الأحد 02-02-2025

تحليل قاطع انتخابات الكنيست: قاطع عدوك

×

رسالة الخطأ

أحمد مصطفى جابر

تحليل قاطع انتخابات الكنيست: قاطع عدوك

بوابة الهدف -

أحمد مصطفى جابر

لايمكن أن تعتبر المشاركة في الانتخابات الصهيونية، كنوع من المساهمة في الصمود على أرض الأجداد، فلنتذكر على الأقل أن عشرين عاما من الحكم العسكري لم تزحزح "أهل البلاد" عن مكانكهم قيد أنملة، وكيف كان العدو يصفهم بأنهم القنبلة الموقوتة التي ستودي بكيانه، ودولته اليهودية الصهيونية.

وإذا كانت الانتخابات التشريعية في الكيان الصهيوني حاجة وجودية، فإنها كذلك فقط للكيان الاستيطاني، ولوجوده ومن أجل صورته في العالم، الصورة التي يقاتل من أجلها ليل نهار، وآخر همه مصير "الأقلية العربية" التي لامانع من أن يرمي لها بعض الفتات، عبر المشاركة بانتخابات لاتفعل سوى أن تمنح الشرعية لقيم الإجماع القومي الصهيوني، على جثة الضحية التي تساهم في هذه الشرعية راضية مرضية.

لن أعود بالتاريخ لقراءة "إنجازات" الأعضاء الفلسطينيين في الكنيست، أو "الأعضاء العرب" كما يسميهم العدو، وهذا لوحده يحدد المساحة المسموحة، التي يتاح "لأسماك الزينة" السباحة فيها.

مقاطعة انتخابات العدو، ليست مسألة تكتيكية، ليست مسألة اعتراض آني، على اليمين وسطوته وقوانينه العنصرية، كما أن المشاركة فيها لاتقدم ولاتؤخر في مسيرة هذه القوانين وهذا المسار التصفوي الشامل الذي تتبعه دولة محتلة ضد الوجود الفلسطيني في أرضه التاريخية، نعم ضد الوجود الفلسطيني، ولنضع خطا أحمر تحت هذه العبارة، فنحن هنا لانتحدث عن وجود"عربي" باهت، بعيدا عن النقاش المتعلق بالانتماء القومي، فالفلسطيني، عربي في إطار فلسطينيته وليس في إطار "إسرائيليته".

بالتالي، في ضوء الانحدار نحو التعبئة للمشاركة في الانتخابات، يحق ليميني صهيوني أن يزعم أن ليس للأقلية الفلسطينية أي حق في الشكوى، فهاهم يذهبون إلى الكنيست، وموضوع أن يحققوا شيئا أو لا هو رهن باللعبة الديمقراطية، لعبة الأقلية والأغلبية التي توافق عليها العالم.

ولكن هل هذه الدولة هي جزء طبيعي من العالم، وهل الأقلية والأغلبية العرقية هي نموذج عالمي للديمقراطية، وهل العجز "الديمقراطي" عن تحقيق أي تقدم هو مبرر للاستمرار في "النضال المشوه" في إطار هذه المؤسسة.

مقاطعة الانتخابات الصهيونية هي مسألة جوهرية استراتيجية في صلب الصراع الوجودي القائم بيننا وبينهم، صراع ليس على خدمات بلدية، أو تغيير بند في قانون هنا أو هناك، بل صراع على فلسطين كلها من نهرها إلى بحرها ومن خليجها إلى اصبع جليلها، صراع على الأحقية التاريخية والمستقبلية في هذه الأرض.

في الانتخابات الماضية كان بنيامين نتنياهو يحذر من "تدفق الأصوات العربية إلى صناديق الانتخابا" والبعض صدق هذه النكتة السخيفة، على عنصريتها الفجة، فصار يروج إن الصوت العربي في الصندوق يشكل خطرا وجوديا على اليمين، ولكن أي يمين يتم التحدث عنه في ظل الإجماع القومي الصهيوني، ولصالح من تصب هذه الأصوات؟

وإذا كان تصريح نتنياهو يدفع لرد فعل من نوع الاتدفق إلى الصناديق، فماذا يكون الموقف من تصريح المنافس الوحيد لنتنياهو في هذه الانتخابات بني غانتس الذي قال إنه أثناء وجوده في هيئة الأركان أعاد غزة إلى العصر الحجري، وهنا قضيتين أساسيتين الأولى هي أن نتنياهو وغانتز كل من موقعه في الخريطة السياسية الصهيونية يتحدث بلسان الإجماع القومي الصهيوني، الذي لايرى فرقا سوى بالوسائل بين إخضاع عكا وأم الفحم، وإخضاع الخليل وغزة، والقضية الثانية هي لسان حال المؤيد للمشاركة في الانتخابات والذي لايرى العلاقة بين غزة وعكا والخليل وأم الفحم، الذي يعتقد إنه "كإسرائيلي" غصبا أو طوعا من حقه أن يشارك ويتمتع "بخيرات الدولة" ويغيب عن ذهنه أو لايغيب إنه يتحول هنا إلى شريك في الاحتلال، يسعى إلى تقاسم المغانم على حساب جسده المغتصب في الخليل وغزة.

إن الخطر الوجودي الحقيقي على الاحتلال ودولته وإجماعه القومي، هو منع وصول الأصوات الفلسطينية إلى صناديق الاقتراع، وأن يقول أصحاب الأرض لمحتلهم نحن هنا وأنتم هناك، ولسنا جزءا من نظامكم الاستيطاني ولا مؤسساتكم، وهذا ما يخافه العدو ويجندد له المضللين والعملاء على حد سواء وأولئك أضا الذين للأسف ما زالوا يراهنون على أن يغير الوحش جلده عبر صناديق الاقتراع.

انشر المقال على: