![](https://wbpalestine.com/sites/default/files/styles/article_image/public/mhfwz_jbr_16.jpg?itok=W1OI2RXE)
تهويد وطمس تراث القدس
الباحث محمد محفوظ جابر
مجلة أفكار- الاردن العدد 348 خاص بالقدس
إن عملية تدمير وطمس التراث العربي في فلسطين،هي مهمة استراتيجية للحركة الصهيونية ،وذلك لانها تهدف من وراء ذلك إلى قطع الصلة بين الشعب الفلسطيني وتاريخه وحضارته العريقة ،وما يربطه بها من تراث شعبي تراكم تاريخيا ، حتى تبني على أنقاضه المشروع الصهيوني وقاعدته الدولة اليهودية. وتشمل الهجمة الشاملة على التراث الفلسطيني هجمة تهويدية شرسة على التراث العربي في مدينة القدس عاصمة فلسطين ،ومنبع هذه الخصوصية هو النظرة الصهيونية للقدس التي تعتبرها اهم مدينة في فلسطين ،ولا ادل على ذلك من قول ديفيد بن جوريون اول رئيس وزراء للكيان الصهيوني: "لا معنى لإسرائيل بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل" ، وقول ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية : "إذا حصلنا يوما على مدينة القدس وكنت ما أزال حيا وقادرا على القيام بأي عمل، فسوف أزيل كل شيء ليس مقدسا لدى اليهود فيها، وسوف أحرق جميع الآثار الموجودة ولو مرت عليها قرون" . لذلك سعى الكيان الصهيوني بعد ان استكمل احتلال جزئي القدس الغربي عام 1948 والشرقي عام 1967 الى تغيير شامل في ملامح المدينة العربية من اجل ان تصبح مدينة يهودية نقية ، سواء فيما يخص الانسان او الارض والمباني فيها. حينما تطل على مدينة القدس ،تشعر برهبة خاصة تجعل هذه المدينة التاريخية المقدسة تسكن في أعماق القلب، ويبدأ العقل باسترجاع تاريخ هذه المدينة العربية. هذا التاريخ الذي ترك وراءه سوراً عظيماً يحيط بالمدينة القديمة ويحمي بداخله كنوزاً من الآثار والمباني التاريخية والدينية المسيحية والإسلامية .وما أن تدخل أحد أبواب السور الأحد عشر، حتى ترى تلك الكنوز الموروثة من الاجداد، والتي تؤكد وجود الإنسان العربي وتاريخه المقاوم للاحتلال الأجنبي على مر التاريخ، فترى الكنائس والمساجد والمكتبات العلمية التاريخية والمدارس التاريخية، وترى الفن المعماري في المباني ذات القباب، وترى أسبلة المياه لتروي كل عطشان،إنها أرض تراثنا العربي المجيد وشاهدة على تاريخنا الأصيل. ولذلك هي مهددة بالدمار والتغيير، حتى يتم طمس هذا التراث وهذا التاريخ، فهذه الكنوز معرّضة للانهيار بسبب الحفريات الأثرية الصهيونية التي تقوم بها سلطات الاحتلال منذ عام 1967 وحتى الآن بحثاً عن الهيكل المزعوم الذي تدّعي وجوده. ورغم ذلك فلم تنجح حتى الآن رغم مرور أكثر من خمسين عاماً من البحث أن تجد ما تدّعيه، بل على العكس، اعترف علماء الآثار الصهاينة بعدم وجود الهيكل، فقال الدكتور روني رايخ مدير سلطة الحفريات في القدس: " أن الكنعانيين هم بُناة القدس، وأن ما يسمى بمدينة داوود تسمية تتصل بالاحتلال وليس بالأصول " حسب يديعوت أحرنوت في 23/7/1998. بينما كتب البروفيسور زئيف هيرتسوغ من جامعة تل أبيب مقالاً جاء فيه: " أن الأعوام الأخيرة شهدت انقلاباً في نظرة الباحثين إلى مدى قيمة الكتب التي دوّنها أسباط بني إسرائيل كمصدر تاريخي "، وأكد أن المكتشفات الأثرية تدحض إدعاءات التوراة ،المحصلة انه لا يوجد هيكل حسب اعترافاتهم . واذا لم يدمروا تراثنا فَهُم يسرقوه،ويطلقون عليه مصطلحات ومسميات توراتية وعبرية لتهويده ،وكثيرون منا يقعوا في مطب الفخ الصهيوني ويستخدموا تلك المصطلحات دون الانتباه الى خطورة استخدامها وما تمثله من تطبيع مع العدو الصهيوني،وهذه هي اهم المصطلحات والاعمال التهويدية:
1- بعد احتلال فلسطين وهي أكبر سرقة للحضارة والتراث والارض شهدها العالم، اطلقوا عليها اسم "اسرائيل" ليتم الغاء استخدام اسم فلسطين المحتلة،وشطبها عن الخرائط وهذه هي الخطوة التي تنفذ حاليا حتى في المناهج العربية.
2- بعد أن احتلوا القدس،اطلقوا عليها اسم "يروشالايم" علما بأن الاسم هو من اصل عربي حيث ظهر اسم المدينة لأول مرة في مجموعة الألواح التي عرفت ب "نصوص اللعنة" التي عثرعليها في مصروحملت اسم "اورشالم" ويرجع تاريخ هذه النصوص الى القرون الاخيرة من الألف الثالث قبل الميلاد.وعندما ندقق بالاسم نجد انهم حرفوا الاسم القديم للمدينة ليثبتوا انها مدينتهم منذ القدم.
3- سرقة الحائط الغربي للحرم الشريف والمعروف بإسم حائط البراق، واطلقوا عليه اسم "حائط المبكى" وقد أكدت اللجنة الدولية في تقريرها المقدم الى عصبة الامم عام 1930 ،والتي قامت بالتحقيق حول ملكية الحائط أنه اثر اسلامي وانه ملك عربي ووقف إسلامي وقد وافقت بريطانيا وعصبة الامم على محتوى التقرير الذي يؤكد عدم ملكية اي حجر من الحائط لليهود.
4- شطب اسم المتحف الفلسطيني واستخدام اسم متحف روكفلر، واعتبارالآثارالموجودة فيه ملكية لسلطات الاحتلال وسرقته ونقل جزء منه الى خارجه (مثل مخطوطات قمران وغيرها ) وكذلك تقوم بالحفريات للبحث عن الآثار تحت المدينة وتقوم بسرقة تلك الآثار،وتعتبر الآثار من اهم الأدلة على تاريخ المدينة وتراثها العربي.
5- طمس وتهويد المقابر مثل : - مقبرة مأمن الله وهي مقبرة تاريخية تعود إلى 1400 عام وتعتبرمن أشهر وأكبر المقابر الإسلامية في فلسطين وتقدر مساحتها بـ 200 دونم، وتضم المقبرة رفات وأضرحة أعلام وصحابة وشهداء مسلمين ولا يخفى على أحد اهمية هذه الاضرحة والمعتقدات التراثية للشعب العربي في القدس. ومنذ إحتلال القدس عام 1948م خضعت المقبرة للعديد من المخططات الإسرائيلية لطمس معالمها ، وقد حُوّل جزء كبير من المقبرة إلى حديقة عامة دُعيت ب"حديقة الاستقلال"؛ تقام فيها المهرجانات والاحتفالات اليهودية، وقد شقت الطرق فيها. وتقوم الحكومة بشكلٍ تدريجي بتنفيذ المشاريع التي تشكل جزءًا من تهويد مدينة القدس . - مقبرة باب الرحمة تقع عند سور المسجد الأقصى من الشرق، فيها قبور عدد من الصحابة المجاهدين الذين اشتركوا في فتح بيت المقدس أثناء الفتحين العمري والصلاحي والى جانبهم مقابر لاهالي القدس .وتعرضت مقبرة باب الرحمة لعملية تجريف للقبور لتوسيع طريق مُعبَّد ليكون طريقاً التفافياً يستعمله المستوطنون اليهود للوصول إلى البؤر الاستيطانية بباب المغاربة وقرية سلوان
6- ويشمل الاعتداء على التراث ،الأماكن المقدسة سواءً الإسلامية أو المسيحية ومن ذلك : - كنيسة بيت صهيون، والكنيسة الروسية الأرثوذكسية، ودير جبل صهيون، وتعرضت كنيسة القيامة لأكثر من عملية سرقـة لمحتوياتها التراثية الدينية. - وكان الحرم الشريف قد تعرّض لإعتداءات أكثر من مرة، وأهمها حريق المسجد الأقصى في آب 1969،والذي التهم منبر صلاح الدين الايوبي وهو تراثي وتحفة فنية دينية. وكانت سلطات الاحتلال قد غيرت المسميات الدينية في داخل الحرم الشريف في خطوة لتهويده كاملا ومن هذه المسميات : - هيكل سليمان بدلا عن المسجد الأقصى - جبل الهيكل بدلا عن قبة الصخرة ويقوم المستوطنون بالاعتداء يوميا على المسجد الاقصى وإقامة الصلوات الدينية اليهودية لتغيير الصبغة الدينية الاسلامية فيه ،ويلتقطون صورا لهم بي ساحة الأقصى وقبة الصخرة للترويج اعلاميا للطابع اليهودي للأماكن المقدسة، وكل ذلك بحراسة امنية رسمية. بينما تعرقل سلطات الاحتلال وصول المسلمين الى الاقصى كما تعرقل القيام بالاحتفالات المسيحية.
7- تهويد الاراضي قامت هذه السلطات باستخدام الأساليب المختلفة لتهويد أراضي القدس العربية، بعد أن قامت بإلحاقها إدارياً لسيادتها. إن عملية الاستيلاء على الاراضي بجميع وسائلها لا تتوقف عند ذلك بل يتم بناء المستوطنات وشق الطرق اليها واطلاق تسميات توراتية على المستوطنات والطرق وبالتالي طمس كل ما يمت لهذه الاراضي من تراث وتاريخ عربي.(انظر كتابي: الاستيطان الصهيوني في القدس ومستقبل المستوطنات فيها،عمان – 2009 ).
8- الجدار العازل جزء من الجدار الذي اقامته سلطات الاحتلال في الضفة الفلسطينية وقد قررت محكمة العدل الدولية عدم شرعيته وطلبت ازالته بتاريخ 9 /4/2004 ولكن السلطات استمرت ببنائه، ليعزل القدس عن الضفة الفلسطينية ويمنع التواصل بين العرب .ومن الخطأ استخدام جدار الفصل العنصري وكأنها دولة واحدة تمارس التمييز العنصري .
9- تغيير أسماء الشوارع والأحياء في القدس ،وقد انتشرت اللوحات التي عليها الاسماء الجديدة باللغة العبرية في جميع انحاء المدينة ومن الامثلة على ذلك :
الموقع |
الاسم العبري |
الاسم العربي |
التلة الفرنسية |
موشيه حاييم شابير |
تل المشارف |
ساحة باب الخليل |
عودة صهيون |
باب الخليل |
من باب العامود حتى ساحة اللنبي |
شارع المظليين |
طريق سليمان |
داخل السور |
يهودا هاليفي |
طريق البراق |
داخل السور |
رحوب بيت محسي |
باب المغاربة |
من باب العامود حتى باب السلسلة |
رحوب هجاي |
طريق الواد |
داخل السور |
بسغات لمدخ |
حارة الشرف |
داخل السور |
حباد |
سوق الحصر |
داخل السور |
حبر حاييم |
عقبة درويش |
داخل السور |
شوفيه هالكوت |
عقبة غنيم |
داخل السور |
حاحيم |
طريق العزيز |
داخل السور |
ديرخ شاعر هيروت |
طريق المجاهدين |
حي الشيخ جراح |
حي اشكول |
هضبة الشيخ جراح |
قلنديا |
مطار عطروت |
مطار القدس |
إن التاريخ لم يسجل وجود أي شعب آخر قبل وجود الكنعانيين العرب على أرض القدس وقد بقي العرب هم الأغلبية، رغم تعرض القدس للاحتلال 20 مرة. لقد ورد في التوراة " وفيما هم عند يبوس والنهار قد انحدر جداً قال الغلام لسيده تعال نميل إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها،فقال له سيده لا نميل إلى مدينة غريبة حيثُ ليس أحد من بني إسرائيل هنا " (سفر القضاة،الاصحاح 19). فكيف لهم الحق بالإدعاء بأنها أرض أجدادهم.
لقد قام العدو الصهيوني بهدم أحياء سكنية بكاملها في داخل البلدة القديمة من القدس وهي: حي المغاربة، حي الشرف، وجزء من حي السريان، وحي باب السلسلة، وقد أدت هذه العملية إلى تهجير ستة آلاف عربي إلى خارج سور القدس، بالمقابل تم تشييد حي يهودي يستوعب 3000 مستوطن يهودي،ان عملية هدم هذه الاحياء العربية وهي تحوي البيوت القديمة ذات القباب،هي هدم لهذا التراث الذي توصف به المدينة وخاصة ان المباني اليهودية التي حلت مكانها هي ذات طراز معماري حديث شوه الطابع التراثي العربي للمدينة .والاخطرمن ذلك هو سرقة الحجارة القديمة للبيوت المهدومة،من اجل بناء كنس يهودية تحت الارض كي يدعو انهم اكتشفوا هذه الكنس القديمة التي ستدل على ان لهم تاريخ في المدينة،اضافة الى تغيير الطابع السكاني في المدينة.
- واستخدم العدو الصهيوني وسائل متعددة لتفريغ القدس من السكان العرب والغاء طابعها التراثي الانساني العربي واحلال الطابع اليهودي عليها حيث سنت القوانين التي تحد من التواجد السكاني العربي في القدس. وركزت سلطات الاحتلال على ابعاد الشخصيات السياسية والنقابية والاعلامية منذ ان احتلت الجزء الشرقي من القدس عام 1967. وقامت بتهويد البلدية بعد حل مجلس امانة القدس ونصبت عليها رئيسا يهوديا وقامت بتهويد التعليم وتغيير المناهج لتروج للتهويد واغلقت مستشفى الهوسبيس التاريخي والوحيد داخل السور.
- الأزياء الشعبية: سرقتها والإدعاء بأنها أزياء يهودية واستخدامها من قبل مضيفات الطيران الصهيوني في شركة العال ،وإقامة المعارض بها في اوروبا والامريكتين،رغم أن التطريزعليها يدل على الأصول الكنعانية العربية لهذه الملابس التي دلت الحفريات في فلسطين على انها تعود الى 4500 سنة ق.م.
- الفلافل: وهو من تراثنا وهو أكلة شعبية عربية اشتهرت بها القدس الى جانب الكعك ،ويدّعي العدو أن الفلافل من تراثه الشعبي .وحارب بسطات الكعك التي تبيعه مع الفلافل خاصة في منطقة باب العامود في القدس وقامت بلدية العدو بفرض ضرائب باهظة على اصحاب البسطات وكثيرا ما تقوم بالاعتداء عليهم وقلب البسطات وحتى اعتقالهم من اجل الغاء هذا المظهر التراثي الخاص بمدينة القدس العربية. والصراع مستمر حول تراثنا إلى أن يتم تحرير الأرض والإنسان من براثن الاحتلال، فالأرض عربية.. والإنسان عربي.
المصادر
1- د. كامل العسلي، القدس في التاريخ،مج1 ،منشورات وزارة الثقافة ، عمان- 2009 .
2- مؤسسة الدراسات الفلسطينية ،سلسلة الوثائق الاساسية 4 ، الحق العربي في حائط المبكى في القدس، تقرير اللجنة الدولية المقدم الى عصبة الامم المتحدة عام 1930، بيروت - 1968 .
3- لجنة يوم القدس،القدس أمانة في عنق كل عربي ومسلم،الندوة السابعة،عمان - 1996 .
4- محمدمحفوظ جابر،الاستيطان الصهيوني في القدس ومستقبل المستوطنات فيها،عمان - 2009
5- محمدمحفوظ جابر،الاستيطان الصهيوني في محافظة الخليل ، عمان - 2004.