"تحوّلات البنية الاجتماعية والسياسية في الكيان الصهيوني".. محور نقاش ندوة غسان كنفاني
ناقشت ندوة غسان كنفاني الفكريّة، والتي تعقدها "بوابة الهدف الإخبارية" بصورة دوريّة، تحوّلات البنية الاجتماعية والسياسية في الكيان الصهيوني منذ تأسيسه قبل 7 عقود، ربطًا بما تُؤثّره التغيّرات الاقتصاديّة والسياسية داخل دولة الاحتلال على القضية الفلسطينية من ناحية، وعلى الأوضاع الإقليمية المتنامية في المنطقة على ضوء الأحداث في السنوات الـ15 الماضية.
واستضافت الندوة، التي انعقدت يوم الخميس 30 مايو، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمّة بغزّة د.عدنان أبو عامر في الأستوديو، والباحث في الشؤون الإسرائيلية برهوم جرايسي عبر الهاتف. وأدار اللقاء الكاتب السياسي والصحفي هاني حبيب.
وفي مداخلته، بدأ د.أبو عامر باستعراض أبرز المحطّات التي تُؤرّخ التغيّرات السياسيّة والاجتماعية داخل الكيان الصهيوني، أهمها كيف تحوّل هذا الكيان من مجموعة عصابات صهيونية في فلسطين التاريخية عام 1948 وأقلّية متناثرة في بعض مناطق فلسطين، بفعل تطورات إقليمية ودولية، إلى دولة (إسرائيل) التي لها وجودها وكيانها مدعومة بدول استعمارية كبرى لتحقيق مآرب داخلية وخارجية.
المحطّة الثانية وهي أنّ دولة العدو الصهيوني خاضت تقريبًا في كلّ عامٍ حربًا، وهذا يعكس ماهيّة هذا الكيان القائم أساسًا على القتل والدم والإرهاب، فيما كان التحوّل الثالث، وفق ما استعرضه د.أبو عامر، التهديد الداخلي الاجتماعي والديني على وجود الانسجام بين مكونات الدولة، خاصة البنى الاجتماعية، وهذا كان أبرز ما تكلّم فيه كبار المؤرخين والكتّاب الصهاينة في الذكرى الـ70 للتأسيس.
من جهته، اعتبر د.جرايسي أنّ كلّ التطورات التي جرت داخل الكيان، هي تطورات طبيعية قائمة على ركائز الحركة الصهيونية منذ نشأتها نهاية القرن التاسع. ومنها تثبيت أبناء الديانة اليهودية في فلسطين، وإزالة الشعب الفلسطيني بكافة الوسائل، وهو ما شهدناه بالاقتلاع والتهجير عام 1948 ولاحقَا عبر الحروب المتتالية.
وردّاً على سؤاله حول انتقال دولة الاحتلال من نهج التسوية إلى نهج إدارة الصراع، أشار الباحث جرايسي إلى أنّ الكيان لم يتّجه بإرادته إلى مسارات التسوية مطلع التسعينات، بل فرضته عليها انتفاضة الحجارة (الانتفاضة الأولى) ولاحقًا متغيرات عالمية أربكت الحاضنة الأساسية للكيان، وهي الولايات المتحدة، بعد تفكك المنظومة الاشتراكية وتبلور الاتحاد الأوروبي وما تبعه من دخول أمريكا إلى مناكفات اقتصادية مع أوروبا والشرق الأقصى، وهو ما دفع الولايات المتحدة للضغط على حكومة إسرائيل من أجل حل القضية الفلسطينية عبر المفاوضات، باعتبارها عقبة أمامها للتوسع في العالم. تبعه تغيّر في دولة القرار التي أعادت النظر في هذا المسار، ومثلها دولة الاحتلال، نتج عنه أن قامت حكومة الليكود الأولى بزعامة نتنياهو بوضع كل الأسس لتفجير المسار التفاوضي واتفاق أوسلو، وسلك اتجاه آخر مع بدايات الـ2000.
وأوضح أنّ "إسرائيل في كل موجات المفاوضات كانت تحاول إدارة المفاوضات لجعلها مشروع متواصل، أو أن تبحث عن مسارات تُخفف عنها عبء قيام كيانات فلسطينية من أي نوع". ولفت إلى أن عوامل اقتصادية وديمغرافية أثرت في هذا الإطار.
وعن ملامح المرحلة الجديدة التي بدأت منذ شهور في دولة الاحتلال، مع تولّي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحُكم في الولايات المتحدة، التي انتقلت مؤخرًا من كونها وسيطًا غير عادلٍ إلى شريكٍ للكيان. قال د. عدنان أبو عامر أنّ "نتنياهو اليوم في حالة انسجام غير عادي مع الإدارة الأمريكية، وهو يقود تحولات دراماتيكية في الساحة الفلسطينية-(الإسرائيلية)، كما أنّه يتواصل مع دول عربية وازنة، ويطوف العالم شرقًا وغربًا، ويُقيم علاقات دولية كبيرة، وهذا رغم كلّ ما لديه من إشكاليات داخلية قضائية وحزبية"، لافتًا إلى أنّ ما خدم نتنياهو إلى جانب قدراته الاحتيالية وشراهته للدماء والابتزاز واللعب على التناقضات، خلوّ الساحة الصهيونية من الزعامات. إضافة إلى ما يُروّجه من نجاحات في الوضع الفلسطيني.
وأضاف د.أبو عامر في مداخلته حول الانتقال في تاريخ العملية السياسية، أنّ اتفاق مدريد 1991 وحتى كامب ديفيد مرحلة المفاوضات، ومن العام 2000 حتى 2013 وحكم أوباما هي مرحلة إدارة الصراع، والآن ترامب يأتي بمرحلة جديدة مختلفة، وهو يقف على يمين نتنياهو ونفتالي بينيت وآيليت شاكيد.
وأشار إلى أنّ لسان حال نتنياهو والكيان يقول أنّه لا يجب على (إسرائيل) أن تُضيّع فرصة حُكم ترامب، الذي وعد (الإسرائيليين) بثلاثة أمور إذا ما تولّى الحكم: نقل السفارة، الانسحاب من الاتفاق النووي، وفعلهما، إضافة لصفقة القرن.
من أبرز المحطات وفق الصحفي حبيب، كانت بداية التسعينات وموجة الهجرة من الاتحاد السوفييتي سابقًا، وتأثيراتها على جُملة المتغيرات السياسية والاقتصادية، وما عكسته على قوانين الانتخاب والتغيرات في الخريطة الحزبية داخل الكيان.
وفي هذا الصدد، قال د.برهوم أنّ أهم المتغيرات تتركز في جانبين، أوّلهما التحول الديمغرافي الكبير بفعل الهجرة إلى فلسطين (مليون و400 ألف)، مع الإشارة إلى أن موجات الهجرة تراجعت بشكلٍ حاد مع العام 2005، والجانب الثاني هو المتغير الاقتصادي، وقد مرّ الكيان بعدّة أزمات اقتصادية أوصلته للحضيض، ساعد في الخروج منها موجات الهجرة مطلع التسعينات بزيادة الاستهلاك والانتاج، ومعه التحول في السياسات الاقتصادية باتجاه الخصخصة في القطاع العام وقطاع النقابات لصالح حيان المال، وهم الضاغط الأساسي الآن في دوائر صنع القرار وقطاع الإعلام".
وتناولت الندوة قضية تجنيد الحريديم في الكيان، قال د.جرايسي إنّها محاولة لتفكيك هذا المجتمع المنغلق على نفسه وغير المستهلك، في ظل تخوفات من تزايد نسبته العالية أمام هشاشة تكاثر العلمانيين، أو يُضعف الطابع العلماني في الكيان. وعليه ترى حكومة الاحتلال أن تجنيد الحريديم يُخرج الجيل الشاب من هذا المجتمع، باعتبار أنّه من بعد التجنيد سيكون من الصعب عليه العودة للانغلاق.
ورغم الإعلان عن "الفرحة الإسرائيلية" جراء تزايد عدد الولادات عند الحريديم، فإنّها فرحة مُصطنعة إذ لا يرغب الكيان بأن تكون هذه الزيادة من خلال المتدينين، وهي الأزمة اللاحقة عند (إسرائيل).
وتطرّقت الندوة لنقاش وضع اليسار (الإسرائيلي)، الذي قال د.عدنان أبو عامر إنّه تراجع، لصالح الدولة الرأسمالية، وزواج المال والسلطة. وقدّم مقارنة بين زعامات دولة الاحتلال في حياتهم الاقتصادية، ما بين التقشف سابقًا، وحياة البذخ حاليًا، وهو ما يُعتبر مُعيبًا قياسًا بدولة قامت على أسس اشتراكية. وأضاف أنّ اليسار الصهيوني بات الآن في حالة من الذوبان وأقلية لا يمثل شيء، إضافة إلى انزياحه باتجاه اليمين.