تونس: ندوة حول المشروع القومي العربي في ذكرى رحيل جورج حبش
أقام المؤتمر الدولي للتضامن النضالي التشاركي مع الشعب الفلسطيني، ندوةً فكرية تحت عنوان "المشروع القومي العربي الراهن التحديات والاستراتيجيات"، بمناسبة الذكرى 12 لرحيل الحكيم جورج حبش .
وتمت الندوة في مقر المنتدى الاقتصادي الاجتماعي التونسي، وقد أدار أعمالها سمر عبد العظيم رئيسة منتدى "أدب أرض فلسطين"، وقد تم افتتاح الندوة الندوة بالنشيديْن الوطني التونسي والفلسطيني.
وألقى الدكتور فوزي العلوي رئيس اللجنة الوطنية للمؤتمر الدولي ورئيس مركز مسارات للدراسات الفلسفية والإنسانية، كلمة ترحيبية، أكد خلالها "على المعاني والدلالات التي يحملها اسم الحكيم جورج حبش واهمية استعادته في اللحظة التاريخية الراهنة، التي تحفل بتحديات تاريخية، خاصة وأنّ الحكيم جورج وطوال مسيرته النضالية كان رجل التحديات الفكرية والنضالية بامتياز؟".
وقدمت خلال الندوة ثلاثة مداخلات هي، صفقة القرن: مشروع تفكيك النظام الاقليمي العربية، والية للتصادم والتمدد في الاطراف. وقدمها عابد الزريعي، المنسق العام للمؤتمر الدولي للتضامن النضالي مع الشعب الفلسطيني.
والثانية "المشروع القومي العربي التحديات والاستراتيجيات"، والتي قدمها محسن النابتي الناطق الرسمي باسم التيار الشعبي. إضافةً إلى مداخلة "القوميون الليبيون في مواجهة استحقاقات الواقع السياسي"، التي قدمها محمد عمر بن اجديرية، وهو ناشط وسياسي ليبي.
وأعقب ذلك مشاركة الحاضرين في نقاش معمق حول قضايا اللحظة الراهنة وكيفية النهوض بالمشروع القومي. وفيما يلي ملخصا مكثفا للمداخلات.
وقال عابد الزريعي في المداخلة الأولى، إن "صفقة القرن كرؤية استراتيجية امريكية لإعادة ترتيب الجغرافيا السياسية للمنطقة، تستهدف المنطقة العربية برمتها، وما تصفية القضية الفلسطينية الا مدخلا لتنفيذ تلك الرؤية الاستراتيجية. بما يترتب عليها من تداعيات على الجوار الاقليمي خاصة إيران وافريقيا".
وأضاف أن "تمرير الصفقة على المستوى العربي: وذلك من خلال اليتين محددتين هما:1 ــ ازاحة عقبات الاعاقة، المتمثلة في القوى المناهضة لصفقة القرن على المستوى العربي والاقليمي.. باعتماد الولايات المتحدة الامريكية على الحصار والضغط السياسي وفرض العقوبات الاقتصادية، والتجريم القانوني لقوى محور المقاومة، واتهامها بممارسة القمع والارهاب. واللجوء الى العمل العسكري المباشر من خلال دعم المجموعات الارهابية والتدخل في الاوضاع الداخلية، وشن الحرب المباشرة على غزة واغتيال للقادة والرموز. وفرض بناء القواعد العسكرية في سورية و العراق وانشاء الاحلاف التي تضم اسرائيل تحت حجة حماية الملاحة البحرية في الخليج ومضيق هرمز. وذلك بهدف ارباك قوى محور المقاومة وكسر قدراتها ومنعها من التصدي الفاعل للصفقة".
إضافة إلى "السيطرة على الادوات: المتمثلة في الاطراف العربية المنخرطة او المدرجة على قائمة الانخراط في صفقة القرن. (السعودية ــ مصر ــ الأردن ــ لبنان). باللجوء للسياسة ا الناعمة والخشنة التي تبدت في تكثيف حركة المبعوثين الامريكيين العلنية والسرية تجاه هذه الدول".
وتابع قائلًا "التهديد بتحريك الوضع الداخلي والتلويح بالحرب وبالتقسيم الطائفي في مصر. واستخدام الملفات التاريخية والرمزية كأدوات ضغط، مثل ملف صنافير وتيران. واتفاقية اتفاقية ترسيم الحدود بين فلسطين ومصر1906. وملف الاشراف على الاماكن المقدسة في القدس ، كوسيلة ضغط على الاردن واغراء للسعودية، وتحريك لتركيا".
كما قال "كذلك الملف الاقتصادي، والايهام بان الانخراط في صفقة القرن يشكل مدخلا للخروج من الازمات الاقتصادية المتفاقمة في مصر ولبنان والاردن الاقتصادية. وتوريط السعودية في مشاريع كبري مثل مشروع «نيوم"؟ بحيث يصعب فكاكها لاحقا. وفي هذا السياق تأتي اتفاقيات الغاز المبرمة بين مصر والاردن من ناحية واسرائيل من ناحية ثانية. وكذلك استخدام ملف ازمة المياه في الاردن لمشروع قناة البحر الميت. وملف سد النهضة كوسيلة ضغط على مصر. بهدف ادماج هذه الانظمة مع اسرائيل. ودفعها على طريق تنفيذ صفقة القرن".
وأضاف الزريعي أن "الصفقة كمشروع تفكيك النظام الاقليمي العربي. ويتجلى ذلك في ثلاثة مستويات هي: المستوى الأول: تصفية القضية الفلسطينية. باعتماد الحل الاقليمي متعدد الأطراف. ويتعلق الامر بكل من الاردن ومصر ولبنان والسعودية والامارات. المنوط بها الانخراط في الصفقة عبر مجموعة أدوار محددة في التمويل والتوطين وتبادل الاراضي والضغط على الطرف الفلسطيني من اجل تللين موقفه.
إضافةً إلى "المستوى الثاني: دمج إسرائيل في النظام الإقليمي العربي. الامر الذي يتحقق من خلال تحول التراكم الكمي لعميات التطبيع القائمة الى مستوى نوعي وكيفية جديدة تتبدى في قبول إسرائيل كجزء رئيس من المجموعة الاقليمية. بحيث لا يعود حضورها اليومي في عواصم تلك الدول مدار استهجان او استغراب او رفض".
وتابع أن "المستوى الثالث: تفكيك وإعادة تركيب النظام الإقليمي العربي. فاذا كان ادماج اسرائيل يؤسس الى تفكيك النظام العربي الاقليمي، فان عملية التفكيك تؤسس بدورها الى تركيب جديد، يتم بموجبه بناء منظومة اقليمية جديدة مختلفة تماما عن تلك التي تأسست منذ قيام جامعة الدول العربية. بحيث تشكل هذه المنظومة بيئة مناسبة لتحويل إسرائيل الى قوة رئيسة مهيمنة في المنظومة الجديدة".
وجاء في المداخلية أن "الصفقة كأداة تصادم وتمدد في أطراف الاقليم العربي: الامر الذي يرتبط باليات حماية اسرائيل والحفاظ على هيمنتها على المنظومة الاقليمية الجديدة، وذلك بجر المنطقة للتصادم مع إيران واعادة انتاج استراتيجية شد الاطراف التي اعتمدتها اسرائيل في الخمسينات من القرن الماضي ولكن بشكل عكسي، وبما يستدعيه ذلك من استبدال فكري لمفهوم الصراع وتحويله من العداء للاحتلال الى عداء طائفي بين المذاهب. ومن الملاحظ ان الترتيب لذلك يتبدى للعيان في عقد المؤتمرات الخليجية الامريكية ومؤتمر وارسو المنعقد في فبراير 2019. ومراكمة المواقف الخليجية المعادية لإيران. ومن ناحية ثانية التمدد والتغلغل الاسرائيلي في القارة الافريقية والبلدان الاسلامية، وبالنتيجة توظيف كل مكتسباتها في هذا المستوى الافريقية الاقتصادية والسياسية في تعزيز هيمنتها ضمن النظام الجديد المتشكل. بما يمنع اية محاولة للتملص قد تفرضها او تلوح بها بعض المتغيرات غير المحسوبة او المتوقعة".
في المداخلة الثانية، بعنوان المشروع القومي العربي التحديات والاستراتيجيات، التي قدمها محسن النابتي، قال إن "المغرب العربي يواجه تحديات استراتيجية داخلية وخارجية على غاية من الخطورة حيث يواجه تحديات سياسية داخل كل قطر اخطرها ما تواجه ليبيا من حرب اهلية بعد اسقاط الدولة في 2011 عن طريق التدخل الاطلسي، وانتقال ديمقراطي متعثر في تونس ومحاولة جزائرية لتجاوز مخلفات المرحلة الاخيرة من حكم بوتفليقة تحتاج وقت كذلك المغرب وموريتانيا الاوضاع متحركة فيهما كما يعاني المغرب العربي مشاكل بين دوله اهمها قضية الصحراء الغربية والتعاطي مع الأزمة الليبية".
وتابع النابتي "اقتصاديا المغرب العربي له اقتصاديات متشابهة يسيطر عليها راس مال طفيلي وكيل حيث فشلت التجارب التنموية التي ارسيت بعد الاستقلال وما رافق ذلك من تفاقم الفقر والتهميش وغياب الدولة وانهيار القطاعات الاستراتيجية يكفي ان نقيم مقارنة بين كوريا الجنوبية والمغرب العربي كاملا في مستوى الناتج المحلي حيث يفوق الناتج الكوري المحلي كل دول المغرب العربي بحوالي اربعة اضعاف، ما أفرز مشاكل اجتماعية اخطرها بروز "الهويات القاتلة" مذهبية وعرقية بديلا عن الدولة الوطنية الموحدة".
وأضاف "أما التحديات الخارجية التي يواجهها المغرب العربي فهي متمثلة في تحديات تقليدية مثل التحدي الاوروبي الامريكي او مشاريع الهيمنة التقليدية الهادفة للسيطرة على الطاقة مصادر وطرقات وكذلك الخيار الرأسمالي اقتصادا وسلوكا وثقافة وما يترتب عليه من فرض نظم حكم موالية او تابعة".
وقال النابتي إن "هناك تحديات جديدة اولها الصراع الاوروبي الامريكي على المنطقة صراع مشروع الشرق الأوسط الجديد الامريكي الصهيوني ومشروع الشراكة الاوروبية المتوسطية وكذلك التحدي الارهابي حيث تحتضن ليبيا والصحراء الكبرى اكبر الجماعات الارهابية وأخطرها اضافة الى التحدي الليبي وما ترتب عليه من تدخلات خارجية ابرزها دخول تركيا عسكريا للمنطقة".
وأكد أنه "يمكن اعتبار المغرب العربي حقل الفرص المهدورة بالنسبة للمشروع الوحدوي سواء على المستوى الاقتصادي او السياسي او الامني"، مبينًا أنه "لا سبيل لإعادة الحياة للمشروع الوحدوي في المنطقة دون متلازمة رباعية تقوم على التنمية المستقلة والسيادة الوطنية والديمقراطية الشعبية والوحدة مع الاستفادة من الصراع الدولي ونهاية مرحلة الهيمنة الامريكية وصعود قوى جديدة وانخراط جماعي في مشروع الطريق والحزام".
وأضاف "تكون الدعوة للوحدة استنادا الى ضرورات الحاضر والمستقبل وليس اعتمادا على التاريخ المشترك فقط يعني الوحدة ضرورة للتنمية والحياة الكريمة للمواطنين والسيادة للأوطان".
في مداخلة محمد عمر بن اجديرية، حول القوميون الليبيون، قال إنه "لمدة أربعة عقود من الزمن كانت ليبيا الوجهة الفضلى للقوميين العرب، على جميع مستوياتهم، بدء من القواعد الشعبية إلى رموز وقادة التنظيمات القومية التي تعددت أسمائها بتعدد الدول العربية واختلاف المشارب، إلى اللاجئين السياسيين الذين احتفت بهم ليبيا وآوتهم برحابة صدر دون النظر إلى تبعات ما قد يترتب على ذلك. كما ظلت ليبيا وحتى اتفاقية اوسلو العام 1993، الداعم العربي الرئيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكانت قضية العرب المركزية حاضرة وبقوة طيلة اربعة عقود في الوجدان الليبي وعلى مستويات السياسيات العامة".
وقال بن اجديرية، إن "القوميون في ليبيا اعتبروا الربيع العربي مؤامرة خارجية تستهدف الإطاحة بالأنظمة القومية في المنطقة. كما رأوا أن ثمة مخططا يتم تدبيره لإعادة رسم خريطة المنطقــــة وتقسيـــمها مجددا. وقد أثبتت وقائع السنوات الثمانية الماضية، مدى صحة ومشروعية تلك المخاوف والشكوك التي تحقق جزء كبير منها. وشَكل السقوط المدوي والمريع لنظامٍ سياسي راهنَ عليه القوميون طويلًا، شكَّل صدمةً للقوميين في ليبيا، شلّت قدرة الكثيرين منهم على المراجعة الصحيحة، وفهم المآلات وطبيعة الزلزال الذي عصف بالمنطقة".
وتابع "بعد التقاط الأنفاس، تشكلت قرابة ستة تنظيمات ليبية من قبل رموز النظام السابق والمحسوبين على التيار القومي، لكن المتمعن في أدبيتها وأطروحاتها يلاحظ خلوها من أي توجه قومي، وتجاهل لافت وغير مبرر لقضية العرب المركزية "فلسطين"، التي شكّلت الوجدان القومي العربي، وكانت ولا زالت بوصلة التوجيه للعمل العربي".
وتناول الباحث محمد عمر تجربة العمل القومي في ليبيا منذ تأسيسه وحتى سقوط النظام وتشظي الدولة الليبية.
وأشار إلى أنه منذ اندلاع الزمة الليبية، أواخر العام 2011، طفت عل السطح النزعة القطرية، الداعية إلى انكفاء ليبيا عل نفسها، والاكتفاء بمحيطها المغاربي والمتوسطي. وأدى انهيار الدولة ي ليبيا إلى تشتت النسيج الاجتماعي كهوية جامعة وظهور هويات فرعية اتخذ بعضها لبوس سياسي وجهوي، كدعاة الفيدرالية وتقسيم ليبيا إلى ثلاثة كيانات. وتخذ بعضها نزعة عرقية كالأمازيغية ودعاة القومية التيباوية أو التارقية. اضافة الى اتخاذ بعضها الطابع الديني) المدخلية والعلمية والجهادية. كما تطرق الى اللحظة الراهنة التي تتسم بالحرب الاهلية وتحول ليبيا الى بؤرة فساد في ظل غياب الدولة، وموطن للإرهاب وممر للهجرة السرية الى اوروبا وساحة للتدخلات الخارجية.
كما قدّم تفسيرًا لفشل اتفاق الصخيرات في توفير الامن والاستقرار، معيدا ذلك الى جملة اسباب حددها فيما يلي: 1ــ تجاوز الاتفاق أطراف الازمة الرئيسيين وهم أنصار النظام السابق وثوار فبراير. الى اتفاق اللون الواحد بين اجنحة فبراير المتصارعة على السلطة. وبذلك استبعد قرابة نصف الشعب الليبي. الذي مازال على ولائه للنظام السابق. لذلك بقي الاتفاق يراوح داخل الازمة. 2 ــ استبعاد اهم مكون في المجتمع الليبي وهو مجلس القبائل القادر بحكم تركيبته وبعده التقليدي المنسجم مع الواقع الليبي، على الفعل والتأثير وحل كثير من القضايا العالقة. وهو الان الذي يتصدى لحل المشاكل الاجتماعية عبر التكافل الاجتماعي. 3 ـــ اصرار الدول الغربية وبعثة الامم المتحدة، عل استبعاد خليفة حفتر من اية تسوية علما انه كان يسيطر على أكثر من نصف التراب الليبي عند توقيع الاتفاق. والذي فرض نفسه منذ منتصف العام 2016 في المعادلة الليبية. كرقم صعب. 4 ــ قحام قضية عودة الاقلية اليهودية من أصل ليبي ا من قِبل بعثة الامم المتحدة للدعم من تحت الطاولة في أي تسوية ترعاها دون إدراك لحساسية هذا الملف لدى الغالبية العظمى من الليبيين. 5 ـــ فشل محاولات استنساخ تجارب العدالة الانتقالية القائمة على الاعتذار والمسامحة بعد الحروب الاهلية وهي مسألة لا مكان لها في العقلية الليبية بحكم طابعها القبلي.
وقد اختتم الباحث مداخلته بالتأكيد على أنّ الوجدان الليبي وجدان قومي بطبيعته، عرفت ثورة الفاتح كيف توظفه لصالح القضايا القومية، وبالذات القضية المركزية للعرب: قضية فلسطين، التي تشكل قاسم مشترك يجمع عليه الليبيون دون كبير استثناء، لذا نرى أنه في واقع الأزمة الليبية الراهنة، سيتوارى ويختفي العمل القومي في ليبيا، إلى حين التعافي وعودة الحياة الطبيعية في ظل دولة الاستقرار.