الأحد 24-11-2024

بريجنسـكي يلـوم أميركـا علـى تقويـض شـرعيتها فـي المنطقـة: حــرب العــراق كارثــة.. والحــرب علـى إيــران كارثــة أكبــر

×

رسالة الخطأ

موقع الضفة الفلسطينية

لا أحد يُنكر أن المستشار الأميركي الأسبق للأمن القومي زبغنيو بريجنسكي يبقى ضمن دائرة خبراء السياسة الخارجية الأكثر تأثيراً في أميركا. في كتابه الأخير «نظرة استراتيجية: أميركا وأزمة القيادة العالمية»، قدّم بريجنسكي تحليلاً معمّقاً للتحديات المحدقة بأميركا في عالم متغيّر.. تحتل فيه منطقة الشرق الأوسط وأزماتها المساحة الأكبر.
في مقابلة مطوّلة أجرتها معه مجلة «ذا ناشيونال إنترست» الأميركية، تحدث المفكر الأميركي عن «خطيئة» حرب العراق، عن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، عن مصير أميركا وشعبها غير المطلع.. وعن الضربة العسكرية لإيران. ما زال بريجنسكي يحتفظ بوزنه على ساحة البحث الاستراتيجي للسياسة الخارجية، ومن هنا يحتفظ كلامه بالثقل ذاته.
يحمّل بريجنسكي المسؤولية لعوامل عدة وقفت دون نجاح قوى غرب الأطلسي في اقتناص فرصة فرض «حقبة جديدة من التفوق الغربي عالمياً» بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أبرزها الحماقة الغربية إلى جانب عوامل كانت خارجة عن الإرادة.
وقال بريجنسكي «أعتقد أن الغرب منهك، وأوروبا بالتأكيد فقدت أي إحساس بالمسؤولية العالمية. وكان ذلك متصلاً، في جزء منه، بالمهمة التي انشغلت بها لتأسيس الاتحاد الأوروبي. أما أميركا فقد شرعت بالتصرف وفق مبدأ الإشباع الذاتي أو الاكتفاء الذاتي، كما لو أنها اعتقدت حقاً أن التاريخ وصل إلى نهايته».
ولكن هذه القوى كانت كبيرة جداً، فإلى أي مدى أسهمت بعض القرارات في وقت معيّن، كالحرب على العراق مثلاً، في الوصول إلى هذه النتيجة؟ يعلّق المفكر الاستراتيجي بإعادة تأكيد موقفه «المعروف» من حرب العراق. «لقد كانت كارثة.. لقد قوضت الشرعية الأميركية حول العالم، هشمت مصداقية الرئيس، ورتبت تكاليف باهظة على الإدارة الأميركية أسهمت في زعزعة الشرق الأوسط بأكمله. أضف إلى ذلك الدور الإيجابي الذي كان يلعبه صدام حسين في احتواء إيران، مقارنة بعراق اليوم الذي يغرق في اللااستقرار. ما سبق يعني أن العالم كان يمكن ان يكون مختلفاً لو لم تغزُ أميركا العراق اليوم. ببساطة، كان الشرق الأوسط أكثر استقراراً».
وفي هذا السياق، تنتقل المجلة للسؤال عن ضرورة أن يكون لأميركا هوية تسهم في الحفاظ على تأثيرها على الدول والشعوب الأخرى، وعن حجم الضرر الذي ألحقته أميركا بهذه الصورة جراء ما ارتكبته من أمور منذ نهاية الحرب الباردة. هنا يرى بريجنسكي أن «أميركا للأسف أفقدتنا الشرعية، ما يجعل من السهل أن يكون الكثير من أجزاء العالم معادياً لنا غريزيا. الأسوأ أننا تجاهلنا ذلك وتصرفنا كما لو أننا موكلون بمهمة خاصة. إلى جانب أنه من غير الممكن لوم أميركا على كل ما حدث، فالفترة الماضية شهدت كذلك صراعاً على الهيمنة بين القوى العظمى، التي تخبطت في الحرب العالمية الأولى والثانية ثم الباردة».
إلا أن «المقلق بحق»، بالنسبة لمستشار الأمن القومي الأسبق، هو أن «جمهورنا لا يفهم العالم. ولا يمتلك أي اطلاع حتى على ما يجري حوله في العالم... ويصبح الأمر أكثر سوءاً لأن القيادة لا تتصرف بذكاء، وهي نفسها ترتكز على الشعارات التبسيطية».
وفي انتقال إلى الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، الذي تحدث عنه بريجنسكي مطولاً في كتابه الأخير، يرى بريجنسكي أن ما يُطرح حول «حلّ الدولتين» بات متأخراً جداً لأن «استمرارية هذا الحلّ مرتكـــزة على التوصل على تسوية حقيقية بين الطرفين.. وهذا الأمـــر بالغ الصعوبة في ظلّ الظروف الــسائدة حــيث يتــفوق أحد الطرفين، وليس لديه حافز لتقــديم تنــازلات. وفي المقابل، ليس هناك من طرف خارجي ملتزم فعلاً في الدفـع باتجاه السلام».
ويشير بريجنسكي في السياق إلى الفترة التي ذهب فيها إلى الأردن والسعودية فترة التحضير لاتفاقية «كامب ديفيد»، معلقاً «فوجئت بأن البعض يقول عرضاً إن الصليبيين كانوا في القدس لمدة تسعين عاماً ولم يتركوا شيئاً خلفهم. لذلك فإن شعورهم بالوقت مختلف عن شعورنا، وبالتالي يُطرح السؤال هنا: ما مستقبل إسرائيل؟».
وعند الحديث عن الشأن الإيراني، طرحت المجلة سؤالاً عن حجم الاحتمال الموجود لتوجيه أميركا ضربة عسكرية لإيران، وكذلك إسرائيل. وهنا يلفت بريجنسكي إلى أن «احتمالات أن تفعلها إسرائيل أكبر بكثير من احتمالات أن تفعلها أميركا. في وقت أشك في الواقع بأن واشنطن قد تقدم على ذلك، فمن السهل بدء حرب لكن من الصعب جداً وضع حدّ لها». أضف إلى ذلك، والكلام لبريجنسكي، أن «تكلفة الطاقة سترتفع كثيرا، وسيؤثر ذلك إلى حد بعيد على الاقتصاد العالمي. والأسوأ أننا سنضع الأوروبيين بين يدي الروس. هؤلاء قلقون جداً في هذه الفترة من ألا يغطي سعر الطاقة، حيث البرميل يتراوح بين 90 و120 دولارا، توقعاتهم الميزانية. ولكن إن قفز سعر البرميل فوق الـ200 دولار فإن ذلك سيكون أكثر من ملائم بالنسبة لهم. فضلا عن أن الضربة على إيران ستجعل الكارثة أكبر حيث ستهدد قواعدنا العسكرية في المنطقة، كما قواتنا في أفغانستان والعراق».
تعقيباً على ما سبق، يحذّر بريجنسكي من اندلاع حرب على صعيد المنطقة بأكملها جراء الضربة على إيران. ويقول «يجب ألا نصل إلى نقطة نقول فيها ان لا خيار أمامنا. لدينا خيار. لدينا خيار إقناع الإسرائيليين بتفادي الحرب. ولا أستبعد هنا إمكانية نجاح المفاوضات، إذا أخذنا بالاعتبار إقامة مفاوضات حقيقية ترتكز على ان لإيران الحق بتخصيب النووي بنسب ضئيلة»، متأسفاً «إن كان الاتفاق يقضي بالوصول إلى تسويات مهينة لإيران، فلن نتوصل إلى اتفاق حكماً».

انشر المقال على: