د. أحمد يوسف: بعد تعثر المصالحة.. دحلان للمشهد السياسي من جديد!!
29/01/2018
أمد/ غزة: كتب القيادي في حركة حماس ورئيس مجلس بيت الحكمة الدكتور أحمد يوسف, اليوم الاثنين, مقالة بعنوان "بعد تعثر المصالحة: دحلان للمشهد السياسي من جديد!!".
و"أمد للإعلام" ينشر مقالة الدكتور يوسف كما وصلته:
مع تردي الأوضاع المعيشية في قطاع غزة إلى درجة الانفجار، وتراجع المكانة السياسية للقضية الفلسطينية إقليمياً ودولياً، وصدمة أهالي القطاع بطريقة التعامل المهينة التي تمارسها حكومة رامي الحمد الله، واستمرار الإجراءات العقابية على حالها، برغم شهادة جهات فلسطينية عديدة بحصول "التمكين" الذي طلبته الحكومة، إلا أنه يبدو بأن هناك أجندة غامضة لمواصلة الضغط على أهالي قطاع غزة، من خلال بقاء وضعية المراوحة المملة في نفس المكان، وهذا يعني فقدان أمل الخلاص من جهة رام الله، والتطلع من جديد باتجاه خيارات أخرى، إحداها خيار النائب محمد دحلان وما يمثله من تيار له ثقله في قطاع غزة.
دحلان وحديث المجالس من جديد
النائب محمد دحلان في المشهد الفلسطيني هو شخصية جدلية، حيث تتداوله ألسنة المحبين والمبغضين، فهناك من يرى فيه أنه صاحب رؤية، وأنه شاب طموح يتطلع للرئاسة، وهناك من يتوجس منه خيفة لعلاقاته السابقة والغامضة بالإسرائيليين، حيث كان الناس يشاهدون مشاركته مع القيادة الفلسطينية في جولات التفاوض التي كانت تجري في القدس وواشنطن.. وأيضاً هو الرجل الذي تحدى حركة حماس، وكان خصماً عنيداً لها عندما فازت في الانتخابات التشريعية وشكلت الحكومة عام 2006، واليوم يبدو داخل المشهد السياسي متحالفاً معها أو منفتحاً عليها كشريك سياسي.
أما في المشهد الإقليمي فهو الشخص الذي أقام علاقات واسعة مع العديد من الشخصيات المتنفذة سياسياً وأمنياً في العالم العربي؛ مثل: بندر بن سلطان، وسيف الإسلام القذافي، والشيخ محمد بن زايد، واللواء عمر سليمان، حيث إن الانطباعات التي تسود بأشكال مختلفة أنه كان أحد العقول التي وقفت خلف إفشال ثورات الربيع العربي، كما أنه متهم بالتآمر على تركيا، وأنه كان له دور في المحاولة الانقلابية الفاشلة، التي قام بها العسكر ومجموعة فتح الله كولن في 15 يوليو2016.
من الجدير ذكره، أنه وفي ظل حالات الصراع والاستقطاب السياسي والتحالفات القائمة في العالم العربي وحتى داخل الساحة الفلسطينية، فإن هناك من الأقلام الكثيرة؛ بعضها يكتب عنه، والآخر يوجه له سهام النقد ويحرض عليه!!
إن هذا الغموض في شخصية النائب محمد دحلان يستدعي أن نقوم بتجليته والكتابة عنه؛ لأن هناك من ينسج حول سيرته وقدراته الأساطير، كما أن هناك في الوقت ذاته من لا يرى في شخصية دحلان إلا ابن المخيم الشاب الطموح، الذي ساقته حيويته التنظيمية داحل حركة فتح، وموقعه المتقدم في مؤسسات السلطة الفلسطينية، خاصة جهاز الأمن الوقائي، وعمله وتحركاته بين الشبيبة الفتحاوية، أن يأخذ فرصته، ويصبح اسمه يتردد من بين المرشحين لخلافة الرئيس محمود عباس، وكانت هناك ارهاصات تشي بذلك.
لا شك أن دحلان طوَّر علاقات دولية واسعة، أهلته أن يحلم بالزعامة، وهذا حق له؛ فالرجل مشهود له بالفطانة والذكاء، ولغته تتسم بنكهة المخيم ونبرة أهله الطيبين، وأن كلَّ من تعامل معه عن قرب - بعيداً عن مواقعه التنظيمية – فسيجد فيه إنساناً متواضعاً برغم ثروته وغناه، كما أنه في مدونة سلوكياته العامة يبدو محافظاً من ناحية منظومة القيم والأخلاق، وأن ثقافة المخيم ومفرداته التي تمس شغاف القلوب هي ما يردده في أحاديثه أغلب الأوقات.. وكوننا خلال الشهور الماضية قطعنا مشواراً للمصالحة معه، ومع التيار الذي يقوده بجدارة واقتدار، وأصبح ذكره يتردد كثيراً في أوساط الشباب وأحاديثهم، باعتباره - ومن خلال المشاريع التي قدَّمها - غدا للكثيرين منهم "طوق النجاة"، وصاروا يعقدون عليه الآمال، بعدما ساءت الأحوال السياسية والمعيشية في قطاع غزة، إلى الدرجة التي تهدد بالانفجار ووقوع الكارثة.
بالتأكيد إن دحلان هو لغز يحتاج إلى من يفكك أسراره، ويكتب عنه بلغة بعيدة عن المجاملة أو التحامل، وهو اليوم - وفي سياق كل هذا الغموض - يحتاج إلى من يحرك أوراقه، ويستكشف صفحاته ويأتي بسره المكنون، بعيداً عن الافتراءات والاتهامات، ووضع الرجل - بما له وما عليه - أمام شارعنا الفلسطيني وشبابه الغالي؛ هؤلاء الذين أضعنا بخلافتنا وغبائنا السياسي مستقبلهم.
إن هذه الشخصية الفاعلة حركياً وسياسياً - الآن - تتطلب أن نواجهها، وأن نطرح عليها أسئلة الوطن، والتفاكر معه فيما يمكن تقديمه للخروج من نفق الأزمة، التي توشك أن تطيح بكل جميل عشنا له، وناضلنا من أجله.
بالرغم من أن بداية معرفتي بالنائب دحلان تعود جذورها إلى عام 2003، حيث التقيته أول مرة في العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث كان ضمن الوفد الفلسطيني الزائر برئاسة الأخ محمود عباس، والذي كان – آنذاك - رئيساً للوزراء. كان اللقاء أقرب لحديث التعارف والمجاملة لعدة دقائق، حيث قدمت نفسي وعملي، وكيف يمكننا أن نتواصل مستقبلاً.
في عام 2005، كنت مقيماً في العاصمة الجزائرية، حيث بلغني أن الأخ محمد دحلان معني بالتواصل مع قيادة حركة حماس بالخارج؛ أي قيادة المكتب السياسي، وأنه مستعد للقاء بها في أي مكان تختاره وتسمح به الظروف؛ لأن هناك ما هو عاجل ويستدعي النقاش حوله، بعد أن اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرارها بالانسحاب من قطاع غزة.
بدأنا اتصالاتنا بالإخوة في قيادة المكتب السياسي في دمشق، والتي تجاوبت مع هذه الرغبة.. وفعلاً؛ جرى أكثر من لقاء في القاهرة، وتمَّ الحديث عن المستقبل وما يستدعيه ذلك من التعاون وتنسيق الجهود بين الطرفين.
بعد الانتخابات وفوز حركة حماس، جمعنا من جديد أكثر من لقاء مع النائب دحلان.. كان الرجل في مشهد خطابه الوطني وأحاديثه السياسية معنا يبدي الرغبة في التعاون والتنسيق، والعمل على توظيف ما لديه من مكانة وإمكانيات للارتقاء بالحالة الأمنية والسياسية، وبذل الجهد لتحقيق التمكين والاستقرار الذي نتطلع إليه.
خلال فترة تشكيل الحكومة والتطورات التي صاحبتها، جرت بالتأكيد مياه كثيرة تحت النهر كما يقولون، إذ بدأت الاتهامات والاحتكاكات الأمنية تتصاعد، وكثر الحديث عن مخطط دحلان المسمى "خمسة بلدي" لترقيص حركة حماس!!
في تلك الفترة كثرت قرقعة التهديد بالسلاح، وصارت الخروقات الأمنية المتكررة تنذر بأن المواجهة العسكرية قادمة، وأن الحكمة ولغة العقل مطلوبة لتجنب كارثة بدأت تلوح في الأفق.. للأسف، كان هناك من يغذي الفتنة، ويهيئ الحالة الأمنية للانفجار، وكما جاء ذكر دحلان، كانت هناك أسماء أخرى على الجانب المناوئ تعلوا أصواتها المحرضة في الميدان.
لم أتعود في حياتي الدفاع عن وجهة نظر دون أن أضع الأمور في سياقاتها الظرفية والسياسية، والتي تدفع كل طرف ليدَّعي ويُبيت من القول ما لا يرضى به الطرف الآخر. نعم؛ كان هناك ما يجعل حركة حماس تغضب من دحلان، كما أن هناك أيضاً ما كان يستفز دحلان ويسوقه لفعل ما يؤجج هذا الغضب!!
