الجمعة 07-02-2025

تبرير الهزائم وتحويلها إلى انتصارات خاصية متأصلة في الحركات والأحزاب والفصائل الفلسطينية

×

رسالة الخطأ

محمد خضر قرش – القدس

تبرير الهزائم وتحويلها إلى انتصارات خاصية
متأصلة في الحركات والأحزاب والفصائل الفلسطينية
محمد خضر قرش – القدس
الحركات والأحزاب والفصائل الفلسطينية دون استثناء لديها نزعة متجذرة ومتأصلة في أعماق فكرها وسلوكها وأدبياتها وممارستها السياسية والتنظيمية والنضالية ، نحو تبرير الهزائم المتلاحقة التي منيت بها منذ عقود وتحويلها إلى انتصارات تاريخية أو استثنائية بدون خجل حالها في ذلك كحال شقيقاتها العربيات (البعث والشيوعيون والقوميون والوطنيون والليبراليون). لقد امتلكت القدرة الديماغوجية والتضليلية بنجاح لتحريك الشارع والجماهير والتلاعب بعواطفها البسيطة والطيبة والساذجة (العبيطة باللهجة المصرية) لعكس الوقائع وإظهارها على غير حقيقتها. وقد ظلت تنتهج هذا الاسلوب التضليلي طيلة ممارساتها النضالية وخاصة اعتبارا من العقد السادس من القرن الماضي بعد هزيمة حزيران 1967 . لقد نجحت في السابق في لوي أعناق الحقائق وتزوير الوقائع وتبرير الهزائم مستفيدة وبالأدق مستغلة عدم وجود وسائل الاتصالات الحديثة والبث المباشر للأحداث تارة والحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي تارة ثانية وكبر حجم المؤامرات والخيانات مرة ثالثة والقمع والاعتقالات التي تعرضت لها مرة رابعة والتدخل الفج للقوى الإقليمية في الوضع الداخلي الفلسطيني مرة خامسة والدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل مرة سادسة وعدم وجود قواعد خلفية آمنة كما كان الحال في فيتنام والجزائر وجنوب إفريقيا مرة سابعة وللبنية البرجوازية (الكبيرة والمتوسطة والصغيرة ) التي تقود حركة النضال الوطني الفلسطيني مرة ثامنة ولضعف الامكانيات والموارد المالية والبشرية مقارنة بالخصم مرة تاسعة وضعف الوعي الوطني والثقافي وعدم الامساك بالحلقات المفصلية للصراع وتحديد الاولويات مرة عاشرة وتحكم واستئثار وهيمنة قوى اليمين على القرار الفلسطيني في المرة الحادية عشرة، وغياب النهج الديمقراطي والتمثيل النسبي في الهيئات والمؤسسات الفلسطينية في المرة الثانية عشرة وقيود وسلبيات اتفاقيات أوسلو في المرة الثالثة عشرة وعدم جدية وانقسام الأنظمة العربية في المواجهات في المرة الرابعة عشرة الخ. إلا انه من الملفت للانتباه أنها لم تقل ولا مرة واحدة ان من أحد اسباب هزائمها المتلاحقة يكمن فيها نفسها سواء بقراراتها أو بأسلوبها ومنهجها وفي استئثارها واحتكارها الطويل لسدة القيادة الذي مضى على تربع قادتها أكثر من أربعة عقود ونصف متصلة ومستمرة دون انقطاع وحرمان الاجيال الشابة من ان تأخذ نصيبها في القيادة وصنع القرار تحت حجج وذرائع كثيرة ولهذا فإن بعضها مكث في الحكم والقيادة بأكثر مما مكث كل الملوك والأمراء والشيوخ والرؤساء في مناصبهم بما في ذلك زعماء القبائل والعشائر. ولم يكن غريبا ضمن هذه السياقات ان قيادات هذه الفصائل والحركات لم تقف يوما وتراجع نفسها وتبين أخطائها وخاصة منذ انزلاقها في آتون الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975. فرؤساء الحركات وألامناء العامون ونوابهم وأعضاء المكاتب السياسية واللجان المركزية للحركات والفصائل والأحزاب بقيت كما هي إلا من توفاه الله أو نال الشهادة وأقعده المرض أو غلبته الشيخوخة والهرم أو انشق(انفصل) عن الفصيل او الحركة الأم وكون تنظيما جديدا أو تم فصله وهي قليلة الحدوث على أية حال. ففي كل هذه الحالات كان يتم الاستبدال فحسب وما عداها فالقديم على قدمه على قاعدة الخير دائما في العتاقي.من هنا يمكن تفسير اسباب وحيثيات قدرتها على تحويل الهزائم المتلاحقة التي واكبت تجاربها إلى انتصارات تحت شعار "اهمية الصمود في المواجهات" .