السبت 01-02-2025

د. أحمد قطامش يكتب للهدف: هل يمكن إعادة إنتاج الانتفاض الكانوني 1987؟ قراءة في بعض المسكوت عنه

×

رسالة الخطأ

د. احمد قطامش

د. أحمد قطامش يكتب للهدف: هل يمكن إعادة إنتاج الانتفاض الكانوني 1987؟ قراءة في بعض المسكوت عنه
أحمد قطامش

الجمعة 14 ديسمبر 2018 | 02:00 م

خاص بوابة الهدف

تناثرت كتابات عديدة عن الانتفاض الشعبي الكانوني 1987 , ولا تسعى هذه المقالة للتكرار بل الاضافة , والاضافة لا تخلو من مساحات سجالية.
ينبغي بداية استعادة كلمات ماركس الساخرة: " التاريخ يعيد نفسه مرة على شكل مأساة ومرة على شكل ملهاة " . وتنطوي هذه الكلمات في أحد معانيها على أن التاريخ لا يعيد نفسه , ذلك إنه صيرورة تلد الجديد , ومهما بلغ الحنين للماضي , فالماضي لن يعود بشروطه السابقة بالنظر إلى المتغيرات التي تشهدها الحياة.

مقدمة :

لم يبتكر الفلسطيني الانتفاض تاريخيأ , فهناك شعوب عرفت انتفاضات قبلنا , ولم يستخلص التجريد النظري للانتفاض , فهناك منظرون فعلوا ذلك منذ قرن ويزيد, ذلك أن الفكر النظري مشتق من الممارسة وهو على صلة جدلية بالممارسة . ومن يقرأ الانتفاضة الإيطالية في مطلع ثلاثينات القرن الماضي وما كتبه احد صناعها روسو ، أو الانتفاضة الروسية 1917 وقبلها مراسلات ماركس مع صديقه الدكتور كو غلمان عن كومونة باريس 1870 , يستخلص معايير نظرية , شأن الدارس لعلم الفلأ او النظرية النسبية لاينيشتاين أو نظرية الاقتصاد الكل أو علم النفس وكل ما يتصل بالثورة الصناعية وما نتج عنها من صناعة ثقيلة وثورة تقنية وثورة رقمية . فقد راكمت البشرية إرثأ معرفيأ وعلميأ خصبأ ، في وقت تتسارع فيه الدورة العلمية , ففي العقد تتراكم نظريات أكثر مما راكمه التاريخ الإنساني بمجمله ... إنه عصر القفزات العلمية ، ومن الطبيعي أن تنهل الشعوب المفوتة التي تأخر تاريخها عن الحضارات المتقدمة ، والمهم أن تتلاقح لا أن تتذيل.

ومنذ أواخر القرن التاسع عشر ناقش النهضويون العرب من الكواكبي و محمد عبده ... مقولة (نحن و الآخر ) ولم ننفك نناقشها لليوم شأن المقولات النهضوية الأخرى , ذلك إننا لم ننجزها على الأرض بعد . ولئلا يتجوف العلم ويتحول ( الهبوط النظري) لينين , لا مهرب من الإمساك بالمنطق العلمي ومنجزاته ، والمسألة تبدأ هنا دون أن تتوقف.

" من المجرد العال إلى الملموس الخاص " ماركس . فالفهم العام يحضر ضمن الخصوصية القومية ، وعليه , لقد سخر ماوتسي تونغ: " لو جاءني ماركسي صيني وتحدث عن الماركسية دون أن يربطها بالخصائص الصينية أعتبر كلامه مجردأ وفارغأ " ، فالانتفاضة تحضر ضمن شروطها المحلية ، وهذا كان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، فهي لم تكن انتفاضة على الطريقة الروسية ولا البلغارية ولا الإيرانية أو أو .. إنها نموذج فلسطيني وبنكهة فلسطينية ، حيث صدرت كراسة في أواخر علم 1982 تحت عنوان ( الحرب الشعبية والانتفاضة الشعبية ) بالمقارنة بينهما استنادأ لمرجعيات نظرية وتجارب تاريخية , وكان ذلك موجهأ للإرادة الواعية عندما انخرطت في الصيرورة الانتفاضية دون لي عنقها في قوالب جامدة ، وكانت مفردة براكسيس الغرامشية مرشدأ ومنارة.

