الخميس 30-01-2025

الغائب في خطاب الرئيس

×

رسالة الخطأ

طلال عوكل-غزة

الغائب في خطاب الرئيس
بقلم : طلال عوكل

ثمة وضوح في خطاب الرئيس محمود عباس خلال مؤتمره الصحافي الذي انعقد في رام الله، أول من أمس، غير أن هذا الوضوح لا يغطي مساحة القضايا الشائكة التي تناولها، أو تداولتها أسئلة الصحافيين. الدواعي لعقد هذا المؤتمر الصحافي، لم تكن في الأساس أساسية، وإن كانت القضايا السياسية تحظى دائماً بالأولوية، والأرجح أن الأزمة الاقتصادية، وما تجره من احتجاجات متزايدة في الشارع الفلسطيني، هي التي تقف على رأس الدوافع التي فرضت على الرئيس أن يخرج إلى ناسه ليتحدث إليهم، بهدف تحديد طبيعة وأبعاد الأزمة، وآليات معالجتها، والبحث عن اقتراحات ووسائل للحل، بالإضافة إلى تحديد معايير وأطر المقبول والمرفوض في التحركات الاحتجاجية على خلفيتها.
البعض أشار إلى أن الاحتجاجات الشعبية التي شملت عدداً من المدن الفلسطينية في الضفة بما في ذلك رام الله، تقدم مؤشراً قوياً على تصاعد الحراك الشعبي، الذي يتماهى مع الحراك الشعبي العربي، الذي يندرج تحت مسمى الربيع العربي.
ثمة ما يبرر للناس الخروج إلى الشارع للتعبير عن احتجاجهم القوي في ضوء تزايد نسب البطالة، وارتفاع نسب الضرائب، وتصاعد نسب الغلاء إلى حدود مرعبة، بالإضافة إلى ما أشارت إليه وحذرت منه تقارير دولية بشأن تدهور الأوضاع الاقتصادية والذي يمكن أن يؤدي إلى انهيار السلطة.
يتزامن هذا الوضع على جبهة التردي الاقتصادي والغلاء مع إطلالة جديدة لفوضى أمنية، تشكل اغتيال نائب مدير الأمن الوقائي في جنين عنوانها الأساس، وقد تتسع مؤشراتها ومظاهرها، ما لم تتخذ السلطة إجراءات حكيمة وفاعلة في مواجهتها.
المشهد العام الفلسطيني يتسم بتفاقم وشمولية الأزمة العامة، فالحل السياسي طريقه مغلق، والأوضاع الاقتصادية والمعيشية للسلطة والناس في تدهور مستمر، والانقسام لا يزال يتعمق يوماً بعد آخر، والمخططات الإسرائيلية بكل أنواعها وأشكالها وأدواتها، لا تزال تنهب الأرض والحقوق وتهدد البشر، والمقاومة بكل أشكالها في أدنى مستويات نشاطها، والربيع العربي بأحداثه وتفاعلاته الصاخبة، لا يزال يغطي على القضية الفلسطينية.
العقل السليم يدرك دون شرح أو تفسير، أن الاحتلال هو المسؤول أولاً وأساساً عن مآسي وأزمات الشعب الفلسطيني، لكن للقيادات السياسية والمؤسسات الفلسطينية نصيب من هذه المسؤولية، بما في ذلك المسؤولية عن تمادي الاحتلال في سياساته، والمسؤولية عما آل إليه الوضع الفلسطيني من انقسام وضعف، وتراجع أشكال المقاومة، وأيضاً المسؤولية عن تواطؤ العرب، ومساهماتهم في إضعاف القرار والمسؤول الفلسطيني، وفي استمرار الانقسام، وحتى إزاء وقاحة السياسات الدولية الداعمة لإسرائيل.
لا نريد هنا مراجعة ما هو واضح في خطاب الرئيس وردوده على الأسئلة، ولكنني أود الإشارة إلى الملتبس والغامض في ذلك الخطاب، ومن موقع الاعتراض على سياسة الغموض في غير مواضعها.
حين تحدث الرئيس عن دعم العرب لقرار الفلسطينيين التوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب الموافقة على مقعد غير عضو لفلسطين، قال الرئيس: إنه سيتم تقديم الطلب في السابع والعشرين من أيلول الجاري، غير أنه تجنب التأكيد على أن تقديم الطلب سيعني طلب التصويت عليه في هذه الدورة للجمعية العامة.
