تشكيل لجنة تحقيق دولية في جرائم الاحتلال خطوة هامة لمحاكمة مرتكبيها
* المحامي علي أبوهلال
أقر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يوم الخميس الماضي 27 مايو/ أيار الماضي تشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية، وقدمت الباكستان وفلسطين مسودة قرار للمجلس تطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في جميع انتهاكات حقوق الإنسان على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، منذ 13 أبريل/نيسان الماضي، بما في ذلك الجرائم الإسرائيلية المرتكبة خلال العدوان على قطاع غزة والذي استمر 11 يوما منذ العاشر من شهر مايو/أيار المنصرم. وأسفر العدوان عن استشهاد حوالي 260 فلسطينيا بينهم 66 طفلا و39 سيدة، و17 مسنًا، و5 من ذوي الاحتياجات، واصابة أكثر من 1750 مواطن، بالإضافة إلى تدمير 16 ألف وحدة سكنية مدنية جراء القصف المدفعي والجوي الإسرائيلي، حيث ارتكبت قوات الاحتلال جرائم حرب وفقًا للمادة (8) من ميثاق روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، بتدميرها البنية التحتية وأنظمة المياه والصرف الصحي.
وبناء على المطالب الملحة الفلسطينية والعربية والدولية بالتحقيق في جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبتها إسرائيل " السلطة القائمة بالاحتلال" في عدوانها على قطاع غزة عقد مجلس حقوق الانسان جلسته الطارئة وهي الثلاثون من نوعها منذ تأسيس مجلس حقوق الإنسان قبل 15 عاما، وهي الجلسة التاسعة التي تتمحور حول انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي، وتقدمت فلسطين وباكستان بمشروع قرار يدعو المجلس لبحث جميع الأسباب الجذرية التي تكمن وراء التوترات وعدم الاستقرار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، "بما في ذلك الممارسات الممنهجة للتمييز والقمع على أساس الهوية القومية أو العرقية أو الدينية". وتشكيل لجنة مستقلة لجمع الأدلة على الجرائم المرتكبة وتحليلها، بما في ذلك المواد المتعلقة بالطب الشرعي، "من أجل زيادة إمكانية الاستفادة منها إلى أقصى حد في الإجراءات القانونية".
يذكر في هذا الشأن أن الولايات المتحدة عادت للانضمام إلى المجلس في عهد الرئيس الحالي جو بايدن بعد أن خرجت منه إدارة خلفه السابق دونالد ترمب متهمة المجلس بالتحيز ضد إسرائيل.
تشكيل لجنة التحقيق أُقر بـ 24 صوتا مقابل 9 أصوات وامتناع 14 عن التصويت، ورفض القرار كلٌّ من النمسا وبلغاريا والكاميرون وتشيكيا وألمانيا ومالاوي وجزر المارشال وبريطانيا وأوروغواي، فيما امتنع عن التصويت كلٌّ من الهند والباهاماس والبرازيل والدنمارك وفيجي وفرنسا وإيطاليا واليابان ونيبال وهولندا وبولندا وكوريا وتوغو وأوكرانيا.
وخلال افتتاح جلسة الاجتماع الطارئ للمجلس قالت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه إن الضربات الإسرائيلية ضد غزة وقتلَ المدنيين واستهداف المنشآت المدنية في القطاع قد ترقى إلى مستوى جريمة حرب. وحثت باشليه السلطات الإسرائيلية على وقف عمليات الترحيل في حي الشيخ جراح والأحياء الأخرى فورا، مؤكدة أن إسرائيل ملزمة -بموجب القانون الدولي- بحماية سكان الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة. وقالت إنه لا دليل على أن مجموعات مسلحة استخدمت مبانيَ مدنية قصفتها إسرائيل في غزة.
وبهذا يكون مجلس حقوق الانسان قد أصدر قرارا على قدر كبير من الأهمية يقضي بإنشاء وعلى وجه السرعة لجنة تحقيق دولية مستقلة جارية، يعينها رئيس مجلس حقوق الإنسان، للتحقيق في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وفي إسرائيل، في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الإنساني الدولي وجميع الانتهاكات المزعومة وتجاوزات القانون الدولي لحقوق الإنسان التي سبقت ومن 13 أبريل 2021، وجميع الأسباب الجذرية الكامنة وراء التوترات المتكررة وعدم الاستقرار وإطالة أمد النزاع، بما في ذلك التمييز المنهجي والقمع على أساس الهوية القومية أو العرقية أو العرقية أو الدينية. وستقوم اللجنة وفقا لقرار مجلس حقوق الانسان بالتحقيق بما يلي:
(أ) إثبات الوقائع والظروف التي قد ترقى إلى مستوى الانتهاكات والتجاوزات والجرائم المرتكبة.
(ب) جمع وتوحيد وتحليل الأدلة المتعلقة بهذه الانتهاكات والتجاوزات والجرائم المرتكبة، وتسجيل وحفظ جميع المعلومات والوثائق والأدلة بشكل منهجي، بما في ذلك المقابلات وشهادات الشهود ومواد الطب الشرعي، وفقا لمعايير القانون الدولي، من أجل زيادة إمكانية قبولها في الإجراءات القانونية.
(ج) توثيق المعلومات والأدلة ذات الصلة والتحقق منها، بما في ذلك من خلال المشاركة الميدانية والتعاون مع الكيانات القضائية وغيرها، حسب الاقتضاء.
(د) تحديد المسؤولين، حيثما أمكن، بهدف ضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات.
(هـ) تحديد أنماط الانتهاكات بمرور الوقت من خلال تحليل أوجه التشابه في النتائج والتوصيات مع بعثات الأمم المتحدة السابقة لتقصي الحقائق ولجان التحقيق بشأن الحالة.
(و) تقديم توصيات، ولا سيما بشأن تدابير المساءلة، بهدف تجنب وإنهاء الإفلات من العقاب وكفالة المساءلة القانونية، بما في ذلك المسؤولية الجنائية الفردية ومسؤولية القيادة، عن هذه الانتهاكات، وتحقيق العدالة للضحايا.
(ز) تقديم توصيات بشأن التدابير التي يتعين على الدول الأخرى اتخاذها لضمان احترام القانون الإنساني الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وفقاً للمادة 1 المشتركة بين اتفاقيات جنيف، ووفاءً بالتزاماتها بموجب المادة 146. و147 و148 من اتفاقية جنيف الرابعة، بما في ذلك عن طريق التأكد من أنها لا تساعد أو تساعد في ارتكاب أعمال غير مشروعة دوليًا.
(ط) تقديم تقرير سنوي عن أنشطتها الرئيسية إلى مجلس حقوق الإنسان في إطار البند 2 من جدول الأعمال اعتبارًا من دورتها الخمسين وإلى الجمعية العامة اعتبارًا من دورتها السابعة والسبعين.
ودعا مجلس حقوق الانسان جميع الأطراف المعنية إلى التعاون الكامل مع لجنة التحقيق وتسهيل دخولها. كما دعا جميع الدول، ويشجع المجتمع المدني ووسائط الإعلام وأصحاب المصلحة الآخرين ذوي الصلة، على التعاون الكامل مع لجنة التحقيق للسماح لها بالوفاء بولايتها بشكل فعال، ولا سيما تزويدها بأي معلومات أو وثائق قد تكون في حوزتها أو الحصول على المساعدة، وكذلك أي شكل آخر من أشكال المساعدة المتعلقة بولاية كل منهم، ودعا الأجهزة والهيئات والوكالات ذات الصلة في منظومة الأمم المتحدة إلى التعاون الكامل مع لجنة التحقيق والاستجابة بسرعة لأي طلب تتقدم به، بما في ذلك ما يتعلق بالحصول على جميع المعلومات والوثائق ذات الصلة، كما طالب الأمين العام أن يخصص الموارد اللازمة لتنفيذ هذا القرار ولمفوضية حقوق الإنسان لتوفير الموارد اللوجستية والتقنية اللازمة لدعم عمل لجنة التحقيق. وحث جميع الدول على الامتناع عن نقل الأسلحة عندما تُقيِّم، وفقاً للإجراءات الوطنية المعمول بها والالتزامات والمعايير الدولية، بوجود خطر واضح من احتمال استخدام هذه الأسلحة في ارتكاب أو تسهيل ارتكاب انتهاكات أو تجاوزات جسيمة لحقوق الإنسان الدولية القانون أو الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني. ودعا أيضاً جميع الدول والوكالات الدولية والجهات المانحة الأخرى إلى تعبئة الدعم الإنساني على وجه السرعة للسكان المدنيين الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وتلبية احتياجاتهم السائدة، ويطلب إلى إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، ضمان عدم إعاقة تسليم تلك المساعدة الإنسانية. وطالب مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن تقدم تحديثاً شفوياً للتقدم المحرز في تنفيذ هذا القرار إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته الثامنة والأربعين، وقرر المجلس إبقاء المسألة قيد نظره.
من الواضح أن قرار مجلس حقوق الانسان قد تبنى إلى جانب تشكيل لجنة التحقيق، آلية محددة لمتابعة وتنفيذ القرارات التي اتخذها بهذا الخصوص، على صعيد الدول وهيئات الأمم المتحدة، بما في ذلك الهيئات القضائية لمحاكمة ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، وهذا ما سيشجع المحكمة الجنائية الدولية للقيام فورا بالتحقيق في الجرائم المرتكبة في فلسطين من قبل قوات الاحتلال، وتقديم مرتكبي هذه الجرائم إلى المحاكمة حتى ينالوا العقاب المناسب، احقاقا للعدل وانصافا للضحايا.
*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.