدى مناعة وصلابة في التصدي موحدا للغزو الاستعماري. لذا تمّ استغلال الأقليات اليهودية العربية وغيرها على امتداد العالم العربي والإسلامي، كخطوة أولى على طريق التمزيق الطائفي العام. إذن تبلور الفكر الصهيوني في العهد الجمهوري ببريطانيا في القرون الوسطى، في عهد" اوليفر كرومويل" (1599ـ1649)، رغم عدم وجود اليهود بها آنذاك، مستوحيا مما حققته الإ بادة والاستيطان من نجاحات بأمريكا، وكان البيوريتانيين المسيحيين يلتزمون حرفيا بالتشريع القديم والارتداد لأخلاقيات اجتماعية رثّة قبلية ، تعتمد " اليهوه" "الإلاه" القبلي الذي يعتبر اليهود كعنصر مختار، والذين عليهم أن يستقبلوا المسيح في المجيء الثاني له بفلسطين رغما على ما يعتقدونه هم أنفسهم ويدعونه بأن اليهود هم قاتلي المسيح. فاستقر الرأي الاستعماري الصهيوني على اختيار فسطين ك"أرض الميعاد" في المؤتمر الصهيوني الأول ببازل بسويسرا 1897م بزعامة الصهيوني المسيحي (أو الملحد) "ثيودور هرتزل". بدأ التاريخ الحديث للامبريالية الصهيونية باكتشاف النفط في عام 1853. وأخذت المنظمة الصهيونية تعرض خدماتها على المراكز الامبريالية الدولية : ـ النازية والصهيونية : في المؤتمر الصهيوني الثالث ببازل 1899م، وفي تقريره يعرض هرتزل خدمات الصهيونية الدولية على الامبريالية الألمانية الصاعدة انذاك، ويطالب بتأسيس المصرف اليهودي تحت اسم "صندوق الائئتمان اليهودي للاستعمار". ـ وفي المؤتمر الصهيوني الرابع 1900م،ومع بروز موقع الامبريالية البريطانية وتعاظم مصالحها عرضت الصهيونية خدماتها عليها، مقابل اقامة مشروعها الاستيطاني، بعد أن سمح "كروميل" بعودة اليهود لبريطانيا )القرن السابع عشر(، في الوقت الذي كان منهمكا في حروب تجارية طاحنة مع البرتغال ثمّ هولندا ثمّ اسبانيا، حيث كانت الأقليات اليهودية أقليات تجارية ثرية بهذه الدول، ولعبت دورها في هذه الحروب. ورأى "كروميل" أنه ممكن الاستفادة من اليهود كجواسيس اقتصاديين على خصومة، فعمل على عودتهم لبريطانيا. فأكد الدبلوماسي الانجليزي"جيمس نيل" عام 1877على "أن احتمال أن يتمكن الانجليز من الاستيطان بالنجاح نفسه الذي استوطنوا به امريكا الشمالية بعيد جدا بسبب حرارة الجو، والصعوبات التي يقيمها العرب والافتقاد إلى حماية فعالة.." ثمّ اقترح (نيل)استخدام اليهود لتحقيق هذا الغرض بدل الانجليز. وظهر آنذاك اللورد الانجليزي "شافتسيري" الذي كان يعارض الاندماج اليهودي في المجتمع، وظل يركزعلى تصدير هذه "الأمة" الى فلسطين. وفي 1845 دعا الاستعماري الانجليزي"ميتوفورد" الى "إعادة توطين الأمة اليهودية في فلسطين كدولة تتمتع بالحماية تحت وصاية بريطانيا العظمى، فإقامة دولة يهودية في فلسطين ستضع إدارة مواصلاتنا البحرية في أيدينا بالكامل وستوفر لنا في المشرق مركز سيطرة نستطيع أن نوقف منه عمليات التعدّي، وأن نردع الأعداء المسافرين ونصدّ قدمهم عند الضرورة...".
محمود عبد الرحمن البوعبيدي/كاتب . صحفي