إن محاولة التقييم تستدعي أن يكون الإنسان محايداً في قراءته لظاهرة الخلاف، ونحن تربينا على الصراحة والجرأة على قول الحق، انسجاماً مع أخلاقياتنا القرآنية التي تضبط مسارات التقييم، وهي: "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا...".
حقيقة، ومن باب الشهادة، فإن الفترة التي حكمت فيها حركة حماس ونالت خلالها ثقة المجلس التشريعي في نهاية مارس 2006، كانت التوترات بين الطرفين قائمة، وللكل نصيب من الاتهام، فلم يكن هناك طرف مبرأ من كل عيب، حيث الجميع كان مسئولاً عن الأخطاء التي وقعت، والخطايا التي تمَّ ارتكابها في أحداث يونيه 2007، وأفضت بنا إلى القطيعة والتشظي والانقسام الذي ما زلنا نعاني منه حتى اليوم.
نعم؛ إن من حق كل طرف الاجتهاد لتبرير أخطائه، وتحميل الآخر وزر ما جرى لتبرئة نفسه، ولكن حجم الجريمة التي تمَّ ارتكابها بحق الوطن، والتي فاقت الخيال بعد عشر سنوات من مشاهدة المآل، يجعلنا نقول: فليتحسس كل منكم مساحات الدم الذي على يديه!!
هل نطوي الماضي بالاعتذار عن صفحاته؟
إن من حق الضحايا - وأولهم هذا الوطن - أن يطالبونا بالاعتذار، والتسريع بإنهاء الانقسام ككفارةٍ وإعذار إلى الله، والعمل معاً لاجتماع الشمل والتصدي لـ"صفقة القرن"، المراد من وراءها شطب مشروعنا الوطني من ناحية، والتمكين لإسرائيل الكبرى من ناحية أخرى!!
أنا من طرفي كمواطن فلسطيني اعتذرت، واعترفت أكثر من مرة بأن ما وقع كان خطأ، وقد فعل المئات غيري كذلك، ومن بينهم محمد دحلان.. إن الواقع المأساوي يحتم علينا جميعاً أن نعالج تداعيات ذلك؛ لأن النتائج التي نقرأها - اليوم - تؤكد أن ما وقع كان كارثياً على الوطن، بل إن البعض اعتبره بمثابة النكبة الثانية التي حلت بالفلسطينيين.
حاولنا في الشهور التي تلت يونيه 2007 معالجة آثار تلك الكارثة، ولكن "حميَّة الجاهلية" والنبرة العصبية لدى كل طرف حالت دون أن نتقدم خطوة باتجاه الحل.
في الحقيقة، كان الطرفان؛ فتح وحماس، قد سرقت كل منهما السكِّينة؛ أي أن كل واحد منهما كان يوجه الاتهام بأن الآخر هو المسئول وحده عن الجريمة!! وهذا هو ما لمسته عندما اتصلت بدحلان بعد شهور ثلاثة من تلك الأحداث المأساوية، أولاً؛ من باب العتب، حيث إنه كان أمامنا فرصة للتعايش السياسي، والرهان على خيارات أفضل مما جرى من اقتتال، والثانية؛ إمكانية التفكير في رؤية للخلاص نتخطى من خلالها عقابيل ما جرى ولملمة الجراح حتى لا يضيع الوطن.. الرجل من طرفه كان له من الحجج والأدلة ما يحاول فيه الذود عن حياضه، وبأنه كان خارج البلاد للعلاج، ولو كان هناك مخطط للإطاحة بحماس أو حكومتها لكان المنطق يستدعي أن يتم ذلك خلال وجوده في البلاد وليس خارجها.,. لقد أدركت حينها أن الوقت لم يحن بعد للحديث عن المصالحة، ونفس الشيء لمسته لدى حركة حماس.
اليوم، من حقنا أن نسأل ونحن نراجع وقائع الأحداث المأساوية قبل أكثر من عقد من الزمان، هل كانت إسرائيل تدير خلافاتنا من خلف الكواليس، وتسوقنا للصدام عبر شبكة من الجواسيس؟!
هل ما وقع كان مخططاً له منذ أن قررت إسرائيل الانسحاب من قطاع غزة، وفقاً لرؤية سياسية استراتيجية سبق أن تمَّ الحديث عنها في خطة فك الارتباط، والتي تم عرضها في دراسة أعدها مركز جافي الإسرائيلي للدراسات السياسية والاستراتيجية، والتي تنبأ فيها منذ العام 1989 بعودة منظمة التحرير، وتوليها قيادة السلطة، وحدوث صراع سياسي بين الفلسطينيين؟!
إن تلك الدراسة الموسومة باسم "الضفة الغربية وغزة: خيارات إسرائيل للسلام”، عرضت مجموعة من السيناريوهات والخيارات المستقبلية أمام صانع القرار الاسرائيلي، وكان من بين تلك الخيارات، خيار الانسحاب من غزة من جانب واحد، وكان كالتالي: "تقوم إسرائيل بسحب قواتها من قطاع غزة من جانب واحد بلا مفاوضات مسبقة أو اتفاق مع أي طرف عربي بما في ذلك الفلسطينيون. وسينطوي الانسحاب على قطع الارتباطات كليا، وتسييج الحدود الكترونياً، وتلغيمها للحؤول دون حدوث أي تسلل (إرهابي)، وضمان أمن إسرائيل.. كما سيتم العمل على تسيير دوريات أمنية في مياه القطاع الإقليمية لمنع إدخال الأسلحة إلى جيش فلسطيني، ومن الممكن أن تكون الآثار الناتجة داخل القطاع صراعاً حاداً بشأن السلطة بين وطنيين علمانيين، وبين مسلمين أصوليين يتمتعون بقدرة أكبر من قوتهم بالضفة الغربية، وأيا تكن النتيجة فإن الدويلة في غزة ستلهب نزاعاً مطرداً باستمرار مع إسرائيل، وستجد السلطات الحاكمة في قطاع غزة صعوبة في احتواء العنف الموجه نحو إسرائيل.. في حين أنها ستكون قلقةً بالتأكيد من ردَّاتٍ إسرائيلية انتقامية عنيفة، وغير مهتمة لعودة الاحتلال.. إن من غير الواضح إلى أي درجة سيرتدع السكان عامة بفعل خطر الأخير، فالأحوال في غزة قد تسوء إلى درجة أن بعض أهل القطاع قد يستعيد ذكرى الاحتلال الإسرائيلي بشيء من الحنين".
إن قراءة المشهد اليوم، واستطلاع ما كتبه البعض من المحللين والمتابعين للشأن الإسرائيلي، تشي بأننا قد وقعنا في الفخ الذي كان يخطط له الإسرائيليون وينفذونه بدقة، جعلتنا نعتقد أن بعضنا هو من يمثل المكر والمكيدة وليس إسرائيل.
لقد سمعت هذه الرواية حول نجاح إسرائيل في استدراجنا إلى ما نحن فيه من كارثة على مستوى التهديد الوجودي والإنساني والسياسي من أكثر من شخصية فلسطينية، أمثال: المفكر والأكاديمي د. إبراهيم أبراش، وأيضاً الباحث منصور أبو كرَّيم، والإعلامي أكرم عطالله، وهناك أسماء من الباحثين والأكاديميين المختصين بالشأن الإسرائيلي ومن ذوي التوجه الإسلامي، مثل: د. عدنان أبو عامر، والباحث صالح النعامي، وكذلك د. ناجي البطة، والذين تناولوا في تحليلاتهم الكثير من هذه القراءات.
والآن ما يتم سماعه عن دولة غزة، والتحضير لهذا المآل إسرائيلياً وأمريكياً وعربياً، يؤكد أننا كنا جميعاً ضحايا غبائنا السياسي، والتنازع على كرسي تبين بعد عشر سنوات أنه كان خازوقاً يدمي خلفياتنا الوطنية دون أن ندري!!
لقاء السنوار ودحلان: خطوة كان لا بدَّ منها
أدركت حركة حماس أن سياسة الرئيس أبو مازن هي في اتجاه الانتقام ومعاقبة حماس، وأن قطاع غزة لم يعد ضمن أجندته السياسية، ولا بدَّ من التفكير بمخرج آخر للحفاظ على صمود وتماسك أهل القطاع، وعدم الاستسلام لضغوطات الحصار التي تمارسها أكثر من جهة لكسر شوكة حماس ورهاناتها على جدوى الفعل المقاوم.
في منتصف يونيه 2017، كان لقاء القاهر مع قيادة المخابرات العامة والذي أخذ مساراً إيجابياً، وترتب عليه عقد عدة جلسات مع النائب دحلان وأركان التيار الإصلاحي لحركة فتح، وتمخض عن تلك اللقاءات وعود كثيرة بالعمل على سرعة فتح المعبر وتسهيل تقديم منح ومساعدات لأهالي قطاع غزة.
بالطبع كانت خطوة اللقاء بدحلان مفاجئة ولها ارتدادات متباينة؛ بين مرحب بها وبين من وجدها خطوة مستعجلة، ولكن هذا الجدل ظل صوته خافتاً داخل الحركة، ومضت العلاقة، وصارت هناك حقائق على الأرض، حيث بدأ التيار في ممارسة بعض الأنشطة والقيام ببعض الفعاليات التي كان لها مردود إيجابي لدى الجميع بما فيه كوادر حركة حماس، الأمر الذي استشاطت معه رام الله غضباً!!
كان التوجه داخل الحركة هو استمرار المحاولة لكسر الجمود في العلاقة مع الرئيس أبو مازن، والابتعاد عن أسلوب التحالفات التي قد تطيح بمشروعنا الوطني. ولذلك كانت الخطوة الجريئة التي اتخذتها حماس بتسليم السلطة في قطاع غزة لحكومة الحمد الله، واللقاء بالقاهرة من جديد لعقد اتفاقات التمكين للحكومة وفق تفاهمات الطرفين؛ فتح وحماس، وبرعاية مصرية لإنجاز تلك الاتفاقات.
للأسف، ومع تباطأ خطوات رام الله في التقدم لتحمل مسئولياتها، دخلنا من جديد على خط المناكفات وتبادل الاتهامات، وشعرت قيادة حركة حماس بغياب جدية طرف الرئيس الأخذ بعزائم الأمور، والعمل على استمرار نهج الحصار والتجويع لقطاع غزة!!
هل دحلان اليوم هو المخرج لتخيف أزمة الحصار، وإظهار تماسك الحالة الفلسطينية وتمنعها على تمرير أية صفقات تطيح بآمال وطموحات الفلسطينيين في الأرض والوطن؟
إن الحالة الفلسطينية ومنذ الأحداث المأساوية التي وقعت في يونيه 2007 هي لغز وعثرات وتحركات بلا بوصلة أو هدف.
إن علينا ألا نقطع الطريق مع أحد، كما أن علينا معاود التواصل القوي مع دحلان من جهة، وتعزيز أواصر الشراكة الوطنية مع كل الفصائل والتيارات الحزبية العاملة في الساحة الفلسطينية، وإيجاد أرضية تجعل الجميع يتحرك لأداء واجبه الوطني ضمن التوافقات والالتزامات والقواسم المشتركة، وعدم الركون إلى حالة المراوحة القاتلة في المكان.
نعم؛ غزة تحتضر، وتحتاج جهد الجميع للحفاظ على مشروعنا الوطني، وإلا فإن سفينتنا تترنح في بحر لجي، وأشرعتها توشك على السقوط.
أتمنى أن نعيد حساباتنا ونرتقي فوق الحزبية، وأن نعمل على استيعاب بعضنا البعض في سياق الأجندة الوطنية، وإن كان هناك من مطالب عاجلة فهي أن نعقد العزم على العمل معاً، وليتفضل كل من بيده إمكانيات لإنقاذ الحالة أن يتقدم؛ سواء أكان النائب دحلان أو رجل الأعمال د. عدنان مجلي أو أي شخص وطني غيور لا يريد لشعبه الهلاك.
ختاماً.. يبدو أن آمال الفلسطينيين في إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية - بعد توقيع اتفاق المصالحة بالقاهرة في أكتوبر الماضي - قد تبخرت، خصوصاً بعد اشتداد وطأة الحصار على قطاع غزة، وهو كما أشار د. إبراهيم حبيب؛ صاحب مبادرة الإنقاذ الوطني، ما يُنذر بحالة انهيار اقتصادي متوقعة خلال الأشهر القليلة القادمة، وما سيتبعه من تداعيات أمنية واجتماعية ووطنية خطيرة.
إن هذا الوضع الخطير يستدعي من الكل الوطني تحمّل مسئولياته تجاه ما يجري من فقدانٍ للأمل في مُستقبل أفضل لجيلٍ كامل من الغزيين، نتيجة لعجز حركتي فتح وحماس عن إتمام المصالحة، وعدم تحمُّل حكومة الوفاق لكامل مسؤولياتها في القطاع، نتيجة لعوامل داخلية وضغوط خارجية ستُعجّل من حالة الانهيار، مما يستوجب منَّا جميعاً التحرك لتجاوز هذه الكارثة.
إن أخشى ما أخشاه أن يتحول "الانفجار" إلى مطلب شعبي، ويصبح في نظر أهالي قطاع غزة ضرورة وطنية!!