القائد التربوي المرحوم فوزي جابر.. قامة تفتقدها المؤسسة التعليمية بالقدس
القدس- تقرير خاص بـ"القدس"-
لا تزال البصمات التي تركها القائد التربوي المرحوم فوزي صبري جابر (1936- 1996) نبراساً تهتدي به الأُسرة التربوية في مدارس القدس المحتلة، فهو الذي يعتبر تاريخاً حافلاً بالإنجازات والتضحيات من أجل الأجيال الفلسطينية والحفاظ على هويتها من الضياع، بالرغم محاولات الاحتلال في الفترة التي كان يعمل بها لتدمير العملية التعليمية والتربوية وزرع الجهل في صفوف أبنائنا.
وفي هذا الإطار، يقول سمير جبريل، مدير عام التربية والتعليم في محافظة القدس، في حديث مع مسؤول الإعلام في المؤتمر الوطني الشعب للقدس واصل الخطيب: إن المرحوم جابر يعتبر من عمالقة الشخصيات التي أفنت حياتها من أجل بناء جيل تفتخر به القدس بشكل خاص وفلسطين عامة، وهو شخصية تستحق تسليط الأضواء عليها لما كان لها من فضل في بناء جيل متعلم.
وأضاف: بعد احتلال مدينة القدس رفض جابر العمل في التعليم في إطار المؤسسة الاحتلالية، بالرغم من كل المغريات التي عرضت عليه، إلا أن انتماءه للقدس جعله يفضل العمل في المؤسسات الوطنية، فانتقل للتدريس في الكلية الإبراهيمية كمعلم لمادتي الفيزياء والرياضيات بجانب عمله كضابط نظام في الكلية من العام 1967 حتى العام 1977، وبعدها تم تعيينه مديراً لمدرسة المعهد العربي في أبوديس، حيث ازدهرت المدرسة في فترة إدارته الواقعة بين 1977م -1982، وأصبحت من أفضل المدارس في المنطقة وحصلت على أعلى النتائج في امتحان الثانوية العامة، وكان مسؤولاً عن قسم الأيتام في المدرسة، وقد لقب بـ"أبو الأيتام" لما قدم لهم من حب وعطف ورعاية، إضافةً إلى التربية والتعليم، وفي عام 1982 استُدعي من مديرية التربية والتعليم في القدس ليتولى إدارة مدرسة الأمة الثانوية التي تميزت في عهده، وأصبحت من أفضل المدارس في مدينة القدس، حيث منح أولياء الأمور في المدينة المقدسة وساماً يفتخرون به بمجرد وجود أبنائهم كطلاب في "الأمة"، والتي أصبح أغلب طلابها الآن من أكثر أبناء القدس تعليماً وتأثيراً في جميع المجالات.
وفي عام 1983، عمل خلال الفترة المسائية في كلية المجتمع بالكلية الإبراهيمية إلى جانب عمله مديراً لمدرسة الأمة الثانوية، وكان مسؤولاً لقسم شؤون الطلبة واستمر حتى العام 1988، وفي العام 1993 عانى من عدة أمراض، لكنها لم تكن عائقاً أمام إرادته وطموحاته، ولم تمنعه من استمرار حمل رسالته في تربية الأجيال، واستمر في مقاومة المرض، وبقي على رأس عمله مديراً لمدرسة الأمة الثانوية حتى توفاه الله عام 1996.
نشاطات اجتماعية وخيرية...
وتابع جبريل: شارك الراحل الكبير في العديد من الجمعيات الخيرية والنوادي، حيث كان رياضياً في بداية حياته، إلا أن مشاركته في مقاومة الاحتلال وقضاءه فترات في المعتقلات ومعاناته من ظروف التحقيق الصعبة جعلته يخرج من المعتقل مصاباً بعدة أمراض منعته من ممارسة الرياضة، وبهذا تفرغ للتعليم وغرس حب القدس وفلسطين في نفوس طلابه، ولكن الاحتلال استمر بملاحقته واعتقل أكثر من مرة خاصة خلال فترة الانتفاضة الأولى، حيث كانت تهمته غالباً حماية الطلاب من جنود الاحتلال.
ابنة الراحل: ترك أثراً لا تمحوه الأيام..
وتقول ابنته غدير جابر، مسؤولة ملف التعليم في المؤتمر الوطني الشعبي، لـ"القدس"، إن والدها الذي رحل عن عالمنا في العام 1996 ترك فيها أثراً كبيراً على الصعيدين الشخصي والتربوي، فهي لا تزال تتعامل معه كأنه حي يُرزق من خلال مناجاته وهو راقد في ضريحه، مشركةً إياه في خضم القضايا والمشاكل التي تواجهها في عملها وحياتها الخاصة.
