الجمعة 31-01-2025

السماوات المفتوحة.. والأنظمة المستباحة!

×

رسالة الخطأ

محمد خروب

لا نتحدث عن ائتلافات وشركات الطيران التي تلتقي عندها أسماء أو تحالفات هدفها زيادة حصة كل شركة أو ائتلاف، من المسافرين عبر العالم أو إنقاذ بعض الخطوط والشركات المتعثرة التي ظهر لها منافسون داخل أوطانها او في الأقاليم أو عبر البحار والسماوات ، بل نحن نتحدث عن سماوات الأنظمة العربية التي باتت مستباحة أمام كل من يريد ان يُحقق مغامرة أو يفرض سيطرة أو يعزز هيمنة وهنا تنفرد اسرائيل بالصدارة لانها باتت على قناعة أن النظام العربي القديم (وهل ثمة جديد أصلاً؟) قد باتت جثة هامدة وان قادة معظم دول هذه النظم باتوا غير معنيين الا باستمرار سلطتهم واستبدادهم وامتيازاتهم لان ليس امامهم من خيار سوى المضي قدماً في نهجهم المعروف عبر قمع واذلال شعوبهم وانتهاك حقوقهم الاساسية ودفعهم الى مزيد من الفقر والبطالة والامية والمرض وعبر تكريس التحالفات مع أصحاب الاموال ورجال الأعمال وعصابات التهريب ومحتكرو الوكالات والشركات الأجنبية..
هنا تبدو الغارة الاسرائيلية الاخيرة على مصنع اليرموك للاسلحة، سواء كان هذا المصنع متواضع الانتاج والتكنولوجيا والخبرات والكفاءات على نحو يبدو اقرب الى «مشغل» منه الى أن يحمل صفة المصنع ، استمراراً لقاعدة العربدة الاسرائيلية التي تنهض على قناعة بأن لا أحد سيعترض طائرات سلاحها الجوي الذي يجوب الاجواء العربية من الماء الى الماء، دون أن يُكتشف او يَتم اعتراضه أو أن أحداً من الذين يحرسون التخوم ويسهرون على القلاع والحصون يراهم أو يفكر حتى باحتمال أن يكون هناك من «يأمر» باسقاط أو اعتراض أو الاحتجاج على أعمال كهذه، تحدث - كما تقول وكالات الانباء والمعاهد المتخصصة-باستمرار وليس موسمياً أو حتى عند توتر الأوضاع وتزايد الاحتقان.
لهذا تبدو ردود فعل الحكومة السودانية «عادية» ولا تخرج عن سياق ردود الفعل العربية المعروفة في أحداث مشابهة، كانت اسرائيل هي التي تعربد وكانت الانظمة هي التي تُبرر وتكذب وتراوغ وتناور لكنها لم تمتلك الجرأة على التهديد (مجرد التهديد) بالقيام بعمل مماثل دون إعادة الاسطوانة المشروخة التي تثير الغضب والاشمئزاز باننا سنرد في الزمان والمكان المناسبين، فلا نعلم متى سيأتي ذلك الزمان ونجهل بالتأكيد المكانَ لأنهم في اسرائيل لا يغفون في أوقات الحراسة، فيما عربان اليوم لا يعرفون سوى النوم والشخير وكوابيس الاحلام..
قديماً - وليس قديماً كثيراً إذ أن عمر اسرائيل لم يتجاوز الستين إلا قليلاً - قال شمعون بيرس : ويل اسرائيل ان تركت امورها الى الصدفة- وهم على هذه القاعدة يسيرون تختلف الاحزاب والاسماء والافكار، لكنهم يلتقون عند «امن اسرائيل» لا ينجو احد من المساءلة والمحاسبة وصولاً الى المحاكمة والإبعاد والإقالة والتوبيخ وغياب الأضواء والتعفن في العزلة..
أما عند العربان فلا شيء من هذه الثقافة، بل إن المهزوم والمأزوم والمفرّط والفاسد والجاهل والإمعة والجاسوس والآتي بقرار اميركي وموافقة اسرائيلية، هو الذي يتصدر المشهد في القيادة كما في الصفوف الخلفية، واذا ما حاصرته ألازمات وانكشفت المؤامرات والتواطؤات، يمّم هؤلاء أنظارهم صوب واشنطن علّها تنقذهم او تحفظ ما تبقى من ماء وجوههم، وهنا هي التي تُقرر أن يمضي أو يبقى، أن يُحاكم او يُقتل حتى لا ينكشف المزيد من الاسرار، واذا ما رأوا ان قتل أو تصفية او سجن الحاكم (العربي) سيكون بلا اثر ، فانهم يُخرجونه من القصر الى الظل، كي يتواصل تخريبه وإفساده وتمزيق مجتمعه على النحو الذي رأيناه في اليمن مثلاً..
وُصِفت الدولة العثمانية أوائل القرن الماضي من قبل الاوروبيين، بأنها الرجل المريض وكانوا على استعداد لاقتسام تركيا بما هي دولة تضم قوميات وأعراق وجماعات مختلفة..
اما أُمة العرب، فهي الامة المريضة لهذا القرن، وما يجري ليس سوى مشروع غربي لاقتسام تركتها أو إعادة توزيعها ورسم خرائطها الجديدة.
kharoub@jpf.com.jo

انشر المقال على: