جرائم حرب ترتكبها إسرائيل في عدوانها المتواصل على قطاع غزة تستوجب العقاب
* المحامي علي ابوهلال
مجزرة مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة، التي ارتكبتها إسرائيل "القوة القائمة بالاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة" يوم السبت الماضي 15/5/2021 ليست جريمة الحرب الوحيدة التي ترتكبها قواتها المسلحة أثناء عدوانها المتواصل على قطاع غزة، منذ العاشر من شهر أيار الجاري، بل هي الجريمة الأكثر وضوحا باعتبارها جريمة ضد الإنسانية أيضاً، هذه المجزرة وغيرها لا يمكن لحكومة نتنياهو انكارها أو تبريرها، حيث شن الطيران الحربي الإسرائيلي غارة جوية على منزل للسكان المدنيين، وأدى القصف إلى تدميره فوق رؤوس ساكنيه، ما تسبب في استشهاد 10 مدنيين بينهم 8 أطفال وامرأتان، وصلوا مستشفى “الشفاء” عبارة عن أشلاء متناثرة، جراء قصف الاحتلال منزلاً لعائلة “أبو حطب” بمخيم الشاطئ غربي مدينة غزة.
وكشفت مصادر طبية أسماء 8 من الشهداء وهم: يامن أبو حطب، 5 أعوام، وبلال أبو حطب، 10 أعوام، ويوسف أبو حطب، 11 عاماً، مها الحديدي، 36 عاماً، وعبد الرحمن الحديدي، 8 أعوام، وصهيب الحديدي، 14 عاماً، ويحيى الحديدي، 11 عاما، إلى جانب ياسمين حسان، 31 عاماً. وذكر وكيل وزارة الصحة بغزة يوسف أبو الريش، إن الناجي الوحيد من مجزرة الشاطئ هو طفل رضيع لم يتجاوز شهرين.
جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدوانها المتواصل على قطاع غزة، شملت أيضا تدمير منازل أخرى للسكان المدنيين، وأدت إلى قتل وجرح عدد كبير من المدنيين، بالإضافة إلى تدمير الأبراج السكنية والتجارية التي ضمت شقق سكنية ومكاتب ومقرات للقنوات الفضائية والوكالات الإعلامية والصحفية العربية والأجنبية، كما ضمت مكاتب للمحامين ومقرات لمؤسسات أهلية، كما شملت تدمير البنية التحتية والشوارع وشبكات الكهرباء والمياه، والمساجد والأعيان المدنية الأخرى. وقد أدى ذلك إلى تهجير عدد كبير من السكان المدنيين الذين دمرت منازلهم أو تضررت بواسطة القصف الإسرائيلي الوحشي ولجؤهم للإقامة في مدارس وكالة الأونروا. عمليات القتل العمد وعمليات القصف الجوي العنيف والوحشي التي قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين والأعيان المدنية، أدت إلى قتل وجرح الآلاف من المدنيين، وتهجيرهم من منازلهم، تنطوي أيضا على جريمة الإبادة الجماعية التي تقوم بها قوات الاحتلال.
كل هذه الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال في قطاع غزة أثارت الإدانة والتنديد من قبل المجتمع الدولي كافة، حيث طالبت العديد من المنظمات الدولية، بوقف هذه الجرائم ومعاقبة مقترفيها لدى المحكمة الجنائية الدولية. وأعربت المدعيّة العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، عن قلقها إزاء تصاعد العنف في قطاع غزة، والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، محذرة من وقوع جرائم محتملة. وقالت بنسودا في تغريدة "ألاحظ بقلق بالغ تصاعد العنف في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وكذلك في غزة ومحيطها، وثمة احتمال ارتكاب جرائم بموجب نظام روما الأساسي (المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية)".
تنطوي العمليات الحربية التي تقوم بها قوات الاحتلال الاسرائيلي في قطاع غزة وبمواجهة سكانه المدنيين على انتهاكات خطيرة لأحكام القانون الدولي الانساني- التعاقدي والعرفي- إذ أنها مخالفة لأحكام لائحة لاهاي لعام 1947 المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية، وتحديداً للمادة 25 والتي تحظر مهاجمة أو قصف المدن والقرى والمساكن والمباني غير المحمية أياً كانت الوسيلة المستعملة، والمادة 46 التي تنص على وجوب احترام شرف الأسرة وحقوقها، وحياة الأشخاص والملكية الخاصة، والمعتقدات والشعائر الدينية، وعلى عدم جواز مصادرة الملكية الخاصة.
كما تمثل الاعتداءات الإسرائيلية العنيفة انتهاكات جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب لسنة 1949 كالمادة 33 التي تحظر العقوبات الجماعية وكافة تدابير التهديد أو الإرهاب بمواجهة الأشخاص المحميين، وتحظر الاقتصاص من ممتلكاتهم، والمادة 53 التي تحظر على دولة الاحتلال تدمير أي ممتلكات ثابتة أو منقولة تعود للأفراد أو للجماعات، أو للدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير.
ان استهداف المدنيين بذريعة وجود أفراد لا ينطبق عليهم تعريف المدنيين بينهم ليس من شأنه أن يجرّد المدنيين من صفتهم المدنية، ما يعني أنه لا يجيز استهداف وقصف الأماكن المتواجدين فيها كما هو منصوص عليه في المادة 51 (3) من البروتوكول الأوّل المضاف لاتفاقيات جنيف لعام 1977. ووفقاً لأحكام المادة 51 من البروتوكول تمتع السكان المدنيين بالحماية بمواجهة الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية، ولا يجوز أن يكونوا عرضة أو محلاً للهجوم، وتحظر كافة أعمال العنف أو التهديد الرامية إلى بث الذعر بينهم، وتحظر الهجمات العشوائية التي لا توجّه إلى هدف عسكري، أو من شأنها أن تصيب الأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين أو الأعيان المدنية دون تمييز.
وتعتبر هذه الاعتداءات مخالفة خطيرة لأحكام المادة 55 من البروتوكول والتي تقضي بوجوب حماية الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، وتحظر مهاجمتها أو تدميرها أو تعطيلها كالمواد الغذائية والمناطق الزراعية والمحاصيل التي تنتجها الماشية ومرافق الشرب وشبكاتها وأشغال الريّ.
ان العمليات العسكرية العدوانية العنيفة التي تقوم بها قوات الاحتلال في عدوانها المتواصل على قطاع غزة هي مخالفة لكافة القواعد والأحكام السالفة الذكر، وكذلك للمبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي الانساني. فما يجري في قطاع غزة نتيجة استمرار قوات الاحتلال الاسرائيلي والتمادي في استخدام القوة التدميرية ضد المدنيين الفلسطينيين واستهداف المناطق والأحياء السكنية بالقصف العشوائي المكثف من الجو والبر والبحر وتدمير المنشآت والممتلكات المدنية العامة والخاصة هو بمثابة جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.
إن تقاعس المجتمع الدولي حتى الآن عن حماية الشعب الفلسطيني، وفشل مجلس الأمن بممارسة صلاحياته المتمثلة بحماية السلم والأمن الدوليين وإعادتهما إلى نصابهما عبر وقف العدوان الاسرائيلي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وباتخاذ الإجراءات الكفيلة بتأمين الحماية للفلسطينيين من جرائم قوات الاحتلال من شأنه أن يزعزع الثقة بالقانون الدولي وبمبادئ القانون الدولي الانساني وبحقوق الإنسان ويحط من مكانتها بين المجتمعات.
وعلى الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة العمل بالقرار 377 "الاتحاد من أجل السلام" لسنة 1950 الدعوة الفورية لانعقاد دورة طارئة في سبيل إعادة الأمن والسلم إلى نصابهما، وذلك في ظل فشل مجلس الأمن في حماية الأمن والسلم، ومواصلته التقاعس عن القيام بمسؤولياته، المتمثلة بإلزام حكومة الاحتلال على وقف العدوان في قطاع غزة بما يحفظ الأمن الدولي، فلم تعد مواقف التنديد الدولية كافية لوقف العدوان التي يتعرض له شعبنا في قطاع غزة وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل ينبغي التحرك العاجل لوقف هذه الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال ضد شعبنا فورا، وتقديم مرتكبيها إلى المحكمة الجنائية الدولية حتى لا يفلت هؤلاء المجرمين من العقاب، توطئة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، وضمان حق شعبنا في العودة والحرية والاستقلال وتقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.