والبعد المشترك الذي أمسكنا به - القانون العام , أن الانتفاضة لكي تكون كذلك , وكصفة بنيوية جوهرية فيها , ينبغي أن تكون شعبية حقاً , وجماهيرية حقاً , أي ليست " حزباً " على رأي لينين , وليست حراكاً محدوداً أو مجرد تظاهرة أو إضراب ... فهذا كله من مكوناتها . أما الانتفاض فهو نهوض عارم بمشاركة شعبية واسعة سواء كانت عفوية أو واعية ولا يمكن حصرها في ركيزة واحدة بل ضفيرة من الركائز الميدانية والتنظيمية والسياسية والاقتصادية والمعنوية والثقافية والتعليمية ... هكذا كانت الانتفاضة المجيدة أواخر 1987.

سردية تشي بزوايا مجهولة

لم يحصل ( تحالف العمال والفلاحين) ولم (توضع خطة مركزية) ولم يتحقق ( إحراز انتصارات يومية ) كما اشترط لينين تبعأ للتجربة الروسية , وإنما انطلقت شرارات محلية تحولت لحريق ( دهست حافلة إسرائيلية عمالا فلسطينيين فاستشهد أربعة ) توالد عن ذلك حرق جيب عسكري وفي اليوم الثاني جنازة بالآلاف وتظاهرات في القطاع امتدت إلى بلاطة نابلس وسقط شهداء هنا وهناك , وقد تدحرجت المواجهات , والتقط حفنة من العاملين في الحقل الوطني معاني الحدث وعقد مؤتمر صحفياً . وعلى صعيد داخلي تمت وقفة بعد أقل من أسبوعين استخلصت ( لقد تحولت الهبة إلى انتفاضة شعبية . الجميع إلى الميدان ) لم يكن قد تشكلت "قوم" بعد، ولم يُطرز شعار الانتفاضة (الحرية والاستقلال) بعد.

لم يكن العقل الوطني خاملاً أو انتظارياً , إذ تفاعل مع الغليان وتساءل ( ماذا يحدث؟ وكيف يمكن تعزيز الميدان؟ ) ونقاشات هنا وهناك . لم يكن جدلاً عقيماً أو سفسطائياً على طريقة أيهما أسبق البيضة أم الدجاجة؟

سبق ذلك تعميم داخلي في تموز جاء فيه: " إذا كان على شعبنا في الخارج حماية البندقية الفلسطينية في لبنان , فعلى شعبنا في الداخل أن يفتح جبهة ثانية تضمن صيرورة الكفاح ... إن التاريخ قد وضع على كاهل شعبنا في الداخل مسؤولية مميزة في اللحظة الراهنة هي الحفاظ على شعلة الكفاح ، لنتهيأ على كل الصعد بما هو أكثر من التخندق مع إضراب الحركة الأسيرة في نيسان ".

كان المفتاح كلمة البراكسيس التي لا تتفق مع الخطط الجاهزة والصياغات النهائية، إنما تفاعل الوعي والإرادة مع الممارسة، والاسترشاد بالفكر لإنتاج فكر يخلق ويبدع. أما المحفز فهو كلمة لينين: " نغوص ثم نرَ " لشق طريق الفاعلية . والفاعلية تتطلب مونولوج مع الذات، وديالوج مع الآخرين، وحوار مع الواقع بما أفضى في النهاية للإمساك بالحلقة المركزية وشعار ( لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة ).

وسمعنا عن لقاءات قيادية في الخارج تباينت فيها المقاربات بين من قال الانتفاضة قادرة على تحرير فلسطين ، وبين من اعتقد إنها ستفضي للهدف المرحلي بالعودة والدولة وتقرير المصير , وبين من حصر الطموح بطرد المحتل . أما الداخل فقال: " إن الانتفاضة محطة نضالية عليا تتجاوز العمل الفصائلي إلى النهوض الشعبي بما يؤسس لمرحلة هجومية جديدة " ، كما جاء في أحد التعميمات.

ولما سأل الحكيم جورج حبش ما المقصود ( بالحرية والاستقلال )؟ كان الجواب ، لم ننحت هذا الشعار إنما اقتبسناه عن عبد القادر الجزائري عندما اقترحت فرنسا عليه ( الحكم الذاتي ) وهو شعار ناظم ردعي لا مساومات فيه أو عليه . وتكشفت مصداقيته عندما لهج البعض: " لقد تعب الشعب ، دعونا نأخذ بما يقترحه شامير من انتخابات بلدية ودوائر مدنية " ، وكان الجواب: " الشعب لم يتعب , إنما هؤلاء الذين يحجون للخارج ولم يسبق لهم أن ذاقوا مرراة السجن والتضحيات هم المتعبون من حياة الرفاهية " ، وتواصلت صفحات المجد.

بين العصيان والعصيان المتقطع

جاء الصوت المتعجل من بعيد , من أحد العواصم العربية في اجتماع قيادي ولجنة تنفيذية " لقد رصدنا عشرات الملايين وأصبح لدينا جهوزية لانتفاض مسلح " ، لم يكن قد مضى على الجيشان الشعبي 6 أشهر بعد , ووجد ذلك صداه في الداخل . أما الرأي الأخر فقال: " ما يقال عن إمكانات يعوزها الدليل ، والأصح فحص أين ذهبت الأموال؟ لو احتشدت إمكانات كل الوطن في مخيم أو حي سوف يعالج بالطائرات والصواريخ فيغطس الناس في بحر من الدم دون قدرة على إنقاذهم فيعم الخذلان وينطفئ الغليان . الأصح تضحية اقل ومسار طويل " . انقسم الموقف لكن زخم الميدان على حاله فلم يترك التباين بصمات تذكر عليه ، فالانتفاض ميدان أولاً ، ولكن داهمه تحدٍ ثانٍ :

على أبواب صيف 1988 اجتهدت ثلاث قوى أن التكتيك الأصوب هو العصيان المفتوح , فيما فصيل رابع قال: " ثمة 400 ألف عائلة في أراضي 67 ثلاثة أرباعهم فقراء، وبعد شهرين ينفذ رصيدهم، هل يمكن تأمين 200 دولار لكل عائلة شهريأ؟ جاء الجواب .. ليس لنا قدرة على ذلك".

فتوالد اقتراح العصيان المنقطع " ستة أو سبعة أيام إضراب جماهيري عام فضلاً عن برنامج الفاعليات الشهري , والعودة للتعليم والعمل في بقية الشهر " ، حصل تخندق في الرأي . صدرت نداءات ثلاث باسم الثلاثة وصدر ثلاثة نداءات أخرى خاصة بفصيل وتجاوب الشارع في الحالتين إلى أن التأم الشمل على قاعدة العصيان المتقطع.

ومثلما كانت مفردة انتفاضة جديدة على الفكر السياسي الفلسطيني، فهي لم تكن معروفة في العقل الأمني والإعلامي الإسرائيلي , أما العصيان المتقطع الذي استمر أربعة أعوام ونيف فكان إضافة نظرية فلسطينية.

"قوم"

أي القيادة الوطنية الموحدة, التي بدأت ثلاث قوى وأصبحت أربعة، فهي لجنة فصائلية تولت صياغة النداءات سواء الديباجة السياسية أو برنامج المهمات ، يسندها الأفكار والمقترحات التي يزودها كل فصيل لمندوبه ، تجتمع وتناقش وتغني وتقرر . " و كان يمكن أن يرتقي دورها وخبراتها لولا اعتقالها المتكرر كما طابعها الوظيفي ، فهي لا تقود أدوات ولجان الانتفاضة المنتشرة في المدن والأرياف والمخيمات ، ولتوافر مرجعيات أكثر استقراراً أعيد تشكيلها فوراً، ما أن تغيب لجنة حتى تحل اخرى محلها". والمستعمر العنصري الذي تسلح برؤية استشراقية رأى في الانتفاض الشعبي مجرد اضطرابات حاول وأدها بتهشيم العظام والاعتقال الجماعي والتقتيل ومنع التجول والمداهمات ، " لقد تحطمت المرآة التي تقول بالاحتلال المتنور وانفضحت مقولة نقاوة السلاح وكشف النقاب عن الفظاظة في التركيبة الفكرية – العسكرية " د.كرستين أولاس.

وكلما سقط شهيداً تحول لأيقونة وزيت لتأجيج شعلة الجيشان الشعبي.

الموضوعي والذاتي

يتمثل العامل الموضوعي في الاستعمار وسياساته الذي " يستخدم القوانين والأنظمة العسكرية والإلحاق الاقتصادي والعتقال والإبعاد وهدم البيوت وسرقة الأرض والمياه وضرب الصناعة الوطنية والزراعة " (الانتفاض مبادرة شعبية 1999).

أما العامل الذاتي فهو الشعب واستعداداته وقواه المنظمة وطابع قيادتها ومراسها واقتدارها ، وقد استباح العامل الموضوعي العامل الذاتي على كل الصعد على امتداد العملية الصراعية ، ولكن لماذا نهض الشعب في أواخر 1987 ؟

إنه التركيم , ما بلغته الفصائل المنظمة وقاعدتها الجماهيرية المؤطرة من تركيم , سيما في سنوات الثمانينيات , وبشكل أخص الفصيلين الأكبر ، وكانت الثنائية حين ذاك فتح- شعبية , وتراكم خبرتها وجهوزيتها واغتنائها بمئات الكادرات الذين تحرروا في صفقة 1985، وفي غمرة الجيشان الانتفاضي تعاظمت قوة جميع الفصائل المنخرطة في الميدان ، فبقدر ما أعطت أخذت.

وفي الحاضنة الشعبية من كل الطبقات والأجيال ، وإن بتفاوت ، التي باتت مستعدة للتضحية يحدوها أمل التحرر من نير الاحتلال ، ومهما بلغ البطش واعتقال عشرات الآلاف سنويا فذلك لم يكسر هامتها ، ويضعف دافعيتها أو اندفاعها نحو الميدان.. و الجماهير المنتفضة ، رأت بأم العين و من تجاربها الخاصة ، أن أفواج الذين يتقدمون الصفوف هم من نفس تربتهم الاجتماعية ، لا امتيازات لهم سوى التضحية أكثر و النشاطية أكثر ، فباتوا عنوانا استقطابيا ، وشعارهم (اتبعوني) ، إذ لم يكن الفساد قد تسلل للداخل بعد، ولا اللهاث وراء تطلعات طفيلية، ولا التسابق على ألقاب و رواتب مجزية . أما تكتيكات الانتفاضة فقد أشركت الجماهير ولم تكن نخبوية ، مع وجود الفعل النخبوي ، و لم تكن لتثقل على الناس (إذا أردت أن تطاع فأطلب المستطاع ) ، وإن لم يخلْ المشهد من بطولة إغريقية تمظهرت بألف شكل و شكل.

لقد كانت المعادلة صريحة غير ملتبسة : شعب منتفض يقول لا للمستعمر.

العفوية و الوعي

لئن أفاد استطلاع عام 1988 إن 97% يؤيدون م.ت.ف ، غير أن الشعب أوسع من الفصائل ، ومنذ الشرارة الأولى بدهس عمال جباليا و ديناميات ذلك ، يمكن الزعم أن الوطنية الفلطسينية هي المحرك و الدماء التي تجري في شرايين الانتفاضة ، سواء تجلت هذه الوطنية بالعناصر المنظمة أو غير المنظمة . و في المواقع الانتفاضية كما في قلاع الأسر ، كان على الدوام ثمة عناصر منظمة و أخرى غير منظمة ، ولكن ما كان للانتفاضة أن تستمر سنة و سنوات لولا القوى المنظمة المنتشرة في اللجان الانتفاضية و قيادات "قوم" المناطقية و المحلية و المركزية ، بل و الكثير من المهام التي لا تقوى على تأديتها سوى قوى منظمة.

كان الإضراب الجماهيري العام هو المظهر الرئيس يليه المتاريس و لجان الأحياء و لجان الحراسة ، و الإضراب تقرره "قوم" و ينخرط في المتاريس و لجان الأحياء و العنف الشعبي و التعليم الشعبي و حديقة المنزل و الإعلام و التظاهرات كل الناس مؤطرين في فصائل و غير مؤطرين ، و يجوز القول: إن الفصائل كانت المحرك الصغير الذي يضخ الطاقة في المحرك الكبير. ففي استبانة شملت عينة من 300 في أحد قلاع السجن تبين إن 80% عناصر رسميين و من بين شهداء أحد الفصائل ال 125 كان 75% عناصر منظمة.

علاقة الانتفاضة ب م.ت.ف

قيل فيما قيل أن الانتفاضة جاءت لإنقاذ م.ت.ف التي تراجع وزنها بعد حروب 82 و المخيمات و طرابلس وصولاً إلى تهميشها في مؤتمر قمة عمان ، وقيل أيضا أن النداءات كانت تصدر من تونس ، وهذا أقل ما يمكن قوله فيه إنه قراءة إسقاطية أو أكاديمية منفصلة عن الفعل الانتفاضي ، أما على الأرض فكانت الأمور ، و بإيجاز على النحو التالي:

شهد الوطن المحتل تصاعداً في قمعية المستعمر في سنوات الثمانينيات ، مثلما شهد تصاعداً في أعمال المقاومة و توسعا في القاعدة المؤطرة ، سواء تراجع وزن م.ت.ف أو لم يتراجع، فالأرض المحتلة غدت " مرجل يغلي " كما جاء في أحد التعميمات ، و باتت فعلا على المحك ، بل ولو كانت إمكانات م.ت.ف أفضل كما كان عليه الحال قبل حرب 82 لأمكن إسناد الانتفاضة أكثر.

