المفاوضات والمستوطنات والأسرى
محمد محفوظ جابر
أصبح واضح تماماً أن المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية ليست ناجمة عن إرادة فلسطينية أو اسرائيلية بل هي نتيجة ضغط الولايات المتحدة على الطرفين وذلك لخدمة مصالحها الخاصة ، والتخلص من عبء القضية الفلسطينية .
إذ أن بنية الحكومة الاسرائيلية هي بنية يمينية ترفض المفاوضات بل همها الأساسي هو بناء المستوطنات فوق الأراضي المحتلة لخلق أمر واقع يؤدي إلى تهويد الأرض ولذلك اضطر ناتنياهو أن يقايض حزب " البيت اليهودي" بالسكوت عن الافراج عن أسرى فلسطينيين مقابل توسيع المستوطنات .
أما السلطة الفلسطينية فإن مرجعيتها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير رفضت العودة إلى المفاوضات ما عدا عباس وقريع ، ورغم ذلك فقد أعلن عباس موافقته على العودة إلى المفاوضات رغم علمه أن المفاوضات تكرس الانقسام الفلسطيني وأن لا وحدة وطنية في ظل المفاوضات العبثية ورغم رفض المرجعية لهذا القرار .
وباختصار الإرادة الأمريكية بإجراء المفاوضات فُرضت وثبت أن لا الطرف الاسرائيلي ولا الطرف الفلسطيني يملك الإرادة في العودة إلى المفاوضات وهذا يعني أن النتائج ستكون سلبية ولن تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام .
إن الافراج عن 26 أسيراً فلسطينياً من أصل 5100 أسير في سجون الاحتلال هو فرح مؤقت وصغير ولا يقاس أو يضاهى ببناء 1200 وحدة استيطانية بما تشكله من حزن دائم راسخ على الأرض كلما شاهدناها تعتصر قلوبنا من الألم . وإن شعار " السجناء مقابل الشقق" هو شعار هزيل واستمرار في عمليات تقديم التنازلات وخاصة أن العودة إلى المفاوضات كانت بعد التنازل عن شرط وقف المستوطنات ايضا.
وأخطر ما يحدث الآن في قضية الأسرى هو عملية تقسيم الأسرى إلى عدة حالات :
أولاً : ما قبل أوسلو وما بعد أوسلو وهي عملية تفريق بين الأسرى للقيام بعملية ابتزاز السلطة الفلسطينية وهذا ما تم الآن فقد ابتعدت السلطة عن المطالبة بجميع الأسرى وأصبحت هي أسيرة لشعار " أسرى ما قبل أوسلو " الذين قضوا سنين طويلة من عمرهم في السجون الصهيونية .
ثانياً : تقسيم جغرافي للأسرى ؛ أسرى القدس ، أسرى 1948 ، أسرى الضفة ، وأسرى القطاع ، وأسرى من خارج فلسطين والمقصود بها طبعاً أن أسرى القدس و1948 يعاملوا على أنهم مواطنين اسرائيليين (والحقيقة انهم يعاملون كمواطنين في هذه الحالة فقط ) والمسؤول عنهم هو الكيان الصهيوني أي يتم اخراجهم من دائرة الافراج لتحدد قائمة المفرج عنهم بدونهم!.
لذلك اختارت سلطات الاحتلال أن تفرج فقط عن 26 أسيراً احد عشر اسيرا منهم من الضفة وخمسة عشر اسيرا من غزة ومن بينهم تسعة أسرى انتهت مدة محكوميتهم . وهنا نتساءل أين دور وزارة الأسرى في السلطة الفلسطينية وأين دور مؤسسات الدفاع عن الأسرى وعن حقوقهم والجميع لديه الملفات الكاملة حول أوضاع الأسرى في سجون الاحتلال ويمتلك القدرة في حسن الاختيار وتحديد الأولويات .
إن نهج السلطة الفلسطينية بالافراج عن الأسرى في سجون الاحتلال بالوسيلة السلمية أي المفاوضات غير مجدٍ أما نهج المقاومة في استخدام العنف الثوري للافراج عن الأسرى فقد كان هو الاجدى ، فقد استطاعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بتاريخ 23/ 7 / 1968 ورغم عدم الخبرة في ذلك الوقت الافراج عن 37 أسيراً في عملية تبادل وهي أول عملية تبادل فلسطينية تمت على أثر قيام الرفيق يوسف الرضيع والرفيقة ليلى خالد باختطاف طائرة اسرائيلية تابعة لشركة العال وتم الافراج عن الركاب مقابلهم ، فكيف نقبل اليوم بأقل من هذا الرقم ؟
وقد أدت عمليات أخرى أهمها في 23 / 11 / 1983 حيث تم الافراج عن جميع الأسرى في معتقل أنصار وعددهم 4700 أسير فلسطيني ولبناني مقابل ستة جنود اسرائيليين لدى فتح واثنان لدى الجبهة الشعبية القيادة العامة وصفقة شاليط وصفقات حزب الله وصفقة النورس التي نفذتها الجبهة الشعبية القيادة العامة............. الخ كل هذه العمليات تؤكد صحة خط المقاومة واهميته في الافراج عن الاسرى وتؤكد فشل المفاوضات العبثية التي ترسخ اقدام الصهاينة فوق الاراضي المحتلة ببناء المستوطنات عليها.