غسّان كنفاني في ذكراه..
ثقافةُ الاشتباك.. من صفحاتِ الرّوايةِ إلى زقاقِ المخيّم
الإثنين 10 يوليو 2023 | 09:21 م
خاص بوابة الهدف
تزامنتْ ذكرى استشهاد الأديب الفلسطيني غسّان كنفاني الـ51 هذا العام، مع الانتصارِ الملحميّ الذي سطّره المقاومون في مخيّم جنين؛ وذلك بعد أنّ أفشل شبابُ المخيّم هذا العدوان الذي هدَفَ الاحتلال من ورائه القضاءَ على المقاومة. المخيّماتُ الفلسطينيّة كانت وما زالت مصدر قلقٍ للاحتلال، لا سيّما أنّ فعلها النضالي في السنوات الأخيرة في تصاعدٍ ملحوظ، فهذا هو المُخيّم الذي حرّضه غسّان على مقاومة المحتل، وحرّض شبابه وسكّانه على الاشتباك الدائم والثورة ضد الظلم والاستعمار؛ سعيًا إلى تحرير الأرض والإنسان، والخروج من صورة المخيم السائدة على اعتبار أنّه مكان للفقر والشقاء والبؤس. في هذه الذكرى، وربطًا بما سطّره أبناء مخيم جنين وغيره من المخيمات على امتداد الضفة المحتلة؛ نسأل هنا: كيف انعكس أدب غسّان كنفاني ومحتوى رواياته المختلفة على الشباب الفلسطيني، خاصّة أبناء المخيمات الذين أكّدوا وما زالوا على رفضهم للجوء وامتشقوا السلاح في سبيل ترجمة هذا الرفض؟! كلمات غسّان عن الرفض والمقاومة حاضرة دومًا يقول مدير مركز "عروبة" للأبحاث والتفكير الاستراتيجي، الكاتب والباحث في الشأن السياسي أحمد الطناني، إنّ "غسّان كنفاني يحضر في كل مشهدٍ وكل زقاق وكل شاب، لا يمكن أن نكون أمام مشهد اشتباكٍ أو مواجهة مع الاحتلال أو تفاصيل استشهادٍ لمقاوم أو عملية فدائية دون استشعار كلمات غسّان عن الرفض والمقاومة". وأوضح الطناني في مقابلةٍ مع "بوابة الهدف"، أنّ "هذا ما نراه في كل فلسطيني أصبح ندًّا للاحتلال، ورفض الخنوع وأبى إلّا أن يواجه آلة القتل الصهيونيّة متمسكًا بأرض البرتقال الحزين، قارعًا جدران الخزان، ورافضًا القبول باشتراطات أبو الخيزران، فالوطن هو ألا يحدث كل هذا، الوطن هو ما يمثّل إصرار الشباب المنتفض وعنفوانهم، الذي يأبى أن يرتد دون أن ينتزع جنته في وطنه وأرضه، أو يرتقي شهيدًا وهو يحاول، فهذا إرث غسان وكلماته التي زيّنت بنادق الشهداء وصفحاتهم ووصاياهم، التي كتبت (لا تمت قبل أن تكون ندًّا)". غسان.. النموذج الأوّل للمثقف المشتبك وأكَّد الطناني، أنّ "غسّان كان النموذج الأوّل للمثقّف المشتبك، الذي تحوّل إلى منارةٍ في الفداء لأجل الوطن، حاملًا قلمه وكلماته وقناعاته بأنّ هذا الوطن يحتاج إلى البنادق التي لم تكن كل الكلمات سوى تعبير صفيقٍ عن غيابها، وهو ما كان في جيلٍ كامل رفع عن كاهله مرارات الهزائم، وخلق من الواقع المستحيل فرصةً لمواجهة أعتى الآلات العسكريّة الصهيونيّة بنديّة غسّان ووصيته بأن لا مكان للموت الطبيعي في المواجهة، بل للموت بين زخات الرصاص مشتبكين، في ملاحم يوميّة شكّل فيها هؤلاء الشباب الأبطال نبوءة غسان بأجيالٍ تتمسّك بأرضها، لا تُهادن ولا تتراجع وتحوّل من كل شهيدٍ قضية تكون مهمة الباقين حملها والدفاع عن دربها وحلمها ب فلسطين محرّرة". وختم الطناني حديثه مع "الهدف"، مشدّدًا أنّ "هذا هو غسّان كنفاني الذي شكّل مكوّنًا أساسيًّا في وعي كل شابٍ مشتبك". الصمود الأسطوري الذي يسطّره أبناء شعبنا يوميًا في وجه آلة العدوان الصهيوني ينبع من نهجٍ مقاومٍ لا يُهادن، نهج لا يعرف تصفيف الكلمات، كقادة المستوى السياسي، موقف خرج من بين الأزقة والمخيمات يصرخ في وجه أنصاف المواقف، ويؤكّد ما قاله الرفيق غسّان كنفاني "إذا أردت أن تحصل على شيء ما، فخذه بذراعيك، وكفيك، وأصابعك". أدب غسان ارتبط بقضايا وهموم الشعب يُشير الكاتب والمحلّل السياسي نهاد أبو غوش، إلى أنّه "يمكن قراءة غسّان من زاويتين؛ الأدبيّة والوطنية، فمن الزاوية الأدبيّة نرى أن غسّان دشّن اتجاهًا خاصًّا في الأدب الفلسطيني والعربي، وهو ارتباط الأدب بقضايا الشعب وهمومه والنضال الوطني والتحرير، وإظهار الطاقات الكامنة لدى الفلسطيني الجديد الذي تشرّد من أرضه، وخرج من دمار النكبة؛ أي إنّ غسّان بحث عن المتمرد والثائر داخل هذا الإنسان الفلسطيني وأبرزه". ومن الزاوية الوطنيّة، يرى أبو غوش خلال حديثه مع "بوابة الهدف"، أنّ "غسان كان معجزة، وكان مثقّفًا عضويًّا وفق تعريف غرامشي، وكان مشتبكًا مع قضايا شعبه، كما كان رياديًّا وطليعيًّا وفنانًا وأديبًا وصحفيًّا وقائدًا سياسيًّا، أي جمع المهارات الإبداعية في شخصٍ واحد جسمُهُ ضئيلٌ ومريض بالسكري، لكنّه كان دائمًا في سباقٍ مع الحياة ليُخرج لنا كل هذا الإنتاج المعرفي والفكري والأدبي، وبعد رحيله تبجّحت غولدا مائير وقادة الاحتلال بأنّهم قضوا على لواءٍ عسكري كامل". النموذج الحقيقي للفلسطيني وتابع أبو غوش: "سيظل غسّان كنفاني مشعلًا ينير الطريق لكل من جاء بعده من المفكرين والأدباء والمناضلين، كونه النموذج الحقيقي للفلسطيني، كما سيبقى الطريق الذي رسمه منهجًا للأجيال الحالية والقادمة". كما بيّن أبو غوش، أنّ "الثورة هي من حوّلت المُخيّم من رمزٍ للبؤس والمعاناة؛ نتيجةً للمعاناة والنكبة الفلسطينيّة، لكنّ هذه النكبة ولّدت المقاومة، وحوّلت المخيم إلى بؤرة ثوريّة، وكان هناك رموز لهذه الحالة، والكثير من الروايات التي تحدّثت ونقلت صورة المخيم، أظهرته مكانًا ينبض بالحياة ويتمسّك بالوطن، بالرغم من أنّ المخيم هو محطّة للانتظار على طريق العودة". وفي ختام حديثه مع "الهدف"، أكَّد أبو غوش، أنّ " غسان كنفاني بشفافيّةٍ وبراعة ومن خلال إنتاجه الأدبي وتصويره للمخيم، دفع عديد الأدباء على مستوى العالم للنظر إلى المخيم بطريقةٍ إبداعية، كما جسّدها غسّان، على قاعدة أنّ المخيم ليس محطّة للشفقة والتعاطف، بل للنضال والمقاومة، واليوم، المطلوب هو إسناد هذا النضال من جميع قوى التحرّر على مستوى العالم".