
الهوس بالإسلاميين والانتخابات
لميس اندوني
لماذا يجري تصوير الجدل القائم حول الموقف من الانتخابات النيابية كمرحلة حسم بين الجهات الرسمية والحركة الإسلامية؟ ماذا عن بقية القوى وحتى الفئات الأوسع غير المنخرطة تنظيمياً أو الملتزمة أيديولوجياً ؟
قد تفوز الجهات الرسمية على تنظيم الإخوان بفعل عوامل عديدة؛ منها المسار الذي اتخذته الثورات العربية، وأخطاء الحراك، بما في ذلك أخطاء الحركة الإسلامية، و بفعل التخويف والخوف الموجود من بديل من الفوضى والتناحر الاجتماعي.
لكن ماذا عن عملية الإصلاح وبناء دولة القانون و التعددية؟ إن تعميق الفرز، والتعامل من كلا الطرفين إلى حد ما، بعقلية تتجاهل وجود قوى أخرى وأفكار أخرى على الساحة تهدد بضرب أي فرصة لوضع أسس لعملية مشاركة واسعة وتمثيل حقيقي إذا كنا نريد مخرجاً للأزمة الحالية.
للأسف ارتبطت الانتخابات، خاصة وليس حصراً بعد إقرار نظام الصوت الواحد عام 1993، بالهوس بتحجيم الحركة الإسلامية ، وكان الحجة التي قدمت لتبرير تثبيت نظام الصوت الواحد وفرض القانون الانتخابي الاقصائي، واستبعاد الباب أمام أي مقترحات أو تعديلات بديلة.
لا بد من الاعتراف بالمحاولات الرسمية، لإيجاد تفاهم مع الحركة الإسلامية، لكن جميعها كانت تنطلق من نفس العقلية التي تحدد المعادلة السياسية إما باتفاق مع الإخوان أو بتهميشهم وإبقائهم خارج اللعبة ؛ أي جميع المبادرات والاتصالات تتم بعقلية استثناء كل التيارات الأخرى ومن خلال عقد صفقات ثنائية، تتناسب مع مصالح الطرفين على حساب بناء التعددية السياسية.
الاتصالات والوساطات لم تنجح، لأسباب أحدها أن الجهات الرسمية تراجعت عن كل الوعود وأهمها إنهاء العمل بنظام الصوت الواحد.
ولسبب آخر غير معلن، ولكن تُعَبِر عنه مواقف الإخوان، وهو الشعور بالقوة والاستقواء بتفوق الإسلاميين في انتخابات ما بعد الثورات، واحتمال سيطرتهم على الوضع في سورية ، وإلا كيف يمكن تفسير تفرد الإخوان بإعلان التصعيد وإشهار قيادة عليا للإصلاح دون التشاور أو التنسيق مع بقية أطراف المعارضة الأردنية، بمن فيها مع حلفائهم في جبهة الإصلاح الوطنية؟
تستطيع حركة الإخوان حشد الـ 50.000 متظاهر في 28 من الشهر الجاري، ولكن ما هو الهدف ؟ إذا كان عرض العضلات والقوة، وإن كان ذلك حق للتنظيم بفعله كقوة معارضة، فهل هو لفرض ثنائية المعادلة أم لمحاولة تجميع قوى المعارضة تحت لواء شعارات موحدة، وإن كان هذا الهدف فأين التشاور والتحاور؟
هناك شعور عند القوى الأخرى بأن الاستفراد هو سيد الموقف إن كلا الطرفين الرسمي والاخواني على وشك الدخول في مواجهة ، قد تكون أهم ساحاتها الانتخابات، ولكن ستكون لها تداعيات على فرص الاصلاح و الحوار الوطني.
الحل لا يأتي عن طريق طرح اقتسام شراكة الإسلاميين في الحكم ، كما يقترحه رئيس الوزراء السابق الدكتور عون الخصاونة، ولكنه أيضاً لا يتأتى عبر إقصائهم، لأنه لا يمكن الولوج في أي عملية إصلاح بممارسات إقصائية ودون تعزيز التشاركية والمشاركة البرلمانية الواسعة.
يبدو أن اقتراح الخصاونة، يدخل في سياق المحافظة على النظام واستقراره، عن طريق فهم واحتواء إفرازات الثورات العربية، خاصة أن كلاً من واشنطن وتنظيم الأخوان العالمي، على استعداد لتجسير هوة الخلافات، وحصرها بما يتيح التعاون والوفاق.
لكن أي حل يجب أن يرتبط وينبع من رؤية للتغيير الحقيقي وليس فقط من محاولة التعايش مع التغييرات الإقليمية والعالمية، لأن القضايا الأساسية متعلقة بالحرية والعدالة الاجتماعية.
يبدو أن هناك إصرارا على الإبقاء على هذه الثنائية، بالرغم من أنه كانت هناك فرصة للقفز عنها انطلاقاً من قانون انتخاب مبني على صيغة نظام التمثيل النسبي، تعكس نتائجه الحجم الحقيقي للإخوان على الأرض، دون تقليص أو تضخيم، ويخلق أرضية للتعددية الحزبية في الأردن.
نأمل ونصر أن الفرصة لم تفت، لأنه لا بد من مخرج تكون بدايته حوارا وطنيا شاملا ، مباشرة مع رأس البلاد ويضم جميع القوى والتيارات، لكنه لا يمكن أن يتم أو ينجح دون نزع بؤر التوتير وأكثرها إلحاحاً قضية المعتقلين السياسيين التي لم تلق سوى إدانة محلية ودولية نحن بغنى عنها.