وتضيف جابر التي عملت في حقل التربية والتعليم مدةً تزيد على 37 عاماً: إن الأُسرة التربوية في القدس تشهد لوالدها بفرادته وتميزه في إدارة المؤسسة التربوية والاهتمام بالطلبة على جميع المستويات، وأهمها السلوكية والوطنية، وكان ذلك قد تجلى في فترة توليه إدارة مدرسة وكلية الأُمة في الضاحية، حيث قاوم المحتل الذي عمل بكل ما أُوتي به من جهد لتجهيل الطلبة عبر اعتقالهم وإبعادهم عن مقاعد الدراسة، لكنه كان يتصدى ببسالة لهذا المخطط الذي أفشله بكل حنكة ومسؤولية.
وتقول جابر التي تواصل السير على نهج والدها عبر متابعتها قضايا التعليم في مدارس القدس المحتلة عبر المؤتمر الوطني الشعبي: إن من تسلموا الراية بعد والدها هم أكفاء وأوفياء ولا يزالون يقدمون من أعمارهم وفكرهم كل ما ينهض بالأجيال الفلسطينية التي تتعرض لسياسة تجهيل إسرائيلية ممنهجة، إضافة إلى عملية الاستيلاء على التاريخ الحقيقي للقضية السمير فلسطينية وتزويرها عبر تحريف المنهاج، وهو الأمر الذي يحاربه كل من حملوا لواء الدفاع عن القدس مدينة ومؤسسات، وفي مقدمتها المؤسسة التعليمية التي نراهن عليها في صقل الجيل القادر على مواجهة المحتل متسلحا بالعلم والمعرفة.
الكامل: صاحب مواقف وطنية لا تُنسى..
من جانبه، يقول المربي المتقاعد سامي عبد الكامل، وهو زميل الراحل، في حديث مع المكتب الإعلامي للمؤتمر الوطني الشعبي: إن المرحوم عمل مدرساً في المدرستين الرشيدية والإبراهيمية، ولمع اسمه في عمله مديراً في أعرق وأكبر مدارس القدس، ابتداءً بمدرسة عبد الله بن الحسين والمعهد العربي، ثم مدرسة الأُمة والكلية الإبراهيمية. وكان له موقف وطني بارز، فقد رفض العمل في سلك التعليم مع الاحتلال بعد عام 67، وساهم مع بعض المربين في "فتح" مكتب تربية القدس.
وأضاف: تعرفت عليه عام 82 عندما عُيّن مديراً لمدرسة الأُمة التي كنتُ أعمل فيها مدرساً لمادة العلوم الحياتية، وفي الأُسبوع الأول كان دوامه خارج سور المدرسة يراقب سلوك الطلاب وتصرفاتهم في الشارع، بعدها انتقل إلى ساحة المدرسة وفرض هيبته على الطلاب والمعلمين.
وتابع: بعد ذلك تحول إلى صديق للمعلمين يشاركنا في الأفراح والأتراح، حيث عملتُ معه لمدة 14 عاماً، لم يتغيب فيها يوماً واحداً عن العمل.
وأشار عبد الكامل إلى أن الراحل ضبط المدرسة، ما أتاح الفرصة لتفوق الطلاب منقطع النظير، إذ حصل العديد منهم على علامات عالية، وكانوا من العشرة الأوائل على مستوى الوطن.
وتجلت عظمة إدارته في سنيّ الانتفاضة الكبرى عام 1987، حيث كان جنود الاحتلال يقتحمون المدرسة بشكل شبه يومي، فكان يقاوم ويتحمل هجوم الجيش بصبر عجيب، فهو المدير والمسؤول عن تصرفات الطلاب.
ويمضي قائلاً: كانت هيبته أيضاً تنطبق على أولياء الأُمور، وهذا أعطى المعلمين الأمن الوظيفي، فلم يحصل في عهده، أيّ تعدٍّ على أي معلم من قبل الطلاب أو ذويهم. وفي آخر عهده، وبالرغم من مرضه، استمر عمله كالمعتاد إلى أن وافته المنية عام 1996.
واختتم بالقول: لا يزال المئات من طلابه يذكرونه بخير، وهم الآن يحتلون مراكز ومناصب رفيعة في الوطن وفي الخارج ومن كافة التخصصات.