ثمة من يرى أن السلطة استجابت للضغط الأميركي الذي يستهدف منعها من مواصلة طريقها إلى الأمم المتحدة، ولذلك فإنها ابتدعت حلاً وسطاً، فتقديم الطلب في الموعد المذكور معزول عن موعد طلب التصويت، الذي قد يتأجل إلى العام المقبل.
الرئيس في إجابته عن السؤال الذي يتعلق بموقف السلطة من قرار مؤتمر الحزب الديمقراطي الأميركي الذي يعتبر القدس عاصمة لإسرائيل، أكد الموقف الرافض والشاجب، لكنه أضفى شيئاً من الغموض على توقعاته للموقف الأميركي بعد الانتخابات الرئاسية، ما يشير إلى شبهة تلقيه وعوداً من الإدارة الأميركية بشأن الوضع الفلسطيني - الإسرائيلي بعد الانتخابات.
إزاء الوضع الاقتصادي، ونحن نعلم أن الأمر يتصل باتفاقية والتزامات، بما في ذلك اتفاقية باريس الاقتصادية، وغياب الإرادة الفلسطينية المستقلة بسبب الاحتلال، أشار محقاً إلى الكثير من الأسباب، لكن إلى متى يمكن التستر، والتساهل مع الدور العربي، أو لنقل، دور بعض الدول العربية في توظيف التزاماتها المالية لجهة الضغط على السلطة والشعب الفلسطيني؟
إن التزام الفلسطينيين بسياسة عدم التدخل في شؤون الدول العربية، كسياسة قديمة جديدة، أمر مفهوم، لكن ماذا حين يتدخل العرب أو بعضهم في الشأن الفلسطيني إلى الحد الذي يؤدي إلى تعزيز الانقسام، وإضعاف قدرة الفلسطينيين على الصمود والمجابهة لسياسات الاحتلال؟
تحدث الرئيس عن خمسمائة مليون دولار أقرتها قمة سرت الأولى ولم يصل منها للقدس سوى ثلاثين مليوناً، وعن موافقة عربية جماعية ورسمية لتوفير شبكة أمان مالي للسلطة بواقع مائة مليون، وبعمومية تحدث عن التزامات الدول العربية في إطار التزامات الدول المانحة، فلماذا لا يحدد بوضوح مسؤوليات كل دولة من الدول التي تقصر في أداء واجباتها والتزاماتها، وهل نحن كفلسطينيين بريئون إزاء الأسباب التي تمنع هذه الدول من الوفاء بالتزاماتها؟ ألا يتوجب تغيير سياسة المجاملة إزاء هذه الدولة، وتوخي معنى المثل الشعبي الذي يقول "اللي بيخجل من ابنة عمه لا ينجب أطفالاً"؟
وعند الحديث عن الاحتجاجات الشعبية بسبب الغلاء والضرائب، والفقر، والبطالة، نتساءل إن كان على الرئيس أن يشير بوضوح إلى جهات عربية أو فصائل فلسطينية تقف وراء هذه الاحتجاجات، وتدفع نحو تأجيجها، وخروجها عن طابعها السلمي الديمقراطي الذي نوافق عليه ونتفق معه، ولدفع الأمور نحو فوضى عارمة، خصوصاً وقد وردت إشارة من هذا النوع، حين جرى الحديث عن ملاحقة الجماعات التي تسعى وراء الفوضى الأمنية على خلفية اغتيال نائب مدير الأمن الوقائي في جنين.
وفي السياق، نشير إلى أن المطالبة التي ظهرت خلال بعض الاحتجاجات باستقالة الدكتور سلام فياض، هذه المطالبة، تسبقها مناخات فصائلية مناوئة للرجل وحكومته، وفي كثير من الأحيان من قبل حزب السلطة.
وأخيراً، هل تعني إشارة الرئيس في موضوع المصالحة، إلى من يدعو إلى اتفاق فتح وحماس، وادعاء البعض أنه يقف على مسافة واحدة من الطرفين، هل تعني هذه الإشارة تراجع الدور المصري العملي، والاكتفاء بالتصريحات الإيجابية التي لا طائل من ورائها، إن لم تتبع بعمل؟
نحتاج إلى الوضوح والشفافية، خاصةً أن ظهورنا إلى الحائط، خصوصاً مع أنفسنا ومع أبناء جلدتنا من العرب، حتى يتبين الفلسطيني مواطئ أقدامه ويتفهم سياسات قيادته، وحتى نكشف أمام الشعوب العربية مواقف أنظمتها، التي لابد أن تتغير، وإلا فالخسارة واقعة إذا بقيت مواقف الأنظمة كما هي عليه. هذا هو الحل بعيد المدى، وإلا فإن الحلول الترقيعية وهي ممكنة، قد تؤدي إلى تسكين الوضع لبعض الوقت لكن ليس كل الوقت.

انشر المقال على: