اليونان ـــ إسرائيل: الأبعاد السياسية للصفقة الأمنية!
هاني حبيب
قبل عام واحد من قيام دولة الاحتلال على الأرض الفلسطينية، صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 181 لتقسيم فلسطين التاريخية إلى ثلاثة كيانات، 13 دولة رفضت القرار دعماً لفلسطين والدول العربية آنذاك، من بين هذه الدول اليونان التي ظلّت إحدى أهم الدول الأوروبية التي واصلت دعمها لحقوق الشعب الفلسطيني لعقود متتالية، خاصةً عندما عزّزت هذا الدعم العام 1981 بمنح الصفة الدبلوماسية لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية، واليونان بذلك كانت أول دولة أوروبية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية إبّان تولي أندرياس باباندريو رئاسة الحكومة وهو الذي وصف الرئيس عرفات بأنّه القائد الذي يناضل من أجل استعادة وطنه المفقود، وظلّ الموقف اليوناني إزاء الملف الفلسطيني الإسرائيلي يقوم على ركيزتين أساسيتين، انسحاب إسرائيلي من كافة الأراضي المحتلة العام 1967، ومنح الشعب الفلسطيني الحق في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة، وكان هذا الموقف سبباً في عدم إقامة علاقات دبلوماسية بين أثينا وتل أبيب حتى العام 1990، عندما كان كونستانتين متسوكاكيس رئيساً للوزراء، عندما اعترفت اليونان بالدولة العبرية، والآن، فإن من يتولى رئاسة الحكومة اليونانية هو كرياكوس بيتسوكاكيس نجل الرئيس الذي بدأ بإقامة علاقات مع إسرائيل والذي خطا خطوات أكبر نحو ترسيم وتعزيز علاقات أثينا بدولة الاحتلال الإسرائيلي.
كانت بوادر العلاقات الوثيقة، بين الجانبين قد تمثلت في زيارات متبادلة بين رئيسي وزرائهما العام 2010، ثم قيام اليونان بمساعدة إسرائيل أثناء حريق جبال الكرمل في نفس العام، بينما اعترضت اليونان على أسطول الحرية الذي كان في طريقه إلى قطاع غزة لكسر الحصار البحري عن القطاع، وفي 2014 سنّت اليونان قانوناً يمنع إنكار المحرقة النازية.
تشرح هذه المقدمة، المسار الذي أفضى إلى توقيع إسرائيل قبل أيام على أكبر صادرات أمنية مع اليونان بما يقدر بمليار ونصف المليار دولار، وهي الصفقة الأضخم منذ العلاقات بين الجانبين، وهي الصفقة التي نشرت تفاصيلها وسائل الإعلام الإسرائيلية واليونانية، وإذا كان البعض يعتقد أنّ هذه الصفقة مرتبطة مباشرة بما بات يعرف بتغير الخارطة السياسية والغازية لشرق المتوسط وجملة التحالفات التي ربطت بين عدّة دول مطلّة على تلك المنطقة فإنّ المقدمة التي أشرنا إليها ترى في التطور الأخير رغم علاقته بتطورات شرق المتوسط إلّا أنه كان سابقاً له على ضوء تعزيز العلاقات بين الجانبين بشكل مطرد قبل تطورات شرق المتوسط الأخيرة، إلا أنّ ذلك ساعد دون شك على قيام هذا التحالف الجديد بين أنقرة وتل أبيب والذي عبّر عن هذه الصفقة الأمنية بالغة الخطورة.
فقبل تطورات شرق المتوسط، أجرت إسرائيل واليونان عدّة مناورات عسكرية مشتركة، تضمنت هجوماً على منشآت إيرانية وأخرى اقتحامات وغارات على قطاع غزة وتلا ذلك التوقيع على اتفاق يسمح بنشر جنود وضباط من الجانبين في كلا البلدين وإقامة محطات مراقبة مشتركة في جزيرة تكريت اليونانية، أما التطور الأخير المتعلق بالصفقة الأكبر فيما بينهما فهو يؤرّخ لحقبة جديدة من التحالف كترجمة لسياق تاريخي عبر العقود الثلاثة السابقة.
وفي تقديرنا أن الأبعاد السياسية قد تتقاطع بشكل واضح مع الأبعاد الأمنية لهذه الصفقة، إذ ستتحول اليونان من بلد صديق وداعم لحقوق الشعب الفلسطيني، إلى مخلب قط يدعم الموقف الإسرائيلي داخل الاتحاد الأوروبي ويشكّل مكمن الخطر الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار ويوضع تحت عين المراقبة من قبل الفلسطينيين والمنظومة العربية أيضاً.