الجمعة 31-01-2025

الجبهة الشعبية بين ثورية الشيوخ وزمن قيادة الشباب

×

رسالة الخطأ

الكاتب/ محمود التعمري

الجبهة الشعبية بين ثورية الشيوخ وزمن قيادة الشباب الكاتب/ محمود التعمري لقد شكلت الجبهة الشعبية ومنذ انطلاقتها نقلة نوعية متميزة في التاريخ الفلسطيني الحديث،ومركزا تمحورت حوله كل القوى اليسارية والتقدمية والوطنية ،وذلك لما مثلته الجبهة الشعبية من مواقف وارتباطات وعلاقات انطلاقا من رؤيا علمية وبرامج وأفكار تستجيب للمتطلبات التاريخية التي مر ويمر بها النضال الوطني والقومي، خاصة بعد كل الهزائم والانتكاسات التي شهدتها الأمة العربية وقواها المتعددة،والتي كان آخرها آنذاك هزيمة حزيران ،التي كشفت الكثير من نقص المناعة لدى كل القوى الوطنية والرسمية. وقد تميزت الجبهة الشعبية في كثير من جوانب العمل التنظيمي والجماهيري والسياسي والنضالي،مما أعطاها بعدا ثوريا ليس على صعيد العمل الوطني الفلسطيني وحسب وإنما على كل الصعد النضالية والثورية العالمية.. ومنذ البداية استطاعت الجبهة أن تكون لنفسها تاريخا وموقفا وارتباطا،وذلك من خلال مجموعة من المواقف والإحداث التي لا يمكن إغفالها عند الحديث عن الجبهة وتاريخها النضالي والثوري الطويل، وأنا هنا لست بصدد الحديث عن ذلك ألان..لان كثيرين تناولوا ذلك في كتاباتهم وتحليلاتهم ودراساتهم ..ولكنني سأقتصر حديثي فقط عن جانب واحد لا غير ألا وهو جانب القيادة الجبهاوية في عصر ثورية الشيوخ وزمن قيادة الشباب .. لقد حظيت الجبهة الشعبية ولسنين عديدة بقيادة تاريخية قلما توفرت لقوى سياسية وتنظيمية أخرى،هذه القيادة التي تميزت بسمات وصفات ومقومات عديدة، من حيث الوعي والمعرفة، والخبرة النضالية الطويلة ،وهي ذاتها القيادة التي استطاعت أن تحظى باحترام وتقدير كل القوى الثورية والوطنية الحية في العالم،وثقة ومحبة والتفاف الجماهير الكادحة حولها ،وهو ما اعتبره الكثيرون عصراً ذهبياً للجبهة الشعبية آنذاك. فليس مهماً ان يقف شخص ما، فوق هرم القيادة،ولكن المهم هو أن تتوفر فيه الشروط الضرورية والصفات الهامة الأساسية،حتى يمتلك هذا الشخص صفة القائد . ولا يخفى على احد إن ما ميز الجبهة عن غيرها ،هو وجود هذه القيادة التي كانت تمتلك كل مقومات القيادة الطليعية الحقيقية، فقيادة بحجم الرفاق د.جورج حبش وأبو علي مصطفى ووديع حداد وقادة آخرين قادوا دفة الكفاح الثوري والنضالي ،لن يكونوا ألا بحجم عظماء قادة التاريخ الثوري والاممي،وهذا ما يجعلني تسمية تلك الفترة التاريخية ، بعصر ثورية الشيوخ، تلك الفترة التي اتسمت بالوعي والمعرفة والدراية والتجربة الثورية العميقة والقدرة على التنبؤ بالإحداث قبل وقوعها ،مستلهمين كل ذلك من خلال فكر علمي أصيل، وبناء تنظيمي متين وقوي.. هذا العصر الذي حافظت فيه الجبهة على قوتها ومتانتها وصلابة عودها ووحدة صفها وصحة مواقفها وشعاراتها وبرامجها ، وفيه كانت تتبوأ موقع الصدارة والقيادة لقوى اليسار الفلسطيني والعربي ، ومركز جذبٍ لكل القوى الثورية العالمية .. ولان الجبهة هي جزء أصيل من معسكر قوى الثورة والتحرر العالمي ،فان أية تغيرات أو تطورات في هذا المعسكر سيكون لها انعكاساتها وآثارها العميقة على مجمل البنية الفكرية والتنظيمية والسياسية للجبهة ذاتها، وهذا ما شكل وما زال يشكل مفاصل هامة ورئيسية في الحالة الراهنة التي ألت إليها أوضاع الجبهة الداخلية من جهة أولى والنضالية والجماهيرية والسياسية من جهة ثانية، وعلاقاتها الأممية من جهة ثالثة . هذا إضافة إلى حالة الوهن التي أصابت قوى اليسار الفلسطيني وفي مقدمته الجبهة الشعبية، والذي أصبح فيه اللهاث وراء الإحداث والتطورات سمة ملازمة لهذا اليسار ،الذي فقد بوصلة سلوكه ومستقبل فعله،بدلاً من ان يحافظ – على اقل تقدير – على وحدة صفوفه وشيئاً من تأثيره في الحياة الوطنية ، بدلاً من وقوفه على هامش الإحداث.. ولأننا تعلمنا منذ زمن بعيد إن قوة أو ضعف أي حزب أو منظمة أو مؤسسة هي من قوة أو ضعف قيادتها ، فإننا نستذكر في كثير من الأحيان كم كانت الجبهة قوية ومتينة وثابتة عندما كانت تقف على هرمها قيادة قوية وأصيلة .. قياسا إلى ما نراه ونلمسه ونسمعه عن الحالة المزرية والواهنة التي وصلت إليها أوضاع الجبهة الداخلية والوطنية، والتي لم نعتدها من قبل في فصيل شكل أنموذجا متميزا في ساحة الفعل الوطني والنضالي، وحتى لا نظلم أحدا أو يلومنا احد أخر فانه لن يغيب عن الذهن قضيتين أساسيتين .. الأولى ،هي هذا الحجم الهائل والكبير والمزلزل الذي أصاب معسكر قوى الثورة والتحرر العالمي ،والإحداث غير الطبيعية، التي دمرت المنظومة الاشتراكية وفي مقدمتها الاتحاد السوفيتي وعدد كبير من دول المنظومة ،التي كان لها تأثيرها المدمر أيضا على حركات التحرر العالمية وكل الأحزاب التي كانت تعتبر طلائع نضال شعوبها ،ولان الجبهة هي جزء من هذا المعسكر فإنها بالتالي قد أخذت حصتها من هذا الواقع الجديد . والقضية الثانية ، هي نلك الكارثة التي حلت بالجبهة، عندما فقدت أعظم قادتها الأساسيين والمؤثرين، والذين كان لهم الدور الأبرز والأعظم في وصول الجبهة إلى مصاف اقدر الأحزاب والتنظيمات الثورية والوطنية مكانةً ودوراً أساسيا ورائداً في العالم. وهنا يجب الاستدراك، إننا لا نربط حالة الوجود التنظيمي والسياسي بأشخاص أو إفراد بعينهم كما قد يعتقد البعض ، ولكننا لن نغفل للحظة واحدة ما للأفراد أو الجماعات من تأثير ودور فاعل وقوي في حركة الواقع والإحداث والتاريخ، وليس شك إن هذا الدور وهذا التأثير يعودان إلى ما تتمتع به قيادةٍ ما من وعي ومعرفة وعلم، وتجربةٍ حيةٍ ذات إبعاد علمية وعملية. ولكن السؤال الذي يبرز إلى الواجهة ، لماذا وصلت أوضاع الجبهة إلى ما وصلت إليه بعد رحيل الشيوخ الكبار عنها؟؟ فهل كانت الجبهة ستصل إلى هذه الحالة لو كانت تقف على رأسها تلك القيادات التاريخية؟؟الم تشارك قيادات اليوم تلك السنوات والإحداث زمن قيادة الكبار؟؟ الم تطالب قيادات اليوم بانتقال القيادة إليها بدلا من تلك التي شاخت برأيهم ، لأنهم يشكلون عنصر الشباب الحيوي القادر على إكمال ما بدأ به الشيوخ؟؟ أسئلة كثيرة وكبيرة يمكن طرحها والحديث حولها ، وأنا اعرف مدى حساسية البعض حين يصير الحديث حولها مباح ، واعرف كم هي مؤلمة للبعض حين يفكرون بما آلت إليه حالة الجبهة الشعبية تحت قيادة ما يسمى بعنصر الشباب..واعلم جيدا مدى فرحة العض حين يتناول الحديث الجبهة وأقطابها القيادية في الشام وغزة والضفة ، خاصة أولئك الذين ، حملوا أو ساهموا في حمل الجبهة على الأكتاف والأعناق يوم أن عزت الأكتاف والأعناق وباتوا ألان في العراء ...وصارت الجبهة كأنها لا تعنيهم بشيء..إلا ما تجتره الذاكرة من ذكريات عاشوها أو تعايشوا معها في زمن غابر.. فبأي معنى يمكن الحديث عن الجبهة اليوم ؟ هذه العملاقة التي بدات بحمل عكازها والاتكاء على أكتاف الغير، هل بمعنى التابع والخائف والمستحى في الشام ؟ أم بمعنى الجندي المنضبط والملتزم والمطيع في غزة ؟ أم بمعنى صاحب البيان الخجول والمنتظر والمستفيد في الضفة الغربية؟؟. الأمنيات شئ والواقع شئ أخر ،ومع ذلك أتمنى كما يتمنى معي كل الحريصين والغيورين وكل الذين تربوا وتعلموا وناضلوا في صفوف الجبهة ،أن تعود الجبهة إلى مواقعها الطبيعية في صدارة الحياة الوطنية الفلسطينية الحقيقية ،لتأخذ دورها كما كانت في زمن ثورية الشيوخ الكبار ..وحينذاك لن ننظر للجبهة من خارج الصفوف .. بل سنكون في المقدمة وسرب الطليعة ..

انشر المقال على: