«اليســاريّة» تنطـلق (أخـيراً) الشـهر المقـبل
جوي سليم – السفير
لم يؤجّل الاعتداء الأخير على قناة «اليسارية» موعد انطلاقتها. لا يزال 16 أيلول، تاريخ انطلاقة «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية»، موعد بداية البثّ التجريبي المتحرّك للقناة إضافةً إلى بدء عرض بعض البرامج.
تأسيس قناة «اليسارية» ليس بفكرة جديدة، بل هي وليدة المؤتمر العاشر لـ«الحزب الشيوعي» (2009)، وكان من بين مقرّراته إعادة تفعيل وسائل إعلام الحزب («صوت الشعب»، مجلتي «النداء»، و«الطريق») إضافةً إلى إنشاء تلفزيون يحمل «هوية يسارية عربية». وبعد طرح الموضوع على اللقاء اليساري العربي الأول، كلّف اللقاء كلاً من أمين عام الحزب الشيوعي خالد حدادة وأمين عام لجنة وحدة الشيوعيين السوريين قدري جميل لحصد الدعم المالي للمشروع، من قبل رجال أعمال يساريي الهوى
القناة التي سيكون شكلها إخبارياً ثقافياً، لن تسعى إلى المنافسة بحسب مؤسسيها، بل سيكون هدفها.. التعبئة. «لا تريد «اليسارية» أن تنافس بالمعنى التسويقي الذي يطغى على الإعلام بقدر ما تطمح لنشر الفكر اليساري»، كما يقول رئيس مجلس إدارة القناة خالد حدادة لـ «السفير». بحسب حدادة، فإنّ طموح القناة هو «طرح وجهة نظر اليساريين العرب». ويضيف: «نحن نعلم واقع سوق الإعلانات، ولنا تجربة مع إذاعة صوت الشعب المحاصرة إعلانياً بسبب هويتها»، لكنّ هذا لا يعني أنّ القناة ستقفل الباب بوجه المعلنين، على حدّ تعبيره. «ندعو القوى التي تشعر أن الجنوح المذهبي والطائفي للإعلام المرئي والمسموع لا يمثلها، أن تدعم القناة، وذلك بواسطة الاكتتاب الشعبي الذي سينطلق مع انطلاق المحطة في أيلول المقبل»، يقول.
أثارت «اليساريّة» قبل انطلاقها سجالات سياسية وحزبية كثيرة، أبرزها اعتراض بعضهم على مشاركة نائب رئيس مجلس الوزراء السوري قدري جميل في التأسيس. وهنا يرى حدادة أنّ «الذين اعترضوا على هذا الموضوع، اعترضوا لأسباب لا علاقة لها بالسياسة، لأنهم كانوا أنفسهم من انتقدوا الحزب سابقاً، حين لم يتخذ موقفاً حاسماً في تأييد النظام السوري. فالاعتراض جاء لأسباب حزبية، وليس لأسباب سياسية». وفي هذا السياق، يلفت حدادة إلى أنّ «اليسارية» لن تكون قناة «الحزب الشيوعي اللبناني» وحده، بل قناة اليسار العربي، ستكون قرارتها ملكاً للأحزاب الـ 34، أعضاء «اللقاء اليساري العربي» الذين وافقوا على فكرة إنشائها.
لكن هل ستكون القناة قادرةً على استقطاب جمهور عربي واسع، مع صعود الخطاب المتطرّف في المنطقة؟ يؤكّد حدادة أنّ القناة حظيت بتجاوب كبير على مواقع التواصل الاجتماعي منذ الإعلان عن انطلاقتها، وكذلك بعد الاعتداء الأخير عليها الأسبوع الماضي. «هناك مشاهدون كثر متحمّسون لقناة ستعرض أفلاماً وثائقية عن الحركات العمالية والتقدمية في العالم العربي، والمقاومة الوطنية في لبنان، في ظلّ ما نشهده منذ سنوات من محاولات لإقصاء قوى اليسار»، يقول الأمين العام لـ «الحزب الشيوعي اللبناني». وفي هذا الإطار، يشير حدادة، إلى أنّ القناة لم ترفع دعوى قضائية على أحد، بعد الاعتداء الأخير عليها، «لاعتبارنا أن الأمر جاء ضمن حالة عامة في البلد يسودها الفلتان والجموح الطائفي». ولكنّ الاعتداء برأي حدادة، هو رسالة «المقصود منها أنه ممنوع أن يكون في لبنان صوت يساري غير ملتحق بالاصطفاف الطائفي ويطمح إلى حالة من السلم الأهلي مقترنة بالسعي إلى تغيير ديموقراطي»، على حدّ تعبيره.
وعن موقف القناة من الربيع العربي، يقول حدادة إن القناة «تتبنى بالكامل موقف «الحزب الشيوعي اللبناني»، الداعم للانتفاضات الشعبية ضد النظام العربي الرسمي الذي أوقع الشعوب العربية في مثلث الجوع والخيانة الوطنية والقمع. إلى ذلك تطمح أن تكون صوت الذين يحاولون إنقاذ الثورات في هذه المرحلة الانتقالية من منطق المساومة مع القوى الإسلامية المتحالفة مع أميركا، كالقوى الشعبية والنقابية في تونس، والمجموعات التي التفّت حول حمدين صباحي في الانتخابات الرئاسية المصريّة الأخيرة. كثيرون يترقّبون موقف القناة من الأزمة السوريّة، وهنا يشير حدادة إلى أنّ «اليساريّة» ستنحاز إلى ما يسمّيه «منطق التقاطع بين المعارضة الوطنية، واليساريين الموجودين في قسم منهم في السلطة، وصولاً لبناء الدولة المدنية الديمقراطية بديلاً للنظام الحالي الذي وبالرغم من أنّه لم يلتحق في المشروع الأميركي إلا أنه جوّع الناس وقمعهم. كما تنحاز إلى لاءات المعارضة الوطنية: لا للقمع، لا للتدخل الخارجي، لا للحرب الأهلية».
يتشكل الموظفون في القناة التي اتخذت مقراً لها في منطقة الحدث/ السانت تيريز، من جنسيات مختلفة منهم لبنانيون، سوريون وفلسطينيون. كما سيكون لبعض الأحزاب اليسارية مساهمة في فتح مكاتب للقناة في دولها، بالإضافة إلى مراسلين للقناة في الخليج العربي حيث التواصل قائم دائماً مع القوى اليسارية المضطهدة تاريخياً من قبل الأنظمة في هذه الدول.
تواجه اليسارية منذ ما قبل انطلاقها تحديات كثيرة أوّلها تحدّي حجز حيّز لها في الفضاء العربي وكسب جمهور أصبح مشتتاً في ازدحام القنوات وخطوطها الفكرية. ولا شكّ في أنّ معركة المعنيين بهذه القناة تكمن في إنجاح القناة واستمرارها، كي لا تتحول إلى مجرد عبءٍ آخر على عاتق الأحزاب اليسارية العربية، ذات الإمكانيات المحدودة جداً.
قناة اليسارية: