الطوق الامني الاستراتيجي ل"اسرائيل"
نواف الزرو
استتباعاً لقراءة الحصاد الاستراتيجي الإسرائيلي من وراء احتلال وتدمير العراق ونحن اليوم بعد عشر سنوات كاملة من الغزو، فان التقديرات العسكرية الأمنية/ الاستراتيجية الإسرائيلية. أخذت تتحدث منذ ذلك الوقت عن "شرق أوسط جديد" وعن "نافذة فرص تاريخية لصالح إسرائيل"، وعن تغييرات إقليمية وعالمية تصب في صالح إسرائيل خلال السنوات القادمة، وكذلك عن تفكك وانهيار وتهافت عربي، وعن أنه لم تعد هناك وحدة عربية أو تنسيق عربي حتى ثنائي فيما يتعلق بالصراع مع "إسرائيل"، ولا نبالغ إن قلنا وأستخلصنا ان كل قصة "مشروع الشرق الأوسط الكبير" أو "الأكبر" أو "الصغير الذكي"، إنما هي قصة "إسرائيل" وأمن وبقاء واستمرار ليس وجود "إسرائيل" فحسب، وإنما هيمنتها الاستراتيجية على المنطقة برمتها أيضاً، ولا نبالغ ان قلنا أيضاً أن كل قصة "الحرب على الإرهاب" و"تدمير وغزو العراق" إنما هي قصة "إسرائيل" في الجوهر والصميم والأبعاد الاستراتيجية.
ولذلك يمكن أن تعتبر هنا شهادة الجنرال الأمريكي المتقاعد "أنطوني زيني" الذي وضع خطة الحرب ضد العراق عام 1991 من أهم الشهادات التي تفضح القصة من أولها إلى آخرها، حينما أعلن وأكد ولو متأخراً (في أعقاب صحوة ضميرية متأخرة) "أن كل خطة الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين وإعادة تشكيل الشرق الأوسط إنما هي من أجل تعزيز أمن إسرائيل"، وهذا ما ذهب إليه وعززه أيضاً في حينه عضو مجلس الشيوخ الأمريكي "أرنست فريتس هولينغس" في مقالة نشرتها صحيفة "تشارلتون" حيث كتب بمنتهى الوضوح قائلاً : "أن سياسة الرئيس بوش-في عهده- الخاصة بالدفاع عن إسرائيل هي التي وقفت وراء شن الحرب على العراق"، ما يعيدنا هنا - للتذكير والتوكيد - إلى مكانة "إسرائيل" على الأجندة الأمريكية الشرق أوسطية، وإلى التداعيات الاستراتيجية لغزو العراق التي تحمل في أحشائها وفق شهادات واعترافات إسرائيلية تغييرات استراتيجية لصالح "إسرائيل" ليس على الصعيد الاقليمي فقط، وإنما على الصعيد العالمي أيضاً، فها هو شمعون بيريز ثعلب السياسة الإسرائيلية وآخر عواجيزها يقول : "أنني أرى الشرق الأوسط يعود للحياة" مشيراً بذلك إلى مشروعه للشرق الأوسط الجديد الذي كان قد نظر له ووضع فيه كتاباً موسعاً، ثم عاد بيريز ليصرح ثانية في كلمته أمام "مؤتمر هرتزليا لميزان المناعة" مؤكداً : "أنني أرى شرق أوسط جديد يجري بناؤه هنا.. أن العالم تغير، ونحن نرى ذلك في العراق".
الجنرال احتياط غيوراً ايلاند رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي سابقاً لخص التغييرات الايجابية الرئيسية لصالح "إسرائيل" خلال السنوات الأخيرة في ورقة عمل قدمها أيضاً أمام مؤتمر هرتزليا، حيث جاء فيها :يمكن تشخيص وجود تغييرات رئيسية في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، وعلى ما يبدو فإن هذا الميل آخذ في الاشتداد: التغير الأول : ارتفاع وزن الدول غير العربية، ويمكن أن نذكر هنا تركيا "وإسرائيل" من جهة، وايران من جهة ثانية، ومع أن هذا الأمر يحمل وجهين سلبي وايجابي، إلا أن ثقل الدول غير العربية يزداد.
الثاني : العمل العربي المشترك الذي كان نوعاً من المعجزة وشعاراً عند العرب ضعف إلى حد كبير جداً، وثمة لإسرائيل في هذا الشأن مزايا أكثر بالطبع. الثالث : من الناحية العسكرية، فكلما تعلق الأمر بالقدرات العسكرية التقليدية على الأقل، فإن ثمة تراجعاً في قدرات الدول العربية - بعد العراق - وقدرات الاعداء التقليديين لدولة إسرائيل، وهذا الأمر يعتبر من ناحيتنا أيضاً ظاهرة ايجابية".
لقد ازدحمت الأجندة السياسية الإسرائيلية بكم كبير من التصريحات والتقديرات السياسية والعسكرية والاستراتيجية حول "انهيار الجبهة الشرقية" و"تفكك العالم العربي في مواجه إسرائيل" بعد العراق، وكان الجنرال احتياط "اروي ساغي" رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية سابقاً في مقدمة جنرالات "إسرائيل" الذين تحدثوا عن التفكك العربي حيث قال : "لم يعد هناك قومية عربية شاملة في مواجهة إسرائيل"، ، كما أعرب شمعون بيريز ثعلب السياسة الإسرائيلية عن اعتقاده بـ "أن رياح سلام جديدة تهب في الشرق الأوسط"، وذلك استناداً إلى "أن الغزو الأمريكي للعراق وإسقاط صدام حسين نسف خرافات كثيرة مثل وحدة الموقف العربي"، مضيفاً "لقد ثبت أنهم "العرب" منقسمون"، وربما تكون تصريحات موشيه يعلون وزير الحرب الإسرائيلي هي الأهم والأوضح والأخطر في هذا الصدد، حيث أعلن في مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت مؤكداً : "نحن لم نعد نتحدث عن عالم عربي، ولا عن وحدة عربية، وإنما يدور الحديث عن مصالح فئوية خاصة"، والاهم ما جاء على لسان المحلل الاستراتيجي الإسرائيلي زئيف شيف الذي أكد بدوره على انهيار الجبهة الشرقية والاتئلاف الحربي العربي قائلاً : "لا يوجد اليوم تحالف حربي ضد إسرائيل، ولا يوجد اليوم أي فرصة لإقامة جبهة شرقية ضدها.. كما يمكن الاستنتاج بأن الوجود الجمعي العربي قد ضعف، وبالتالي لا غرو في أن التقدير الاستخباري الإسرائيلي المتجدد توصل إلى الاستنتاج بأن مجال المناورة لإسرائيل قد اتسع".
ومن العراق الى سوريا، فما يجري في سوريا اليوم، انما هو استكمال للمخطط الامريكي الاسرائيلي باقامة "الطوق الامني الاستراتيجي حول اسرائيل" بتفكيك الجبهة الشرقية وانهاء التهديدات المحتملة فيها لمستقبل "اسرائيل" كي يبقى هذا الكيان متفوقا مهيمنا على المنطقة برمتها.