حول المطالبة الشعبيّة بتنحّي أبو مازن تاريخ النشر: 23/09/2021 سليمان أبو ارشيد استطلاع الرأي الذي أظهر أن 80% من أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع يطالبون بتنحي الرئيس محمود عباس من منصبه، يعكس إجماعا فلسطينيا واسعا ليس على فشل الرجل فقط، بل وفشل النهج الذي قاده ووصوله إلى طريق مسدود، إذ أظهر الاستطلاع هبوطا حادا في شعبية حركة فتح التي تقود السلطة الفلسطينية ويتزعمها أبو مازن (19%) مقابل منافستها حركة حماس (45%). وقد كان واضحا أن قرار عباس الأخير بإلغاء الانتخابات الفلسطينية التي أعلن عنها بتوافق الفصائل الفلسطينية، والذي اتخَذ من رفض إسرائيل إجراءَها في القدس ذريعة لإلغائها، كان نابعا أساسا من تقديرات شبه مؤكدة بأن حركة فتح التي يتزعمها، ستمنى بهزيمة محقّقة في القطاع وفي الضفة الغربية، مقابل تعاظُم قوة حركة حماس في منطقتي الحكم الذاتي الفلسطيني المنقسمتين. والحقيقة هي أن كل ما يُقال حول مسألة جيل الرجل الثمانيني صحيح، ولكن كُتب التاريخ تزخَر بالقادة الكبار الذين أبلوا بلاءً حسنا في خريف عمرهم أيضا، وظلّ انتخابهم بشكل ديمقراطيّ، مثل تشرتشل وميتران وبن غوريون وغيرهم. كما أن مثال بايدن الذي يبدأ ولايته الرئاسية وهو في الثمانين من عمره، حاضر أمامنا، وهذا ما يحيلنا إلى سياسة ونهج أبو مازن الذي بدأ يتلمّس طريق التسوية في مرحلة مبكرة من عمر منظمة التحرير الفلسطينية، وليس إلى عمره. منذ عام 1977 قاد أبو مازن مفاوضات مع الجنرال احتياط ماتي بيلد، أفضت إلى إعلان مبادئ للسلام على أساس حلّ الدولتين، كما شارك في مفاوضات سرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين بوساطة هولندية عام 1989، قبل أن يقفز عام 1991 على عربة مؤتمر مدريد للسلام، وعمل على تنسيق المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، ويتحول إلى مهندس اتفاق أوسلو الذي وُقّع عام 1992، وأسفر عن إقامة السلطة الفلسطينية، هذا ناهيك عن أن رئاسته للحكومة الفلسطينية المستحدثة عام 2003، جاء بتوافق إسرائيلي- أميركي عليه كبديل براغماتي لياسر عرفات، قبل أن يُجرى انتخابه عام 2005 رئيسا للسلطة، بعد اغتيال عرفات. وبقطع النظر عن دور أبو مازن في عملية تحييد عرفات وعزله، وإلى تسميمه وقتله لاحقا، فإن "مقتل" أبو مازن كان في التنازل عن الأشياء التي رفض التنازل عنها عرفات، وأولها إنهاء الفترة الانتقالية التي نصّ عليها اتفاق أوسلو، والبالغة خمس سنوات وضرورة حسم قضايا الحل النهائي، وهو ما جرّ الفترة الانتقالية إلى نحو ربع قرن، وحوّلها من حلّ مؤقت إلى حل دائم، وثانيها حلّ الكتائب المسلحة التابعة لحركة فتح (كتائب الأقصى) وملاحقة الكتائب المسلحة التابعة للفصائل الأخرى، ممّا حوله إلى حارس لأمن إسرائيل، وأسقط كرت المساومة الوحيد الذي كان بأيدي الفلسطينيين. في ظلّ استنكاف إسرائيل عن التقدم في مسار أوسلو نحو قضايا الحل النهائي، بل وإعادة احتلال المدن الفلسطينية ذات الحكم الذاتي، واستباحتها وتدمير ما ندر من مظاهر السيادة الفلسطينية التي تمثّلت بمطار غزة وطائرة الرئيس، بات التزام أبو مازن بالتنسيق الأمني الذي تطلب التخلي عن السلاح الفلسطيني وملاحقته، بمثابة تطبيق من طرف واحد لاتفاق أوسلو، حوّل السلطة إلى مجرّد وكيل أمنيّ لدى إسرائيل، عزز من ذلك فكّ الارتباط مع غزة من طرف واحد وما تبعه من انقسام وسيطرة لحماس على القطاع، والذي غذّته مصلحة إسرائيلية بفصل القطاع عن الضفة الغربية. في ظلّ هذا الواقع، يبدو أن الانقسام بات مصلحة مشتركة، فإسرائيل تريده لمواصلة عزل قطاع غزة وتنفيذ مشاريع الضمّ والسيطرة في الضفة الغربية، وحماس لا تقاومه لإبقاء سيطرتها وسلطتها على قطاع غزة، وأبو مازن يقبله كنوع من المقايضة، أو القسمة العادلة أو غير العادلة بينه وبين حماس. ولكن في ظلّ حالة التجزئة تلك، نشأت أيضا حاجات حياتية ومعيشية، يومية وديمقراطية جلبت النقد وزادت النقمة على سلطة أبو مازن بالذات، لكن كونها لم تتمظهر على شكل احتجاجات في القطاع كما هو حال الضفة، لا يعني عدم وجودها هناك، وبتعبير آخر، بروز وجه ديمقراطي للنضال أيضا في مناهضة قمع أجهزة الأمن وسجونها، وفي ضوء تفاقم الأزمات الاقتصادية نتيجة سياسة الإلحاق والحصار الاحتلالي، وهو خنق وقمع مبرمَج يمهّد للانفتاح الذي سيجلبه مخطّط تقليص الصراع والسلام الاقتصادي.