و بديهي أن فصائل المقاومة في الوطن هي امتداد بنيوي لفصائل المنظمة خارج الوطن ، و الداخل لم ينظر لنفسه كجسم منفصل قط ، ولكن المعركة كانت معركته أولا، فهو في الأتون و يجثم على صدره استعمار إذلالي و ليس اقتلاعياً فقط ، وهذا تكرر في الانتفاضة الثانية أيضا.

و يمكن الجزم أن العوامل الداخلية هي العامل الحاسم، بما يذكرنا بطرفة ماوتسي تونغ عن البيضة البيولوجية و البيضة الحجرية و دفء الفرخة ، ولكن من المقطوع به أن الخارج كان سنيدا ، وإن لم تبلغ المسيرة الفلسطينية بعد مرحلة أن يضرب الشعب بقبضتين في نفس الوقت ، فقد قاتلت البندقية في الخارج مع إسناد جزئي من الداخل ، و انتفض الداخل مع إسناد محدود من الخارج ، أما انتفاضة 2000 فقد تمركزت في الضفة الغربية ليخوض قطاع غزة ثلاثة حروب اعتمادا على نفسه لاحقاً ، وهذا خلل استراتيجي بنيوي لم يرتق، علاوة على ما نتج عن "أوسلو ".

وعن نداءات الانتفاضة فهي صناعة محلية ، وهي استجابة لحركة و إحداثيات الاشتباك الانتفاضي ، و لا يمكن أن تكون إلا كذلك ، سيما و قد انتقل مركز ثقل القضية إلى الداخل في تلكم السنوات.

هل يمكن إعادة إنتاج الانتفاضة ؟

لقد غلب على الانتفاض الكانوني الطابع الشعبي مع دور محدود للسلاح الناري ، فيما غلب على انتفاضة ال2000 السلاح الناري مع دور أقل للمشاركة الشعبية ، وكان للانتفاضة الأولى قيادة موحدة و برنامج شهري وشعار ناظم بعكس الثانية ، ناهيكم إنه لم يكن ثمة سلطة عليها التزمات أوسلوية بعكس اليوم.

و عرفت المسيرة التحررية الفلسطينية كل النماذج ، من نضالات سرية إلى علنية ، اضرابات و تظاهرات إلى انتفاضة ، من حرب عصابات إلى حروب كبيرة ، من نضال ناعم و إعلامي و نظري و نقابي إلى مفاوضات.

أما الشروط الجديدة ، فاللوحة مركبة ، ف "أوسلو " وصلت نهاياتها مع استمرار أهم مركب من مركباتها ، مسار تسووي استمر ربع قرن و اليوم تبخرت أوهامه ، سلطة انقسمت إلى سلطتين متباعدتين نهجاً و خياراً و خط سير ، قانون قومية عنصري يهدد بتطهير عرقي بعد طول لهاث وراء مواطنة متساوية ، دينامية تفكيكية للشعب و مخطط معادي اجتثاثي يدفعه لتوحيد صفوفه و مصيره ، صفقة قرن إقليمية إحدى حلقاتها تصفية القضية الوطنية و صمود محور المقاومة و انتصاراته و احتمالات نشوب حروب جبهوية و إقليمية ، صراع دولي جيو سياسي و تجاري يتفلت من محاولات ضبطه ، سقوط مشاريع محافظة و داعشية قطر ية بما يمهد لانطلاق مشروع نهضوي عربي ، ففي اللوحة عناصر كبح و عناصر حفز ، ولكن عناصر الحفز أقوى ، و الكلمة الفصل هي في القدرة على الاستجابة.

و الوطن المحتل بدوائره الثلاث مقبل على لحظة الحقيقة بالإجابة عن سؤال الوجود وسؤال الحرية و سؤال المستقبل التي تتجمع في سؤال واحد : ما العمل ؟ و لن يطول به الوقت للإجابة عن السؤال ، بما يستولد نموذجاً هو مزيج من كل تجارب الأمس ، يحاثيه تجديد في حركة التحرر أداء و أدوات ، " إذ تأتي لحظات في التاريخ إما أن تنخرط فيها أو تبقى في معزل " انجلز.

وسوف تتأثر الجدلية الفلسطينية و الخيارت الفلسطينية ليس بعواملها الداخلية فقط و إنما أيضا بالجدلية الإقليمية و العالمية.

باحث وكاتب فلسطيني

انشر المقال على: