الجمعة 31-01-2025

انهيار اوروبا ... الشتاء الغربي

×

رسالة الخطأ

موقع الضفة الفلسطينية

انهيار اوروبا ... الشتاء الغربي
أفيعاد كلاينبرغ /يديعوت

الشتاء يحل: ليس على الشرق الاوسط، ليس على العالم الثالث – بل على الاول والثاني، على الغرب. وهو يأتي في موعده، ولكننا دوما تجدنا متفاجئين. المفاجأة هي الابنة الكبرى للكبت. العناوين على الحائط تلمع منذ زمن بعيد. ومرة كل بضعة اجيال يأتي احد ما يعلن عن نهاية التاريخ. واليوم من المضحك ان نتذكر هذا. فهذه السيدة العجوز لا ترتاح ابدا. مرة كل بضعة ايجال يعلن أحد ما باننا وصلنا الى الراحة والى شاطيء الامان، وباننا ابدا لم يكن وضعنا أفضل وانه لا يوجد ما يدعو الى أن يكون اقل جودة. ولكن دورات التاريخ الكبرى تروي قصة اخرى. الامبراطوريات تصعد وتهبط، منظومات الامم – الدينية، الاقتصادية والسياسية – تعلق في الازمات وتنهار داخل نفسها، والديمغرافيا تنكل بالمتوقعين.
منذ سفكت دمها في الحرب العالمية الثانية تمتعت اوروبا بسلام وازدهار غير مسبوقين وقد اتيحا لها بقر كبير ضمن امور اخرى بسبب توجيه ميزانيات التسلح الى جودة الحياة. العم من امريكا، الذي خرج من الصراع مع الالمان واليابانيين كامبراطورية اقتصادية وعسكرية، حرص على الامن ومول الاندفاع الاقتصادي (مشروع مارشل). ولتجربتهم المريرة عمل زعماء اوروبا على اضعاف النزعة التي ضحى اباؤهم بالابناء على مذبحها: الدولة القومية. وكان الرب الجديد هو اقتصاد السوق.
هذا الرب ليس مجرد آلية لادارة الاسواق؛ فهو منظومة اخلاقية مركبة ومتطرفة تلاءمت مع خيبة الامل الكبرى من الايديولوجيات التي طالبت بلا انقطاع بالتضحية بالفرد من أجل العموم. اقتصاد السوق كان يؤمن بالفرد؛ ليس بالفرد الخطاء الذي يتغلب على شهواته من اجل مجد الرب، بل الخطاء الذي يحب خطاياه. المنظومة الجديدة شجعتنا على الوقوع في الخطايا المميتة التي للعالم السابق – اطلاق العنان للشهوات، للحسد، للفخر والعزة – العمل أخيرا في صالح ما هو خير في نظرنا وليس في نظر الأب الأكبر أو الأخ الأكبر. وكان في ذلك ما هو محرر جدا.
ولماذا في واقع الامر لا نعطي العنان لشهواتنا؟ لماذا يتعين علينا ان نضبط نفسها دوما وان نكبحها؟ عالم نائم حتى الأساس خرب، ليس من اجل اقامة دكتاتورية البروليتاريا، بل من اجل الاستمتاع، "والسعي الى السعادة" بتعبير اعلان الاستقلال الامريكي. أقل ما يكون من الواجبات؛ أكثر ما يكون من الحقوق. واولئك الذين يريدون منكم العمل من اجل الآخر فليفعلوا ذلك ليس لأنهم ملزمون، بل لأن هذا هو العمل الذي يفضلونه في اوقات فراغهم.
وقد نجح هذا لعدة عقود. لم يسبق للغرب ان كان شبعا أكثر، هادئا أكثر، معتدا أكثر. من يحتاج الى الدولة القومية؟ من يحتاج الى الكنيسة؟ من يحتاج الى الدكتاتوريات مكفهرة الوجه؟ الديمقراطية الليبرالية، امبراطورية الحقوق، المستهلكين والاستهلاك، هي جنة عدن، والاتحاد الاوروبي هو الحارس الأمين. كل من يمكنه أراد ان يدخل. ولكن يوجد لهذا الترتيب بعض المشاكل. فهو يقوم على أساس الفرضية بأن الازدهار سيستمر الى الأبد وهو يعطل باسم هذا الوهم الغرائز الضرورية لساعة الازمة: التكافل، الرضا بالقليل، الاستعداد للعمل الكد. وهو يعطي قوى هائلة لفناني الارقام، الذين يعدون بأنه مهما تكن النسب التي يأخذونها لأنفسهم، فلا يزال سيتبقى ما يكفي لكل الآخرين. هذه وعود صعب جدا الايفاء بها في اوضاع الازمة.
العالم تغير. قوى جديدة صعدت فيه، واحتياجات جديدة ولدت. امريكا أضاعت مقدراتها الهائلة في سلسلة من المغامرات الاقتصادية والعسكرية ولم يعد بوسعها ان تنقذ – نفسها أو اوروبا. اوروبا تقترب بسرعة من ازمة اقتصادية عميقة ستكون بالضرورة ايضا ازمة سياسية واخلاقية، ازمة ليست مستعدة لها عقليا وسياسيا، وستجبرها، كالمعتاد في لحظات الازمة، على ان تخترع بسرعة ودون تفكر، مذهبا فكريا بديلا. المشكلة هي ان امريكا واوروبا مرتبطتان بحبل سري. في المرة الاخيرة التي علقت فيها امريكا في ازمة (1929) اهتز تماما النظام الاوروبي والعالمي. الشتاء مقترب. أعدوا المعاطف.

انشر المقال على: