خيارات نتانياهو الضيقة
د. فايز رشيد
أزمات متلاحقة تعصف برئيس الوزراء الصهيوني، فبعد انسحاب حزب "كاديما" بزعامة شاؤول موفاز من الائتلاف الحكومي، تراجعت قوة نتنياهو، وبعد أن كان ائتلافه يحظى بـــ94 معقداً في الكنيست، أصبح الآن مدعوماً بـــ66 نائباً فقط. صحيح أن الرقم الأخير هو أغلبية أيضاً لكن سبب انسحاب كاديما من الحكومة: هو الاختلاف مع نتنياهو على تجنيد الشباب المتدنيين اليهود (الحريديم) في الخدمة العسكرية للجيش، فيما يعرف بـ"قانون طال". كاديما مع التجنيد ونتنياهو بسبب الضغوط عليه يقف ضد ذلك. القانون ما يزال يشكل عائقاً أمام استمرار الحليف الأبرز لائتلاف نتنياهو الحالي: "حزب إسرائيل بيتنا" بزعامة الفاشي ليبرمان، في الحكومة، فمعروف أن الأخير هو مع القانون (أي التجنيد وأيضاً تجنيد الشباب العرب في الخدمة المدنية)، لكن رئيس الوزراء وبسبب ضغط الأحزاب اليمينية والدينية المتطرفة، أساسا، التي تدعو إلى عدم التجنيد، قام بحل (لجنة بلاسنر) وبذلك قطع الطريق على هذا القانون.
من ناحية ثانية، وفي إحصائية إسرائيلية: فإن 14 إسرائيلياً حاولوا حرق أنفسهم خلال أسبوع واحد، وإسرائيلي آخر أضرم النار في نفسه ومات حرقا (بعد وفاة موشيه سليمان الذي أشعل النار في نفسه سابقاً وأصيب بحروق شديدة بقي على أثرها بضعة أيام في المستشفى). الرقم بالطبع كبير إذا ما قيس بالدولة التي تتغنى بما تحققه من (رفاه) لمن يسكنونها. هذا الرقم هو دليل على عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في الكيان الصهيوني، فمعروف أنه وقبل عام (في مثل هذه الأيام) قامت أكبر تظاهرات في تاريخ إسرائيل، احتجاجاً على ارتفاع أسعار البيوت وغلاء استئجارها، وأيضاً احتجاجاً على سوء الأحوال المعيشية وترديها في الدولة الصهيونية. الأسبوع الماضي وفي ذكرى احتجاجات العام الماضي (شارك في أكبرها قبل عام نحو 250 ألف شخص) قامت مظاهرة في تل أبيب، وأخرى في حيفا وفي بعض المدن أيضا، وقوام كل منها حوالي بضعة آلاف من الإسرائيليين. موضوع "حرق الإسرائيليين لأنفسهم" آثار وما يزال عاصفة من الانتقادات اللاذعة لنتنياهو شخصياً ولسياساته الاقتصادية المنحازة دوماً للأغنياء على حساب الفقراء والطبقة الوسطى.
وفقاً للعديدين من المراقبين فإن الحكومة الحالية غير مؤهلة ولا قادرة على إيجاد الحلول للتحديات الاقتصادية التي تواجه دولة الكيان الصهيوني. أحد أسباب ذلك: أن نتنياهو وفي سبيل إنجاح ائتلافه الحكومي الحالي كان مضطراً للاستجابة لاشتراطات الأحزاب الدينية واليمينية، التي ابتزت وما تزال الحكومة الإسرائيلية الحالية، في تقديم المساعدات المالية لمشاريعها ومدارسها الدينية . وفقاً للخبراء الاقتصاديين أيضاً فإن هذه الأموال جرى اقتطاعها من حسابات أشكال الضمان المختلفة للإسرائيليين، مما خلق إشكالات كبيرة لهم.
من الملفات الشائكة التي يواجهها نتنياهو وحكومته: الموضوع النووي الإيراني، فهو اعتبر هذه المسألة في خطابه الأول في جامعة بار إيلان بعيد تشكليه للحكومة الحالية: التحدي الأول الذي تجابهه إسرائيل. المستجد في هذه القضية هي العملية العسكرية التي استهدفت حافلة سياحية تحمل ركاباً إسرائيليين في بلغاريا. نتنياهو (وأركان حكومته) وقبل أن يتبين الخيط الأبيض من الآخر الأسود، وجهوا اتهامات (على وجه السرعة) لإيران ولحزب الله بالقيام بالعملية. في زيارتها الأخيرة للدولة الصهيونية فإن كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية حاولت تبريد الباروميتر الإسرائيلي مرتفع الحرارة بالنسبة للمشروع النووي الإيراني، فالولايات المتحدة خلال الفترة الحالية منشغلة بالانتخابات الرئاسية، وهي ليست في وارد التعامل مع ما يترتب من نتائج على ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران، غير أن نتنياهو يستعجل توجيه الهجوم.
أيضاً فإن ما أصبح يعرف "بالأسلحة الكيماوية السورية" يشكل ملفاً جديداً لنتنياهو،الذي كرر تصريحه مراراً: بأن إسرائيل لن نسمح بانتقال هذه الأسلحة إلى لبنان وإلى حزب الله.
هذه الملفات تشكل في مجموعها أزمات لنتنياهو وحكومته، فليس أمامه لتحويل أنظار الإسرائيليين عن هذه الملفات وبخاصة الأزمات الداخلية المتعلقة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي، والملفات الساخنة الخارجية الأخرى، سوى الذهاب إلى حرب خارجية على ما يعتبره "جزءاً من محور الشر" وهذه لن تكون نزهة بالطبع، فمثال عام 2006 في حرب تموز ما يزال ماثلاً في الأذهان وبخاصة أننا عشنا ذكراها قبل أيام قليلة.
الخيار الثاني هو: الذهاب إلى انتخابات مبكرة لن تضمن له القوة والنتائج التي يريدها بسبب من عوامل كثيرة. على العموم فإن الأحداث تتلاحق بشكل تسارعي، والنتيجة لن تطول في ظهورها.