لقد استحدثت هذه القيادات وأدخلت إلى القاموس النضالي الفلسطيني شعارات وكليشيهات عملت على زرعها في أذهان الشبيبة وأعضاء التنظيم مثل: من الضروري عدم تحقيق اهداف الاعداء الرامية إلى استبدال القيادات والزعامات التاريخية. وان التفاف التنظيم وتوحيد صفوفه حول قيادته من شأنه افشال مخططات الأعداء وان فترة التحرر الوطني تتطلب توحيد كل الجهود خلف القادة التاريخيين !!.وللإنصاف فإن هذا الأسلوب والمنهج في القيادة والاستئثار في الزعامة والمناصب قد تم اشتقاقه ونسخه من العديد من الدول الاشتراكية والشيوعية (الإتحاد السوفيتي والصين ودول حلف وارسوا سابقا وكوبا وكوريا الشمالية التي ضربت الرقم القياسي في التوريث السياسي من الجد إلى الأب ومن ثم إلى الحفيد ).كما تم نسخه تجارب الحكم في معظم الدول العربية، البعث في سوريا والعراق ومبارك في مصر وزين العابدين في تونس والقذافي في ليبيا وعلي صالح في اليمن حتى لحظة تفجر الأوضاع في المنطقة في العامين الأخيرين.فشعار قائدنا إلى الأبد الزعيم حافظ الأسد رفع على كل الساحات والميادين في دمشق عاصمة الأمويين وغيرها من المدن وبات ضياع الأرض أهون بكثير من سقوط الحزب وقائده ، وعلى حد تعبير المنظرين منهم "الأرض بتعود ولكن إذا سقط الحزب ما بيعود " وعليه لم يكن غريبا على منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها وحركاتها وأحزابها انتهاج ونسخ نفس التجارب سالفة الذكر. فالرئيس ياسر عرفات ظل رئيسا وقائدا وزعيما تاريخيا للمنظمة وحركة فتح منذ عام 1967 وحى توفاه الله عام 2005 . ونفس الشيء بالنسبة للفصائل الأخرى .وقد تعرضت جميعها إلى انشقاقات بسبب الاستئثار بقمة الهرم القيادي من قبل شخص أو عدد محدود جدا منهم . فمنظمة التحرير والفصائل انهزمت في معظم المعارك التي خاضتها سواء ضد الاحتلال الإسرائيلي أو ضد بعض الأنظمة وكانت في كل مرة تبرر الهزائم والخروج إلى المنافي وبلدان الشتات وتحولها إلى نصر. فما دام القادة بخير فنحن منصورون وصامدون.فقد بات مقياس النصر والهزيمة مرتبطا بالقائد الملهم الذي لا يشق له غبار، فإن نجا نجونا وأن سقط هزمنا. ولم تنحصر تبرير الهزائم وتحويلها إلى انتصارات في ساحات الوغى والقتال وإنما امتدت لتشمل العمل السياسي كله، الجماهيري والانتخابات التشريعية والمحلية والمفاوضات وإدارة الصراع محليا وإقليميا ودوليا. فرغم كل الاخفاقات والفشل الذريع في المفاوضات التي تم عقدها مع الاحتلال ،إلا اننا امتلكنا القدرة على تضليل شعبنا ولم نعترف يوما بان المفاوضات قد فشلت وبلغت الطريق المسدود،على قاعدة أو تطبيقا لنظرية الحياة مفاوضات . لقد امتلكنا المهارة الديماغوجية في تبرير فشلنا في المفاوضات بل وحولنا في بعض الحالات انتصاراتنا الفعلية إلى انتكاسة وهزيمة لحركة النضال الوطني الفلسطيني (تقرير غولدستون حول جرائم الحرب وقرار محكمة العدل الدولية حول الجدار والمستوطنات ). كما فشلنا في متابعة الطلب الذي تقدمنا به إلى مجلس الأمن الدولي للحصول على العضوية وأخيرا فشلنا في التقدم بطلب نيل العضوية المراقبة في الجمعية العمومية للأم المتحدة في شهر سبتمبر الماضي. ولم يتوقف الأمر عند هذا النوع من الأمور بل ان حركة حماس بلغت من أمرها حدا حولت فيها انقلابها على الشرعية إلى انتصار على قوى الكفر والظلام!!! وحولت تقسيمها وتجزئتها للشعب الفلسطيني وإقامة امارتها الإسلامية في القطاع لانتصار تاريخي وإلهي ، مع أنه في حقيقته هزيمة كبيرة للمشروع الوطني ولوحدة التراب الفلسطيني. وبعد هذا كله أما آن الأوان وحان الوقت للوقوف امام قدرة وكفاءة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية على إدارة الصراع وتحقيق آمال الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال . الكثير من أعضاء اللجنة التنفيذية مضى على عضويتهم فيها أكثر من 40 عاما وبعضهم بات على أبواب التسعين عاما اما حان وقت التغيير والاستبدال .وما ينطبق على منظمة التحرير ينطبق بالضرورة على الفصائل والحركات الفلسطينية. من لم يلتقط ساعة التغيير في وقتها ستجرفه رياح التغيير وسينزوي في الزوايا المنسية ماكثا فيها أبدا. تلك سنة الكون والحياة ونواميس النضال وثوابته .

انشر المقال على: