دور الإمارات في مشروع التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس" محمد محفوظ جابر شكلت عملية استخدام برنامج التجسس الصهيوني بيغاسوس اكبر فضيحة تجسس جماعية في العالم تنفذها الامارات بجهاز صناعة اسرائيلية لشركة اميركية واخرى اسرائيلية. فقد ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أن أكثر من 400 بريطاني استهدفهم برنامج التجسس الصهيوني باسم بيغاسوس بين عامي 2017 و 2019. و تتضمن القائمة المسربة رقم البارونة البريطانية، أودين، العضو في مجلس اللوردات التي قالت لصحيفة الغارديان إنه إذا كان هناك تجسس على البرلمانيين البريطانيين فسيكون ذلك بمثابة "خيانة كبيرة للثقة". وذكرت صحيفة الغارديان أن رقم هاتف ابنة الشيخ محمد الأميرة لطيفة يظهر على القائمة المسربة، ويذكر ان الأميرة حاولت الفرار من الدولة الخليجية الثرية في 2018، لكن تم احتجازها من قبل الكوماندوز في قارب قبالة الهند فيما وصفته منظمة “هيومان رايتس ووتش” بأنه قد يكون “اختفاء قسريا”. وتشمل القائمة أيضا رقم الصحافي المكسيكي سيسيليو بينييدا بيرتو الذي قتل بعد أسابيع قليلة من ظهور اسمه في الوثيقة، كما ورد في القائمة رقمان يعودان لامرأتين من أقرباء الصحافي السعودي جمال خاشقجي (خطيبته وزوجته) الذي قُتل في اسطنبول. وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن هوية أبرز الشخصيات السياسية التي وردت أرقام هواتفها في قائمة من خمسين ألف رقم هاتف، ومن بين الشخصيات الأخرى المدرجة على القائمة آية الله السيستاني وسيد عمار الحكيم ورؤساء أوروبيون، من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وكشفت الصحيفة البريطانية: "إن تحليل البيانات يظهر أن الحكومة الرئيسية المسؤولة عن اختيار أرقام هواتف أفراد معينين للتجسس بواسطة شركة بيغاسوس هي الإمارات المتحدة العربية". وقد نفت وزارة الخارجية الإماراتية، ما وصفته بـ"مزاعم" حول مراقبة الإمارات صحفيين وأفراد، ضمن عدد من الدول، ورد اسمها في تحقيق دولي بأنها استخدمت برنامج بيغاسوس الإسرائيلي للتجسس. وكانت صحيفة واشنطن بوست ذكرت في تقريرها أن التحقيق الذي أُجري بمساعدة منظمة العفو الدولية و"فوربدن ستوريز"، وهي مؤسسة صحفية غير ربحية مقرها باريس، قد تمكنت "من التعرف على أكثر من 1000 شخص في أكثر من 50 دولة من خلال البحث ومقابلات في أربع قارات." في الواقع، تعد الإمارات العربية المتحدة واحدة من 45 دولة لديها حق الوصول إلى برنامج التجسس هذا، والتي بموجبها يمكنها الحصول على معلومات سرية على الهواتف المحمولة. والسؤال هو لماذا التركيز على اتهام الامارات ؟ ان التقرير يتحدث عن استخدام برنامج التجسس الصهيوني بيغاسوس بين عامي 2017 و 2019، أي قبل التطبيع العلني، والكل يعلم ان التطبيع السري بدأ في سبعينات القرن الماضي وكان تطبيعا أمنيا بين الموساد والامن الاماراتي وتطور من خلالهم بعد تقاعدهم في التجارة وغيرها. وذكرت نيويورك تايمز إن دولة الإمارات العربية المتحدة اشترت من الشركة برامج ساعدتها في التنصت على زعماء دول مجاورة ورئيس تحرير إحدى الصحف العربية في العاصمة البريطانية.(BBC عربي 14مايو/ أيار 2019) وقالت الصحيفة في شهر أغسطس/آب 2018 إن دولة الإمارات العربية المتحدة تستخدم برامج قرصنة منذ أكثر من عام (أي 2017) ونجحت في تحويل هواتف معارضيها في الداخل وخصومها الإقليميين إلى أجهزة تجسس عليهم. وأوضحت الصحيفة إن NSO هي مصدر هذه البرامج، وأضافت أن من بين الوثائق التي تضمنتها الدعاوى المرفوعة ضد الإمارات رسائل بريد الكتروني أرسلها مسؤولون إماراتيون إلى الشركة يستفسرون فيها عن إمكانية "تسجيل مكالمات أمير قطر وأمير سعودي متنفذ يقود الحرس الوطني السعودي ورئيس تحرير صحيفة عربية تصدر في لندن". وفي العام الماضي، في أعقاب اتفاقية التطبيع بين "إسرائيل" والإمارات، ذكرت صحيفة “هآرتس” أن الحكومة الإسرائيلية توسطت رسميا في بيع برامج تجسس لإمارتي أبو ظبي ورأس الخيمة ودول اخرى. وكان المحامي الإماراتي المعارض والناشط في مجال الدفاع عن حقوق الانسان أحمد منصور قد تلقى رسلة نصية على هاتفه جاء فيها أن المرسل لديه أدلة على عمليات التعذيب السرية التي تجري في سجون الإمارات العربية. لكن منصور ارتاب في الأمر ولم يفتح الرابط المرفق بالرسالة بل حوّلها إلى الخبراء في مختبر سيتيزن لاب في كندا الذي يعمل في هذا المجال.(BBC عربي 14 مايو/ أيار 2019). وتبين للمختبر أن برنامج القرصنة المرسل لأحمد منصور هو من أكثر البرامج تطوراً وتعقيداً ولم يسبق أن شاهدوا مثيلاً له وتأكدوا من أن NSO هي التي أنتجت هذا "السلاح المتطور". ويمكن برنامج شركة NSO ، “بيغاسوس”، اختراق الهواتف المحمولة دون علم المستخدمين، مما يتيح للعملاء قراءة كل رسالة وتتبع موقع المستخدم والاستفادة من كاميرا الهاتف والميكروفون، بالوصول إلى الرسائل والصور وجهات الاتصال وحتى الاستماع إلى اتصالات مالكه. مؤسس شركة NSO نفى أي صلة للشركة بالقائمة التي كشفت عنها منظمة "فوربيدن ستوريز" ومنظمة العفو الدولية. وفي مقابلة مطوّلة مع الملحق الأسبوعي لصحيفة "يسرائيل هيوم"، أقرّ مؤسّس ومدير عام شركة NSO الإسرائيلية، التي طوّرت برنامج "بيغاسوس" للتجسّس، شاليف حوليو، أن بإمكان شركته الاطلاع على الهواتف المستهدفة من قبل الدول التي باعها البرنامج. هذا يعني ان كل ما يتم من تجسس يكون بعلم الشركة. وتابع حوليو أن لـNSO اليوم 45 زبونا، ولكل زبون، وفق الرخصة، مسموح أن يلاحق 100 هدف سنويا بالمعدّل. من يختار هذه الأهداف هو الزبون، و NSO ليست مشاركة في الاختيار أو التعقّب. وقال وزير الدفاع بيني غانتس إن إسرائيل توافق على تصدير التكنولوجيا إلى الحكومات فقط “لأغراض منع الجرائم والإرهاب والتحقيق فيها". فهل انطبق ذلك على الامارات. و"أثناء جلسة الاستماع بشأن طلب إلغاء ترخيص NSO، اقترح القاضي الإسرائيلي مناحيم مازوز على وزارة الحرب وقف جميع الالتماسات، ونقل كل شيء إلى النقاش السري، لأن بعض صفقات بيع تلك الأجهزة الإلكترونية التابعة لمنظومة بيغاسوس تتم مع دول لا توجد معها علاقات دبلوماسية، ومنها دول عربية مثل الإمارات". (قبل اعلان التطبيع الرسمي). ان شركة (NSO) بيعت لشركة فرانسيسكو الأمريكية عام 2014م بمائة وثلاثين مليون دولار، ثم استعادت "إسرائيل" ستين في المائة من رأسمالها. وحسب مؤشر المراقبة الدولي فإن وحدة النخبة في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية التي تحمل رقم 8200 هي التي مولت الشركة لدى انطلاقها. ويدعي مؤسس الشركة ان شروط استخدام برنامج البيغاسيوس الخطير، يرتكز على شروط الجيش الإسرائيلي وشروط التعاون مع (أمريكا) في تحديد الدول المسموح تسويق البرنامج لها، فهو لا يُسوق للدول التي تنتهك حقوق الإنسان! بينما واجهت الإمارات اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان، وقد خلص تقرير هيومان رايتس ووتش لعام 2020 إلى أن “مئات النشطاء والأكاديميين والمحامين يقضون عقوبات مطولة في السجون الإماراتية، في كثير من الحالات بعد محاكمات جائرة بتهم غامضة وواسعة تنتهك حقوقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات. اذن كيف تمت الامور وهل هناك تفاهمات رسمية بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والامارات؟ ان عملية التجسس لم تتوقف عند خرق حقوق الانسان، بل تعدتها الى جرائم خطف وقتل، فلماذا تغفو عين العدالة الدولية عندما تتعلق الجرائم بالإمبريالية الامريكية و"اسرائيل" وادواتهما.