السبت 18-01-2025

القتال غير التناسبي في قطاع غزة – حالة اختبار

×

رسالة الخطأ

دان هرئيل

القتال غير التناسبي في قطاع غزة – حالة اختبار
دان هرئيل

مساحة قطاع غزة صغيرة تبلغ نحوا من 360 كم مربع. وطوله 42 كم، وعرضه في أعرض مكان 12 كم، لكن العرض في أكثر القطاع 6 كم. ويعيش في القطاع نحو من 1.6 مليون نسمة؛ ونسبة الزيادة الطبيعية للسكان 3.3 في المائة كل سنة. وأكثر من نصف السكان تحت عمر الـ 15. ولا توجد في قطاع غزة موارد طبيعية وليس فيه قدر كاف من الارض لزرع القمح ولهذا لا يستطيعون زراعة الغذاء الأساسي الذي يحتاجونه، بأنفسهم. هذا الى انه لا يوجد ماء هناك. ان سكان القطاع يعتمدون على دولة اسرائيل في كل ما يتعلق بوجودهم: الغذاء والماء والبنى التحتية للكهرباء والصرف الصحي. وان الكثافة السكانية في القطاع كله تميز منطقة مبنية مع كل ما يصاحب ذلك من معان. ففي جباليا مثلا يعيش نحو من 100 ألف انسان في مساحة صغيرة جدا. وقد اضطرت اسرائيل الى القتال في هذه المساحة حينما خرجت لعملية "الرصاص المصبوب" التي بدأت في نهاية كانون الاول 2008. ان موضوع عدم التناسب هو عامل مؤثر جدا في صورة مواجهة اسرائيل لتحديات القتال في غزة.
كانت الحرب العالمية الثانية نموذجا لحرب بين دول حينما صيغ القانون الدولي في مجال القتال، ولا سيما في وثيقة جنيف الرابعة. ويعتمد القانون الدولي كله في شؤون القتال على تجربة الحرب العالمية الثانية حينما حاربت جيوش الدول بعضها بعضا. وحينما نفحص عن نسبة القوى بين دولة اسرائيل وحماس يمكن ان نرى ان الجيش الاسرائيلي هو الجانب القوي لأن فيه مئات الآلاف من الاشخاص وآلاف الدبابات والطائرات والسفن، أما حماس في ظاهر الامر فهي الجانب الضعيف لأن عندها عشرات الآلاف من المقاتلين وهي غير مسلحة بسلاح ثقيل. ولهذا من الواضح انه حينما يدخل الطرفان في مواجهة عسكرية بينهما سيتغلب الجانب القوي على الجانب الضعيف. لكن من الواضح ان هذا غير صحيح وانه خطأ كبير. فلا يمكن ان تُقاس نسب القوى بين الجانبين برؤية سطحية كهذه. فالجانب الضعيف لاحتياجه في واقع الامر الى مجابهة الجانب القوي يجر اسرائيل الى المواجهة في صعد اخرى تقرر بقدر كبير جدا نتيجة المواجهة العسكرية لا في المستوى التكتيكي فحسب بل في المستوى الجهازي وفي المستوى الاستراتيجي ايضا، فهذه مواجهة عسكرية غير تناسبية.
ينبغي اذا ان نفحص ما هو عدم التناسب. لا يُقاس عدم التناسب بين جهتين بمفاهيم القوة فحسب بل هو موجود في كل مكان فيه اختلاف في طبيعة الجهات المتواجهة عسكريا وأهدافها وقوتها وطريقة عملها، ولا سيما قواعد اللعب التي تعمل بحسبها.
بين دولة اسرائيل وكيان حماس في غزة عدم تناسب عميق راسخ يحث على صورة مواجهة عسكرية معينة خاصة في هذا الصراع. ولهذا يُحتاج الى تحديد أساسي لعدم التناسب – في المستوى الاستراتيجي والمستوى التكتيكي – بحيث يكون المستوى التكتيكي آخر الامر هو الذي يقرر كيف نحارب في الشارع. ان دولة اسرائيل في المستوى الاستراتيجي هي دولة ديمقراطية فيها مؤسسات حاكمة منتخبة وهي تتأثر جدا بالرأي العام وبالاعلام. وفي غزة في المقابل كيان لا يُعرف بأنه دولة وهو يسير متبعا صوتا واحدا. وفي حين تعمل اسرائيل بحسب المنطق الغربي الذي يعبر عن شتى الآراء وتُمتحن فيه السلطة بحسب نتائج عملها هنا والآن، توجد في غزة سلطة ذات عقيدة أصولية توجهها فكرة خلاصية بعيدة المدى هم مستعدون للتضحية بضحايا كثيرين من اجلها. ومن جهة أهداف المواجهة العسكرية، فان دولة اسرائيل في حين تريد ان تُثبت الواقع الجغرافي السياسي وان تحرز تهدئة، ويريدون في غزة تغيير الواقع – محو دولة اسرائيل – وهم مستعدون لدفع الثمن الذي يصاحب ذلك. ومن جهة العوامل القسرية، في حين تلتزم دولة اسرائيل بسلوك الدول المقبول يُملي كيان حماس في غزة على نفسه القواعد وشكل السلوك وهذا يؤثر جدا في صورة مواجهته العسكرية.
وفي المستوى الجهازي وبرؤية للبنية، عند اسرائيل جيش نظامي وتقليدي يعمل بحسب شيفرة عمل عسكرية غربية. وهو يُعلم نفسه بجملة علامات منها اللباس العسكري. وفي كل ما يتعلق بشيفرة العمل يعمل الجيش الاسرائيلي على مواجهة أهداف عسكرية فقط وهو يجهد في منع الاضرار بالمحيط. وتُبنى في غزة قوة تسميها اسرائيل لتخفف عن نفسها سرايا وكتائب وألوية، لكن هذه القوة غير منظمة بهذه الصورة، فهي قوة "مخاطة بحسب الحاجة"، ذائبة في المحيط المدني الذي يحميها وهي معدة سلفا تحت بيوت مدنية ومؤسسات مدنية وتعمل بحسب شيفرة عمل مستقلة تُمكّنها من ان تعرض نفسها إما على أنها جهة مدنية وإما على انها جهة عسكرية – بحسب حاجاتها.
وهناك اختلاف من جهة منطق المعركة. فبحسب التصور الاسرائيلي يجب ان يكون القتال قصيرا وان يحرز نتائج قاطعة تُمكّن من هدوء زمنا طويلا، أما الطرف الثاني فيتحدث عن صمود طويل في الميادين الموجودة. وتحاول حماس التوصل الى خطة تفرض على الطرف الثاني حدودا في الأمد البعيد (لأنه لا أحد يتوقع منها ان تهزم اسرائيل التي هي أقوى منها كثيرا)، وبهذا تقيد رويدا رويدا يدي الطرف الثاني وتجعل العمل صعبا عليه. ومن جهة العوامل القسرية يوجد في اسرائيل حساسية كبيرة بمدة المعركة وبالتأثير في الجبهة الداخلية وبعدد المصابين في الطرفين لأن عدد المصابين في الطرف الثاني ايضا يلقي عليها قيودا. وفي مقابل هذا فان حساسية حماس الرئيسة هي بقاء القيادة.
وفي المستوى التكتيكي وبرؤية للبنية، بُني الجيش الاسرائيلي من وحدات في بنية عسكرية تقليدية، وصورة عمله واضحة بيّنة ذات ظهور كبير. وفي المقابل فان "الوحدات" التي ليست هي وحدات كالحال في الجيش التقليدي، تعمل في قطاع غزة بطريقة الاختفاء، أي بظهور ضئيل جدا. وهكذا لا يمكن ان نعلم عن انسان ما أهو محارب أم لا. وهم يعملون في داخل محيط مدني مهيأ لعمل عسكري وموجودون تحت الارض ولهم اتصال مستقل عن الشبكات العامة ويملكون مخزونا من الذخائر المفرقة كي لا يضطروا الى حملها من مكان الى آخر. وهم يحاولون الابتعاد قدر المستطاع عن مراكز الثقل كي لا تمكن مهاجمتهم. والحديث في واقع الامر عن عدد كبير من المحاربين يبلغ عشرات الآلاف يعملون في أطر مفرقة في داخل محيط مدني مع استعمال العوامل القسرية للجيش الاسرائيلي بحيث لا يمكن علاجهم بصورة ناجعة في العمل لمواجهتهم. ومن جهة المنطق التكتيكي – تلزم حماس طريقة عمل هي اطلاق مائل المسار على الجبهة الداخلية الاسرائيلية من منطقة مدنية مزدحمة مع الاستعمال المتعمد للسكان درعا بشرية، وذلك لجر العدو الى الدخول بوحدات المشاة والمدرعات الى داخل المنطقة المأهولة. والقتال في المنطقة المأهولة يُبطل فعل الجانب القوي ويجرده من نقاط تفوقه: فحماس ترى ان محاربا مع بندقية كلاشينكوف يساوي في قيمته محاربا مع بندقية إم 16 يواجهه. وهكذا تريد حماس ايقاع خسائر كثيرة جدا في القتال من الطرفين. والمنطق الذي يوجه حماس هو المس بمنعة اسرائيل وتصميمها على القتال بسبب خسائر كثيرة وإحداث صورة وضع انساني صعب في المقابل تفضي الى ضغوط دولية تسبب وقف القتال. وفي المقابل وبحسب المنطق الذي يوجه اسرائيل، ينبغي القضاء في أسرع وقت ممكن على اطلاق حماس للنار (القضاء لا الوقف لأن وقفه تماما صعب جدا من جهة عسكرية)، وتضر اضرارا شديدا بكل ما يتعلق بحماس العسكرية كي تنشيء ردعا في المستقبل. واسلوب انهاء اسرائيل هو احراز هذه الأهداف، أما اسلوب انهاء الفلسطينيين فهو ضعضعة شرعية عمل اسرائيل.
ان العوامل القسرية لاسرائيل هي كون الاسلحة ذات صلة، والعدد القليل لمراكز ثقل جهازية وأهداف عسكرية واضحة تمكن مهاجمتها والحساسية بالمصابين من الطرفين، وفي المقابل فان العوامل القسرية لحماس تنبع من صعوبة أدائها اللازم بسبب تفوق اسرائيل في مجالات كثيرة.
ان سؤال كيف عملت اسرائيل في المواجهة العسكرية الاخيرة وكيف ستعمل في المواجهات العسكرية التالية يفضي الى مشكلة المواجهة العسكرية في وسط مزدحم مليء بالمواطنين. تمت في عملية "الرصاص المصبوب" محاولة اخراج السكان من بيوتهم ونقلهم الى مكان آخر زمن القتال برغم ان هذه عملية مركبة جدا، وينبغي بذل كل الجهود للتفريق بين السكان والمقاتلين.
يمكن ان نُقسم التحديات الرئيسة في القتال في المناطق المزدحمة بالسكان الى المستوى التكتيكي والمستوى الجهازي.
ان أول سؤال يُسأل في المستوى التكتيكي هو من العدو. يصعب جدا تحديد هوية العدو والتفريق بينه وبين السكان الأبرياء. ويصعب كذلك الوقوف على صورة بناء أجهزته في الأحياء – أين توجد اسلحته الرئيسة وقواعد اطلاق الصواريخ والمنظومات المفخخة (فليس الحديث عن حي مدني بريء كتل ابيب). تصعب اصابة هذا العدو بغير اصابة شديدة للسكان حوله، وثمة صعوبة تحديد المنشآت العسكرية الموجودة تحت البيوت أو المؤسسات العامة واصابتها بغير إحداث ضرر كبير بما يحيط بها. وللرد على هذه المشكلات طورت اسرائيل اسلحة خاصة تسبب أدنى قدر من الضرر بالمحيط مع مستوى دقة عالٍ لا يوجد مثله للاسلحة التي تستعملها الدول الاخرى. وليس الحديث عن ان تكون على حق بل عن ان تكون حكيما. وينبغي الى ذلك تحديد مراكز ثقل العدو التي تكون اصابتها مُسقطة للحاجة الى الدخول البري (لأن الدخول البري ذو أضرار داخلية يصعب الامتناع عنها جدا). ويلتزم الجيش الاسرائيلي بحماية ناسه ويصعب فعل ذلك حينما يحارب منظمة تحاول الامتناع عن وجود مراكز ثقل.
تواجه قواتنا تحديات كبيرة في القتال في مناطق مأهولة. وينبغي ان نعلم أين توجد القوات في كل لحظة. مثل ان توجد خلية في غرفة ما وتوجد فصيلة في غرفة اخرى في المبنى نفسه. ولما كان المحيط معقدا جدا فهناك حاجة الى تفريق القوات ثم يوجد تحدي السيطرة على هذه القوات، وينبغي ان يُعلم كذلك كيف تُطهر بيوت يمكث فيها مخربون ومدنيون، وتوجد أحياء كثيرة فيها هذه الصعوبة. ان التحدي هو القيام بعملية منسِّقة بين كل هذه القوى مثل استعمال نار مساعدة لقوات تداور مع الامتناع عن إضرار بالمحيط. وبرغم انه وجدت لذلك حلول مختلفة واستعمال لأنواع من الاسلحة في اوضاع مختلفة، فان التحدي ما يزال كبيرا.
هناك اسئلة صعبة اخرى مثل: كيف نسلك في مناطق مدنية يخلط فيها العدو بين النشاط المدني والامكنة الملغومة؟ وكيف تؤمن محاور لوجستية ومحاور اخلاء؟ وهناك تحدٍ آخر في ميدان القتال هو التفريق بين المدنيين والمخربين. يجب على الجيش الاسرائيلي ان يتصل بالسكان وان يخرجهم من ميدان القتال. والمسؤولية التامة عن العناية بالسكان الموجودين في المناطق التي تمت السيطرة عليها ملقاة في نهاية الامر على الجيش الاسرائيلي فعليه ان يعتني بهم ويهتم بتزويدهم بالماء والغذاء، كذلك ينبغي التعاون مع منظمات دولية كي تستطيع تأدية عملها مع تأمين سلامتها لأنها تعمل في داخل ميدان القتال حقا.
والتحدي الرئيس في المجال السياسي هو التحديد الواضح الحاد لهدف العملية قبل بدئها لمنع وضع تغيير الهدف في اثناء العملية. ففي عملية "الرصاص المصبوب" مثلا أُثيرت في اثنائها أفكار لتغيير هدفها برغم أنها بدأت وتطورت بصورة ما لاحراز أهداف محددة. وهناك تحد آخر هو الحصول على الشروط السياسية للخروج في العملية وتأمين مجال العمل العملياتي المطلوب في اثنائها ومن اجل انهائها، فهذا الموضوع مهم جدا.
وهناك تحد آخر هو مجال الاعلام، فينبغي الحث على جهد دعائي قومي من اجل احداث شرعية عامة داخلية ودولية والحفاظ عليها لتأمين الزمان والمكان الضروريين لاحراز أهداف العملية.
وهناك تحد ايضا في المجال القانوني، فينبغي ادارة معركة قانونية قومية مشتركة لانشاء مجال العمل المطلوب قبل العملية وفي اثنائها ومن اجل تحقيق ثمراتها بعد ذلك، ولهذا يجب على خبراء القانون ان ينزلوا من أبراجهم العاجية وان يخرجوا الى الميدان ويعملوا، فهي ساحة قتال ككل ساحة قتال اخرى. وهناك حاجة في هذا المجال ايضا الى ادارة معركة قومية تنشيء مجال عمل مناسبا وتستغل نقاط ضعف العدو وتهاجمها، وتمنح في نفس الوقت قواتنا حماية مناسبة لأنه لا يمكن ان يفعل العدو كل ما يحلو له من غير ان يدفع ثمنا عن ذلك (بمعنى احراز أهدافه).
وفي المجال العسكري يوجد ايضا تحدي جمع معلومات استخبارية قبل الخروج للمعركة وذلك للتمكين من القضاء على أهداف بصورة كثيفة واصابة مراكز قوة جهازية مع الامتناع عن الاضرار بالسكان غير المشاركين في القتال. والتحديات هي الدخول البري مع التحكم بالايقاع والوصول الى الأهداف والامتناع عن سقوط خسائر من الجيش الاسرائيلي ومن السكان غير المشاركين في القتال بالطبع (ليس هذا الامر قانونيا فحسب بل هو اخلاقي، وهو في رأيي هدف مشترك بين الجميع)، وكذلك القضاء على نيران حماس مع تأمين توازن مناسب بين احراز الأهداف والعمل بحسب القانون الدولي الذي هو الحد الأدنى.
أرى ان هناك حاجة الى صوغ وثيقة جنيف الخامسة لأن وثيقة جنيف الرابعة فقدت جزءا كبيرا من صلتها بالواقع. وينبغي الأخذ بنشاط يضمن أقل عدد من المدنيين المصابين ويضمن أمن قواتنا بالطبع. والتحدي الأخير هو التحكم بالتوقيت وبصورة الخروج من الميدان من طرف واحد كما تم في عملية "الرصاص المصبوب".
"الرصاص المصبوب" باعتبارها حالة اختبار
كانت في منطقة قطاع غزة الى تشرين الثاني 2008 فترات اطلاق نار وتهدئة متناوبة، وقويت حماس جدا. وبعد ان أُطلق نحو من 400 قذيفة صاروخية على اسرائيل في تشرين الثاني – كانون الاول اضطرت الى دخول قطاع غزة، برغم أنها لم تكن متحمسة لذلك، وكان عند العدو نحو من 20 ألف مقاتل في غزة وكان يملك وسائل قتالية اشتملت على مضادات للدبابات والطائرات وشحنات ناسفة وقذائف صاروخية وراجمات. وكان هدف العملية اصابة حماس بشدة ومضاءلة اطلاق حماس للنار، والنشاط التخريبي المعادي من قطاع غزة، لتعزيز الردع وانشاء ظروف لتحسين الوضع الامني في الجنوب ومنع الانزلاق الى المواجهة العسكرية في ميادين اخرى. ولم يكن هناك قصد الى احتلال الارض للبقاء فيها بل الى المس الشديد بالمنظمة واحداث ردع والخروج من القطاع بعد ذلك. وكانت عقلية حماس القتالية كما أوضحنا آنفا، وكانت نهاية القتال بالنسبة اليها استنفاد شرعية اسرائيل في العمل على مواجهتها وابعادها عن الارض. وبحسب المهمة التي ألقاها الجيش الاسرائيلي على القيادة الجنوبية، حددت القيادة ثلاثة أهداف كان يمكن بحسبها ان يُقرر هل أدت المهمة، وهي: وقف اطلاق حماس للصواريخ والمس بالمنظمة وتعزيز الردع.
دامت العملية 22 يوما وقد بدأت بضربة افتتاحية هوجمت بها عشرات الأهداف في ثلاث دقائق واربعين ثانية لاحراز تأثير الاصابة الشديدة واحداث صدمة شعورية. وبعد ذلك هوجمت عشرات مناطق اطلاق الصواريخ بقصد اصابة قواعد الاطلاق أو تحريكها بحيث لا تكون فعالة، وبعد ذلك أُطلقت النار مدة اسبوع على مئات الأهداف. وقد هوجم في الحاصل العام في اثناء العملية أكثر من ألف هدف. وكانت المرحلة الثانية هي المداورة العسكرية والدخول البري والمساعدة بالنيران. وكانت المرحلة الاخيرة هي الخروج من طرف واحد واعادة الانتشار من جديد. وكان الدخول البري الى منطقة غزة فقط، وكان بواسطة التطويق فقط في حين كانت المراوغة في الجنوب تمنع حماس من تركيز قوة في واحد من هذه الاماكن.
بدأت العملية في السابع والعشرين من كانون الاول 2008 امتدت الى 18 كانون الثاني 2009، وفي اثناء العملية أُطلقت على اسرائيل 730 قذيفة صاروخية، وكان يمكن ان نرى تأثيرا واضحا للقضاء على اطلاق القذائف الصاروخية الى ان بلغت صفرا في ايام العملية الاخيرة. ولم تنجح حماس في اطلاق قذائف صاروخية برغم جهودها الكبيرة وخسرت أكبر قادتها في اجهزة الاطلاق. ولم يوجد في الجانب الاسرائيلي مصابون كثيرون، وكان أكثرهم نتاج اطلاق قواتنا النار بعضها على بعض بصورة تميز القتال في المناطق المأهولة. ويملك الجيش الاسرائيلي قائمة فيها 709 مخربين قُتلوا وكانوا ينتمون الى واحدة من المنظمات الارهابية. وقُتل في القتال 295 من غير المشاركين في القتال (مدنيين طاعنين في السن ونساء واولاد تحت سن السادسة عشرة) وسقط ايضا 162 قتيلا لم تكن مشاركتهم واضحة. وتعتبر نسبة 75 في المائة من المخربين و25 في المائة من المدنيين في جيوش الغرب جيدة بالقياس الى القتال في منطقة مأهولة. وقد أُحرز ذلك بفضل عاملين. كان العامل الاول هو الحرب النفسية التي اشتملت على سيطرة على الاذاعة من التلفاز والمذياع في قطاع غزة وبث رسائل وتوجهات بالهاتف الى بيوت السكان (كان في الحاصل العام 290 ألف مكالمة هاتفية تم الرد عليها)، وجه فيها المدنيون الى كيفية السلوك. وكان العامل الثاني هو الاستعمال الواسع لسلاح دقيق.
ونقول تلخيصا انه يجب علينا ان نسأل هل أحرزت دولة اسرائيل أهدافها وكيف صمدت لهذه التحديات في المستوى التكتيكي وفي المستوى الجهازي، ونقول بصورة أكثر صراحة – هل أحرزت عملية "الرصاص المصبوب" الردع المطلوب وهل أبقت منفذا لحرب اخرى في المستقبل. وأنا أرى ان جواب هذين السؤالين هو بـ نعم.
معهد بحوث الامن القومي - الجيش والاستراتيجية – المجلد 4 – العدد 1 – أيار 2012 .

انشر المقال على: