بيت لحم- حافظ ابراهيم- PNN- تهويد واغلاق وتضييق للخناق، خطوات ممنهجة يتبعها الاحتلال الاسرائيلي بحق المواطنين الفلسطينيين القاطنين بالبلدة القديمة بمدينة الخليل المحتلة جنوبي الضفة الغربية لسرقة التراث والتاريخ بهدف نفي الصبغة العربية والاسلامية عنها وقتلها اقتصاديا وتجاريا لتهويد ما تبقى من المدينة وخصوصا الحرم الابراهيمي الشريف.
المتجول في حواري وازقة البلدة القديمة بالخليل يستطيع ان يرى بام عينيه ان المكان يثير في النفس شجونا لدرجة انه يستهويك لتردد بأعلى صوتك انا عربي لا اتغير رغم محاولات التهويد المستمرة والمتمثلة بوضع الاسلاك الشائكة والبوابات والحواجز وكاميرات المراقبة والاعلام الاسرائيلية عدا عن تهويد الاسماء العربية وابدالها بالعبرية لترسيخ رواية لا تنطلي على احد بان هذه البلدة يهودية.
وبالرغم من كل مساعي التهويد الممنهجة الا ان المواطنين في البلدة القديمة حرصوا على التمسك بما ورثوه عن الاباء والاجداد من حرف وصناعات ليجسدوا إنموذجا للصمود بحفظ الهوية العربية العصية على الاقتلاع والتهويد.
ومن ابرز الصناعات التي قاومت عمليات التهويد وحافظت على هويتها من الذوبان والضياع، الحلقوم الابراهيمي، المعروف "بالراحة" إذ يعد من اقدم اصناف الحلويات التي تشتهر بها البلدة القديمة في الخليل.
بجوار بوابة الحرم الابراهيمي الشريف بالبلدة القديمة لا زال معمل حلويات سدر الذي انشئ منذ اكثر من 170 عاما يقاوم كل اشكال التهويد والأسرلة بحقه، والتي كان اخطرها في الفاتح من عام 1990 عندما احرق مستوطنون المعمل امام اعين سلطات الاحتلال التي منعت طواقم الدفاع المدني من اخماد الحريق الذي اتى على المعمل بالكامل. في محاولة يائسة لترهيب الحاج عبد المعز سدر صاحب المعمل، الذي ما كان منه الا الصمود بوجه هذه المحاولة فعاد واصلح ما دمره الاحتلال ليعاد حرقه مرة اخرى بايدي المستوطنين، لتكتمل حلقات الاستهداف باغلاق المعمل لعدة سنوات من قبل الاحتلال بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994م وبعد انطلاق انتفاضة الأقصى.
الحاج عبد المعز سدر (64عاما) اوضح أن المستوطنين لا يترددون في مهاجمة المحلات التجارية بجوار الحرم الإبراهيمي وحرق محتوياتها مشيرا الى ان كل محاولات الاقتلاع والتهويد دفعته للرباط في محله ليحافظ على مهنته التي ورثها عن ابيه وجده والتي علمها لابنائه واحفاده لانه لا يضيع حق وراءه مطالب.
الحاج سدر وخلال زيارة مراسل pnn لمعمله في البلدة القديمة قال: "إن أول أجداده بدأ صناعة هذا النوع من الحلوى منذ اكثر من 170 عاما، وانه ماض في عمله للحفاظ على هذا الارث التاريخي المتمثل بصناعة راحة الحلقوم التي يقصدها كثير من السيّاح وزوار مدينة الخليل من الضفة الغربية والقدس وعرب 48 لارتباطها بالحرم الابراهيمي الشريف الذي يواجه اكبر عملية تهويد في التاريخ".
عند المرور بجانب معمل سدر فإن الاذن لتطرب على صوت الحاج سدر الذي يتغني بارثه التاريخي- خليلي يا حلقوم- ابراهيمي يا حلقوم- وكأنه يقول للزائرين هنا بيت الكرم والجود، تذوق شهد الخليل، العصي على التزوير والتهويد.
من يسير في شوارع البلدة القديمة وخصوصا بعد الظهر يستطيع ان يرى طوابير المواطنين الذين ينتظرون بفارغ الصبر الوصول لمعمل سدر كي يفوزوا بتذوق قطعة او شراء علبة من الحلقوم الابراهيمي الذي ارتبط اسمه بالحرم الابراهيمي، حيث يتميز بمذاق طيب لا يضاهى ولا يقارن.
مقادير ومكونات تصنيع الحلقوم الخليلي بسيطة وغير معقدة ففي كل يوم ومع ساعات الصباح يفتح الحاج سدر معمله المتواضع ويباشر عمله بتحضير الحلقوم الابراهيمي فيقوم بوضع السكر والماء في وعاء كبير تبدو عليه آثار القِدم، ثم يقوم باضافة بودرة النشا لتتماسك التركيبة، ويضيف بعض العطور الطبيعية التي يصل سعر اللتر الواحد منها الى قرابة 140 دولارا ويخلطها معا وتطبخ على نار هادئة ما بين 7-8 ساعات تقريبا، ثم يقوم بعد ذلك بوضعها في أوانِ خاصة "طبالي" وتترك حتى تبرد ويقوم بعدها بتقطعها على شكل مربعات صغيرة ثم يضاف إليها السكر الناعم، ويغلفها بعلب صغيرة لتسوق وتكون صالحة من 3- 5 اعوام دون مواد حافظة".
وبالرغم من مضي مئات السنين على الحلقوم الخليلي فان سر مذاق هذا الارث التاريخي لم يقف حسب وصف الحاج سدر واهالي البلدة القديمة عند حدود مقادير التصنيع والمكونات بل تخطى كل ذلك واصبح يحمل رمزية ودلالة ترتبط بالحرم الابراهيمي الذي يفوح عليه من بركاته صباحا ومساء فتنعكس عليه مذاقا لا تجده في اي بلد اخر الا بجوار الحرم الابراهيمي الشريف الذي قسمه الاحتلال لقسمين بعد مجزرة ارتكبها المتطرف اليهودي باروخ غولدشتاين فجر يوم الجمعة من شهر رمضان المبارك الموافق 25/2/1994 والتي راح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى بعد أن أفرغ كل ما لديه من رصاص وقنابل نحو الساجدين العزل.
ورغم المعيقات التي تفرضها الظروف السياسية على الحاج سدر وبقية المواطنين في البلدة القديمة والمتمثلة باقامة عدة بؤر استيطانية فيها، وإغلاق المنافذ والطرق والشوارع بوجه الفلسطينيين وفتحها امام الاسرائيليين للعربدة على كل ما هو عربي،، فانهم يحاولون الصمود بوجه عمليات التهويد والاسرلة المتواصلة بحق محالهم ومعاملهم التجارية المتواضعة ما استطاعوا الى ذلك سبيلا دون ان يبخلوا بالغالي والنفيس للبقاء فوق ارضهم التي ورثوها عن ابائهم واجدادهم، رغم أوضاعهم الاقتصادية الصعبة.